جامعة صنعاء تثور في وجه الانقلاب

تأخرت كثيراً جامعة صنعاء عن تحديد موقفها من الانقلاب، واستمر الصمت والانتهازية يحكمان هذا الموقف، طيلة الفترة الماضية، ولكن أحسنت الجامعة حين تحركت بهذا المستوى من الغضب.

هذا لا يعني أن الأكاديميين الوطنيين سكتوا بل تحركوا ودفع بعضهم ثمناً باهضاً، ولكن الإدارة هي من سكتت ولم تقم بدورها في مناهضة الانقلاب ورفضه وسكت معها بعض عدد لا بأس به من أكاديميي العهد السابق.

يُعتبر الخروج الواسع من قبل الأكاديميين والوظائف المساعدة في جامعة صنعاء، الأربعاء الثامن عشر من شهر مايو 2016، تطوراً مهماً في موقف الجامعة الأكبر في البلاد.

وهو تطور لا يتعلق فقط حجم الغضب في الأوساط الأكاديمية للجامعة التي طالها التعسف والاعتقال وإيقاف الرواتب، وغيرها من الإجراءات اللاإنسانية، ولكن أيضاً يمكن اعتباره مؤشراً على الافتراق الحاد بين شريكي الانقلاب: الحوثيين وأنصار المخلوع صالح.

ويمكن القول إن التحرك في جامعة صنعاء يتوازى في تأثيره مع التأثير الذي خلفه التدهور الاقتصادي الحاد، فكلاهما تحديان خطيران جداً لسلطة الميلشيا التي بدأت تتداعى بشكل ملحوظ.

تمادى الحوثيون في النيل من كرامة هذه الجامعة وانتهاك قدسيتها، الآتية من كونها حرماً مصاناً للعلم وللمعرفة، يجب أن يُحترم ويحترم دوره في تنوير المجتمع.

لم تكن جامعة صنعاء ومعها بقية الجامعات مستقلة وفي منأى عن التأثيرات السياسية طيلة فترة حكم المخلوع صالح، فهناك إرث سيء خلفه ذلك النظام سيء السمعة، حيث جرى انتهاك حرم الجامعة عبر كتائب من المخبرين والأكاديميين الموظفين، وتحول فرع المؤتمر الشعبي العام بالجامعات إلى أنشط فروع الحزب الحاكم في البلاد.

جاء الحوثيون ليبنوا تدخلهم في جامعة صنعاء على هذا الإرث السيئ مضاف إليه النية المبيتة لتحويل الجامعات التي وقعت تحت أيديهم مثل جامعة صنعاء والحديدة وعمران، إلى منبر للتعبير عن النظرية السياسية المهترئة للميلشيا بخصوص الحق الإلهي في الحكم.
أما الجامعات التي لم يستطيعوا السيطرة عليها مثل جامعتي تعز وعدن فقد دمروا كل محتوياتها، ونهبوها، وتركوها خاوية من بنيتها المادية والتقنية، وتحتاج إلى أموال طائلة لتعويض ما تم إتلافه.

إن قوى الظلام هذه لا تريد العلم، فالعلم في نظرها هو تلك الهرطقات التي تقدس السلالة وتكرس فكرة احتكار السلطة، وتصادر العقل، ويتحول معها العلم من أنوار مشرقة إلى نار حارقة.

استغل الانقلابيون جامعة صنعاء إبان الفترة التي سبقت سقوط صنعاء في 21 سبتمبر 2014 حينما كانوا يروجون كذبة عسكرة الجامعة وسيطرة الفرقة الأولى مدرع المجاورة عليها.

كان الهدف من شائعات كهذه هو الضرب في المناطق الرخوة من جسد النظام الانتقالي، حيث تمثل استقلالية الجامعة أحد الشواهد الأساسية على عافية أي نظام سياسي كان، ولهذا لطالما حاولت كتائب الانقلابيين الناعمة من ناشطين وكتاب، إظهار جامعة صنعاء مجرد فناء خلفي للمعسكر المجاور، وكانوا يصرون على تكريس هذه الصورة.

واليوم تثور الجامعة في وجوه هؤلاء الانقلابيين وتضيف غضباً على غضب ولكنه الغضب النوعي الذي يفضح حقيقة الميلشيا باعتبارها عصابة مسلحة ليس فقط بالدبابات بل أيضاً بحقد تاريخي وإحن طائفية خطيرة على السلم الاجتماعي في البلاد.

نسعد بمشاركتك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص