المنظمات الدولية تخون تعز

ثلاثة أيام مضت منذ أن كُسر الحصار عن مدينة تعز، ببنادق المقاومة والجيش الوطني، ولم نسمع أي رد فعل إيجابي من طرف المنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة وحقوق الإنسان، لكأنهم ينتظرون من الذي سيحكم تعز بعد هذا النصر.
ثمة توجس لا مبرر له سوى ما تتطوع به منظمات محلية عبر مسئوليها المقيمين في صنعاء في كنف العصابة الحوثية الانقلابية، الذين ذهبوا إلى القول إن ما يجري في تعز هو تفوق مليشيا على أخرى عسكرياً.
أحد مسئولي هذه المنظمات وكان قد أقام الدنيا ولم يقعدها لأن جواز سفره احتجز لفترة من الزمن من طرف الميلشيا، لم ير فيما تحقق في تعز إنجازاً ولكي يكون رأيه منطقياً، تذرع بأنه لم ير الدولة تستعيد سلطاتها في تعز.
إنه يكذب ومعه العشرات من الناشطين الذين تورطوا طيلة السنوات الماضية، في قصص مشبوهة عن تعرضهم للتعذيب والاعتقال والإخفاء القسري، وحصدوا بسبب هذه الأكاذيب الجوائز الدولية.
 لم يكن الأمر سوى خدعة مارستها أجهزة المخلوع صالح آنذاك وكان الهدف هو إعداد هؤلاء الناشطين والناشطات للقيام بالدور الذي يقومون به حالياً.. إنهم يكذبون ويعتقدون أنهم يتمتعون بالمصداقية، وهاهم يسوقون أكذوبة سيطرة تنظيم القاعدة على مناطق غرب تعز المحررة، وشبكة الكذابين هذه تمتد من صنعاء وحتى عدن، وكلها تستلم المعلومات و"المصاريف" من مصدر واحد.
المنظمات الدولية، كانت تتعامل مع مأساة تعز خلال المرحلة الماضية باعتبارها أداة ضغط على الحكومة لكي تذهب بدون أية شروط مسبقة للتحاور مع الانقلابيين، أي أن مأساة تعز تحولت إلى مكافأة سياسية لهؤلاء القتلة.
وهذا هو التفسير الوحيد للسكوت المطبق للمنظمات الدولية عن التعليق بشأن نبأ فك الحصار عن تعز، الذي يفترض أن يكون ساراً بالنسبة لها، ولكن لا يبدو أنه سار، لأن الترحيب بفك الحصار عن تعز سيجعل نواياها مكشوفة، ولن تستطيع هذه المرة أن تغطي على عجزها وقصورها بل وتواطئها المفضوح مع الميلشيا الإجرامية.
حتى هذه اللحظة لم تصل أية مساعدات إغاثية إلى تعز من طرف المنظمات التابعة للأمم المتحدة أو حتى المنظمات التي تتبع بلدان أوروبية، وعملت طيلة الفترة الماضية بوقاً سياسياً لصالح الحوثيين.
يمكنها الآن أن تأتي إلى تعز من خلال ممر آمن، وتحمل معها المساعدات، دونما حاجة للحصول على إذن من الحوثيين أو للتفاوض معهم.
وحدها المساعدات الإغاثية الآتية من المنظمات الإغاثية الخليجية، وفي مقدمتها مركز سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية وقطر الخيرية والهلال الإماراتي وغيرها من المنظمات الإغاثية الخليجية، هي التي تصل إلى تعز.
تشكل حلفٌ انتهازي خطير على هامش الأزمة اليمنية منذ اندلاع ثورة الحادي عشر من فبراير وحتى اليوم، هذا الحلف يتمحور حول مصالح خاصة جداً للناشطين والناشطات.
 لكن ما لا يمكن إخفاؤه هو أن هذه المصالح تتكامل مع أجندة المخلوع صالح والحوثيين والمنظمات الدولية وبعض الدوائر الغربية التي ترقب الوضع في اليمن وهندست ولا تزال لخارطة الصراع في اليمن والمنطقة.
هذه المنظمات تتجاهل تماماً التعامل مع المنظمات المحلية التي أقامت معها شراكات واسعة في الماضي، وهي منظمات في معظمها مهنية وحيادية. المجال لم يعد مفتوحاً أمام هذه المنظمات، فالدعم الذي يأتي من المنظمات الأجنبية رغم سخائه فإنه لا يذهب إلا إلى المنظمات المأذون لها من الحوثيين، وبعض هذه المنظمات حديث النشأة ولا يمتلك خبرة ومع ذلك يتحصل على دعم بالملايين، إنه نوع من عمليات غسل مفضوح للأموال تبدأ في شكل معونات وتنتهي في شكل دعم للمجهود الحربي للميلشيا.
أخبرني موظفٌ في منظمة معروفة وتنشط في مجال حقوق الطفل، بأن الأفق بات مسدوداً تماماً أمام المنظمة التي يعمل فيها، وأمام كل المنظمات التي لا تتبنى أجندة الانقلابيين رغم ما عبرت عنه من مهنية وحيادية.
ولفت ذلك الموظف إلى التغير الجوهري في سلوك المنظمات الدولية، إلى حد بدا معه الأمر وكأنه تحالف جديد بين المنظمات الدولية والسلطة الانقلابية في صنعاء.
يمكنني القول بارتياح كامل بأن كسر الحصار عن تعز أماط اللثام عن منظومة قبيحة تعمل في اليمن تحت شعار العون الإنساني، والإغاثي والحقوقي، ولكنها غارقة حتى أنوفها في مهمة تدمير البنيان الفتي للدولة المدنية الذي أقامه شباب ثور الحادي عشر من فبراير 2011، هؤلاء الشباب الذين تحولوا إلى مهاجرين أو ملاحقين أو مخفيين قسريين ومعذبين، أو مقاتلين في الجبهات.
تعز ستفك الحصار عن نفسها، وستمضي لتفك الحصار اللاأخلاقي الذي تمارسه المنظمات الدولية على الحقيقة، والتي لا تحمل سوى معنى واحد وهو أن هناك انقلاب على الإجماع الوطني وعلى الديموقراطية وعلى النظام الانتقالي، وأن المؤمنين بالدولة المدنية الحديثة سيستمرون في مواجهة الانقلابيين وهزيمتهم.

نسعد بمشاركتك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص