البهمة تحت الشجرة والشجرة فوق الجبل

أصيب محمد اليمني، المصور والناشط وابن الثورة. ذكره المخلافي قبل يومين في حديثه للإعلام.
الشاب الجريح والمصور محمد اليمني، الذي قنصه الحوثيون وهو يلتقط الصور في تعز، كتب على صفحته إنه مستعد لسحل قناصه في كل شوارع تعز بلا رحمة ولا شفقة.
بلغة مرة وأليمة قال ذلك.
وفي هذه الحالة لن يجرؤ أحد على إسداء نصح له،وهو في مراره وهزيمته وألمه يعيش. هناك من سيتفهم موقفه، وهناك من سيمنحه الحق في ذلك، وثمة من سيقول: هذه لغة تخلق بيئة سامة، وهنا من سيقول ليس على المريض حرج.
كان أخيليس يقول: لا أخشى سوى من قتلاي، أولئك الذين حين أموت سيسملون عيوني ويقطعون شفاهي ويطوفون بي..
انقشعت الحرب في تعز عن البشاعة الأكبر.
جثة القناص ليست حقيقة ما بعد الحرب في تعز. تلك القصة المصنوعة تخص مشروع الغزاة، أما أهل تعز فيبحثون في ركام محافظتهم عن معالم الحياة، عن مكان ليضعوا فيه أقدامهم. مدينة صغيرة للعمال والموظفين والطلبة استقبلت خلال عام أكثر من خمسين ألف قذيفة صاروخية ومدفعية
يا لها من جريمة لن تسقط بالتقادم يا بهمة.
لا يعلم أحد من سحل جثة القناص، ولا في أي زمن، وما إذا كانت الصورة حقيقية أم مصنوعة. لا توجد أي معلومات دقيقة وعليه يصعب إبداء موقف صارم من جهة ما لأنه سيكون موقفاً بناء على ادعاءات.
تلك المواقف الحقيرة ضد تعز بناء على "صورة بلا بيانات" هي استمرار للعنف والعدوان ضد تعز وأهلها، وتعز لم تبرأ بعد من جراحها البالغة
ولن تنسى، ولن تسامح. لن تسامح. ونحن تعز، لن نسامح ولن ننسى، ونعرف جيدا من فعل بأهلنا ومدينتنا كل ذلك، ولن يفلت من العقاب.
القفز على حقيقة سحق مدينة بعشرات آلاف القذائف إلى البكاء على جثة قناص مجهول في متر مربع مجهول في ساعة زمن مجهولة
لن يخفي آثار جريمتكم، ولن يدفعنا للخوف والخجل والتواري
لا يا بهمة.
تعالوا للحقيقة الفادحة والمرة التي تكشفت عنها الحرب في تعز:
الألغام.
تلك هي الكارثة المتوالدة عن كارثة أكبر. ستختطف يوميا أرواح الناس، أو تحيلهم إلى معاقين
وأبعد من ذلك: 
ملأت الناس بالخوف والتوجس، وحرمتهم أمن ما بعد الحرب.
وكالعادة ضحاياها سيسقطون على زمن طويل وسيكون أغلبهم من الأطفال.
الألغام في تعز هي استمرار لعذاب المدينة وحصارها لعشرات السنين.
هذا هو المشهد الحقيقي في "بير باشا" يا بهمة الله في الأرض. تلك هي الفاجعة التي تركها الحوثيون يا بهمة.
وعليه يصبح لتحديك معنى، وأنت تقول للناس "لو رجال انزلوا من صنعاء وروحوا بير باشا".
هناك سبب ما يجعل من بيرباشا، وغيرها في تعز، أماكن غير آمنة..
إنها ألغام سيدك المخصي يا بهمة
------------------
ألف سلامتك يا محمد اليمني. أتمنى لك الشفاء العاجل..
-----------------
ملحوظة وقصة..
لا يوجد لدى الحوثي كتاب يمكن للشخص مناقشتهم، أو الإحالة إليهم، أو طرح خطابهم على طاولة الدرس النقدي
مؤخراً برز لديهم كاتب صحفي وحيد، لا يقرأ الكتب، لكنه ينشط في الصحافة والمكارحة واسمه محمد عايش.
فكرت في أخذ ما يكتبه على محمل الجد، فلا توجد جبهة ثقافية حوثية أخرى.
غير أني عدلت عن الفكرة، أنا وغيري، عندما رأينا الصحفيين والناشطين اليمنيين وقد منحوا الرجل لقب "البهمة". الذين أطلقوا عليه التسمية يعرفونه جيداً، ولا بد أنهم اختاروا له أنسب الأسماء.
في القرية، في تعز، إذا كنت تملك بهمة "محابر"، أو بهمة حبر، ويقصد بالبهمة الحبر أو المحابر تلك البقرة المتوترة والمجنونة في موسم السفاد، فما عليك سوى أن تربط عنقها بحبل قصير وتذهب بها إلى جبل بعيد.
في الجبل البعيد اربطها على شجرة وانتظر حتى يلقحها أحد العجول في البادية، لتهدأ روحها ويستقر جلدها، ويخف لعابها وطيشها وتعود بهمة صالحة.
تسمى تلك العملية في القرية "مطالقة". ويستخدم الفعل: يطلق على بهمته.
يقولون: أطلق عليها العجل، أي خلي العجل يشوف شغله. معها.
وغالباً ما تنتهي رحلة الجبل تلك بوئام، وتقر روحا العجل والعجلة
وفي سنة من السنوات راح سلطان، وهو رجل متوتر قليل الصبر، إلى الجبل البعيد مصطحباً بهمته.
انتظر سلطان وجاء العجل الغائب. كان متبختراً، ويكنى بأبو الجود.
ظلت البهمة ترفسه، وتصيح، وترغو، وتثغو، ولم يستطع أبو الجود الرفث معها.
سلطان، المتوتر قليل الصبر، قام من مكانه وضرب رباطها بعطيفه وأطلقها وهو يصفع مؤخرتها.
فزت البهمة وانطلقت، تاركة خلفها عجلاً كان في مسيس الحاجة للحظة شجن تحت شجرة، فوق جبل.
قالت له امرأة زعمت أنها تملك العجل:
خليها شوية، اصبر عليها، هي إلا بهمة
رد عليها سلطان وهو يربط رأسه بالمشدة ويتعثر في خطوته:
والله ما أطلق عليها إلا أنا
وراح سلطان
والمرأة تضع يدها على رأسها وتقول بصوت خجول وضاحك:
هاه
الله يخزيك واسلطان

نسعد بمشاركتك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص