اليمن أكثر من مشروع حرب

قبل عشرة أشهر، استولى على اليمن ثلاث عصابات، الحوثي، وهي مليشيا تابعة لإيران، وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، الذي أقصي بعد ثورة الربيع، وتنظيم «القاعدة» الذي تمدد في الفراغ سريعاً. صار اليمن مثل سوريا، في احتراب بين غالبية من السوريين انتفضوا ضد نظام الأسد المتحالف إيرانياً، وتنظيم «داعش» الإرهابي.

الصورة الكبيرة تقول إن اليمن تجربة سياسية وعسكرية مهمة، ليس في حسابات التوازن الإقليمي الهامة فقط، بل أيضاً في مفهوم إدارة الأزمات. ومع أنه من المبكر إطلاق أحكام مطلقة على مشروع التدخل في اليمن، إنما مراجعة تطوراته تعطينا تصوراً لما يجري.

هذه الأزمة في اليمن، والمعركة الإقليمية المتعددة الجبهات مع إيران ككل، تدار، ولأول مرة، بدون الحليف الأميركي، وبدون مداخيل بترول كبيرة. هذا على مستوى تقييم الوضع من فوق، وتقييمه في إطار التحولات الجيوسياسية الخطرة جداً.

أما على مستوى التفاصيل، فإن الذي جرى في اليمن، كان غدراً بالسعودية ودوّل الخليج، وبالطبع كان غدراً بالشعب اليمني، الذي قدم أفضل نموذج في انتفاضته ضد نظام صالح، فقد كانت من أكثر الثورات العربية سلمية، رغم مماطلات صالح. وقد دخلت الأمم المتحدة على خط الأزمة مبكراً، وصممت مشروع حكم ديمقراطي يختار فيه الشعب اليمني من يريده عبر الانتخابات..

وقد سارت هذه العملية بنجاح، وبدون دماء، وتم تشكيل حكومة انتقالية، وبدأ العمل على كتابة الدستور. ثم وقعت انتكاسة، حيث جرى حرف العملية السياسية، التي رعاها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، عندما حاول الحوثي والرئيس المعزول، جعل اليمن مثل لبنان، أي من يملك السلاح يملك مقاعد وسلطة أكبر في الدولة. وبدفع من إيران، تجرأ الحوثي وصالح، واستخدموا القوة العسكرية لفرض شروطهم، ثم لاحقاً تمادوا بالاستيلاء على كل اليمن.

بات واضحاً للسعودية ودوّل مجلس التعاون الخليجي، أن إيران قد قررت توسيع دائرة الصراع الإقليمي، وكذلك توسيع مناطق نفوذها، وأنها بعد اليمن، ستذهب للبحرين، وربما جنوبي العراق، وتتمدد جنوباً.

التحديات التي واجهت السعودية ودول الخليج، أن إيران نجحت في إيصال وكيلها لحكم العاصمة صنعاء بقوة السلاح. وفي نفس الوقت، تبخرت القوة العظمى التي كانت ضابط الإيقاع لأكثر من نصف قرن في منطقة الخليج، أعني بها الولايات المتحدة.

فقد اختار الأميركيون ترك الساحة للقوى المتصارعة بعد انفتاحهم على إيران في مفاوضات البرنامج النووي، ما زاد من شهية القيادة الإيرانية للتوسع وتهديد استقرار المنطقة. في ظل هذه الظروف غير الاعتيادية، قررت السعودية بناء حلف عسكري، والتدخل في اليمن، بدعم الرئيس والحكومة الشرعية التي تعترف بها الأمم المتحدة.

ولو سألت أي خبير مختص في شؤون منطقة الشرق الأوسط، لما تردد بوصف التدخل السعودي، بأنه خطوة يائسة ومتأخرة، وأن الحل السياسي هو الخيار الوحيد الباقي، مع أنه كان سيعطي اليمن لصالح والحوثي، وبالتالي، يستولي الإيرانيون عليه بتكاليف زهيدة، وتصبح منطقة الخليج محاصرة إيرانياً من الشمال والشرق والجنوب.

وفي أقل من عام، نرى القوة الصاعدة في اليمن اليوم، هي الحكومة الشرعية، بتأييد غالبية مكونات اليمن السياسية والقبلية المختلفة، والمدعومة من دول مجلس التعاون الخليجي، وبتحالف عربي، هو الأول من نوعه.

هذه القوة نراها تنتصر على الأرض، بعد أن كانت قد أخرجت تماماً من بلادها، وتم تشكيلها في البداية كمقاومة بسيطة العدد والعُدَّة من مواطني المناطق التي تعمد المتمردون تدميرها وإذلال أهلها. واليوم، تقترب القوة الشرعية، مدعومة بقوات التحالف الذي تقوده السعودية، من العاصمة صنعاء، وقد أصبحت تبسط سلطتها على معظم تعز، وقبلها مأرب، ولحج وزنجبار، وعدن وغيرها.

تفاصيل أحداث الحرب اليومية كثيرة ومعقدة، بسبب تعدد القوى والجبهات، مع مليشيات الحوثي وقوات صالح ومقاتلي «القاعدة» وكذلك «داعش»، وحاول الحوثي نقل الحرب إلى الحدود السعودية لتخفيف الضغط عنه في مناطق القتال الأخرى، وفشل.

والقوة الشرعية، التي تسمى بالجيش الوطني، مع القوات الخليجية والعربية، تقاتل الحوثيين في مناطقهم الشمالية، مثل محافظتي حجة والجوف. وانتصرت على قوات صالح أيضاً في مناطق قوته، المحيطة بالعاصمة..

واستولت قبل أيام على معسكر نهم، مقر قيادة اللواء 312. والجيش الوطني، الذي بنته الحكومة الشرعية بدعم الدول الخليجية في الأشهر القليلة الماضية، أيضاً يقاتل تنظيم «القاعدة» في الجنوب والشرق من البلاد، وآخرها في محيط المكلا.

و«القاعدة» نشطت في الآونة الأخيرة، مستفيدة من انشغال الجيش الوطني في القتال ضد المتمردين في مناطق متعددة وبعيدة من اليمن، وحاول الهجوم على مكاسب الشرعية الأرضية، بما فيها العاصمة المؤقتة عدن. إنما لا تزال رياح الحرب لصالح الشرعية والتحالف.

«النموذج اليمني»، أي تغيير الأمر الواقع بالقوة والعمل السياسي المنظم، والإصرار على الهدف، رغم التحديات المحيطة، ليس خياراً جيداً، ولا يمكن تكراره في كل مناسبة، لكنه كان ضرورة لحماية الخريطة التي نراها اليوم. هذا النموذج سيؤثر في مفهوم الصراع الجيوسياسي للمنطقة كلها، أنه على اللاعبين الإقليميين والآخرين أن يضعوا في حسابهم استعداد وقدرة دول المنطقة على المواجهة.

والحرب في اليمن مهمة، لأنها مرتبطة بحروب الإقليم في سوريا والعراق، وحتى إلى ليبيا، ففي ظل الفوضى والفراغ، تحاول قوى خارجية، مثل إيران وكذلك «القاعدة» و«داعش»، الاستيلاء على هذه البلدان، في سباق لم تعرف له المنطقة مثيلاً من قبل.

نسعد بمشاركتك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص