هل عقدت المملكة صفقتها الخاصة على هامش الحرب؟

هذا السؤال قد لا يروق للكثير من الذين يحدوهم الأمل بنهاية سعيدة للمعركة في اليمن، والذين يرون أن الثمن المناسب الذي يمكن القبول به لتضحياتهم ولكل هذه الدماء التي سالت والخراب الذي طال مقدرات البلاد هو حصولهم على بلد آمن من المفخخات والكمائن ودورات العنف المحتملة في المستقبل.

المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وصل أمس السبت إلى صنعاء غداة لقائه الرئيس هادي في الرياض، وقد تجنب ولد الشيخ الإدلاء بأي تصريح لدى وصوله مطار صنعاء الدولي، في مؤشر على أن الطبخة التي ينجزها هذه المرة استثنائية، فلن تقتصر على إقناع الانقلابيين بالذهاب إلى الكويت، المكان المفترض لعقد الجولة الجديدة من المشاورات، بل ربما يحملهم على القبول بالخطوط العريضة لصيغة الحل الذي قد ينهي الحرب وأسبابها معا.

أقول ذلك لأن العقدة الشائكة في الصراع على الساحة اليمنية، وهي الحرب على الحدود اليمنية السعودية، يبدو أنها تحلحلت، ولهذا سيذهب الانقلابيون إلى جولة المشاورات وقد فقدوا هذ الورقة المهمة، وهو ما يبرر استماتهم في معارك استعادة المواقع التي فقدوها في الحادي عشر من آذار/ مارس بغرب مدينة تعز، ورغبتهم الملحة في إعادة فرض الحصار الخانق على هذه المدينة التي يقطنها أكثر من مائتي ألفي مواطن.

يمكن للسعودية أن تطمئن على أن هيبتها كدولة إقليمية باتت مصانة اليوم في ظل الاستسلام المذل للحوثيين والمخلوع صالح على الحدود، وتوقفهم عن إطلاق الصواريخ باتجاه المملكة، لكن لا يمكنها أن تطمئن إزاء المخططات الإيرانية للنيل من المملكة عبر ذيولها الحوثيين في اليمن، فالأمر لا يعدو كونه انحناء للعاصفة ليس إلا، ولا يمكنها أن تضمن عدم تكرار إطلاق دفعات أخرى من الصواريخ، التي كان يفترض أن تصون الأمن القومي اليمني، وإذا بها تستخدم في سياق مشروع جهوي مليشياوي طائفي لاستعادة السلطة واحتكارها في اليمن.

وهنا تكمن خطورة مضي السعودية في عقد صفقة جانبية على هامش الحرب في اليمن، مع خصوم حقيقيين مثل الحوثيين، ليس لأنهم أقوياء بل لأنهم أدوات يحركها خصم إقليمي قوي، ولأن أسباب الصراع عقائدية وهذا النوع من الصراعات لا يحسم بالاتفاقات السياسية، بل بهزيمة الأفكار وتجفيف منابعها وتقويض الأرض التي تنبت فيها وتسير عليها هذه الأفكار ومن يحملها أو يعتنقها.

تنطوي الأحداث المتسارعة والمبهمة على الساحة اليمنية، والإقليمية، على حقيقة مرة وصادمة بالفعل وهي أن المملكة العربية السعودية لا تجد نفسها ملزمة لأي طرف في اليمن، حتى الحوثيين الذين صدقوا إيران وراقت لهم فكرة لعب دور الوكيل الإقليمي لها، بصفته الطريق الأقصر إلى تحقيق حلم استعادة الإمامة.

السعودية والتحالف ومن خلفهم الولايات المتحدة الأمريكية، هم من يملكون صلاحية تقرير مصير الأحداث في اليمن، ولهذا لا غرابة أن تتسارع الأحداث ونجد أنفسنا أمام صيغة حل ربما لا علاقة لها بقرار مجلس الأمن، أو بتحرك قد يتجاوز حدود القرار الأممي.

ليس لأنه لا يوجد طرف وطني في اليمن يتمتع بالكفاءة في التأثير على سير الأحداث، ويتمتع أيضا بالمصداقية وبالانتماء لهذه الأرض، ولكن لأن هذا الطرف بالذات غدر به الجميع في لحظة ثقة ساذجة أدت إلى أن يفقد معها السلاح الأقوى والأمضى في يديه وهو الثورة الشعبية.

هذا الطرف ليس حزبا أو فردا إنه طيف واسع من اليمنيين المخلصين والمؤمنين بمشروع الدولة والحالمين بوطن للعيش الحر والمشترك لجميع مكونات الشعب اليمني.

لم أجد تفسيرا مقنعا حتى الآن لما يحدث في عدن ليس على صعيد الأحداث بل حتى على صعيد الترتيبات السياسية والإدارية في هذه المحافظة التي أعطت الأولوية لأولئك الذين يرفضون صيغة اليمن الموحد ابتداء، رغم علمي بأن بلدا مهما في التحالف كان يعمل جاهدا على تمرير مشروع الانفصال، ولا يزال.

ولكن ما هو دور الرئيس هادي وهل نستطيع أن نراهن عليه لمنع صفقة أخرى جديدة، نجد على إثرها أنفسنا أمام قوى غاشمة تقوض حياتنا، وتُطيل أمد بقاء هادي في المنفى مثلما حدث عندما رعى توقيعا لاتفاق السلم والشراكة الذي أوصل الحوثيين إلى غرف نومه الرئاسية الفارهة.

أسوأ شيء أن ترى أناسا في هذا البلد يموتون فداء لترابه وللعلم الذي يرمز لوحدته، ولا يمتلكون السلاح، أو أن السلاح يصل إليهم بالتقسيط الشحيح، فيما يتكدس السلاح وتتكدس معه الفرص لدى أطراف لا ترى اليمن سوى ورقة من أوراق اللعبة، وتعتبر أن التفريط به إحدى الهوايات المفضلة لديها للاستئثار بالمصالح، مهما كان ثمن هذه المصالح فادحا.

نسعد بمشاركتك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص