2016/08/03
الرواية التي لم تُنشر... كيف قُتل أسامة بن لادن؟

ما يزال الغموض الشديد يلفّ تفاصيل حادثة اغتيال زعيم تنظيم "القاعدة"، أسامة بن لادن. غموض يعزّزه تكتّم التنظيم، حتّى الآن، على تلك التفاصيل، وتضارب الرويات الأمريكية بشأنها، وتعدّد مصادرها، إذ إن الشهادات التي نشرتها عشرات الصحف الأمريكية والعالمية لجنود شاركوا في عملية التصفية، تتضارب في ما بينها على نحو يصل إلى حدّ التناقض. إلّا أن هذا الإبهام ربّما يضمحلّ في الأيّام المقبلة، مع اعتزام "مجلس شورى المجاهدين"، وبعد مرور 4 سنوات من واقعة الإغتيال التي تمّت في بلدة أبوت أباد الباكستانية حيث كان يختفي بن لادن، نشر التفاصيل الأخيرة في حياة زعيم تنظيم "القاعدة"، الذي جنّدت الولايات المتّحدة الأمريكية فريقاً كاملاً في جهاز الإستخبارات لتتبعه بمعاونة قمرين صناعيّين.


ولم يسرد "مجلس شورى المجاهدين" التابع للتنظيم، حتّى الآن، الرواية بشكل رسمي، لكنّه وعد بإعداد فيلم تسجيلي يحاكي عملية الإغتيال، لتصدره "مؤسّسة السحاب"، الناطقة باسم "القاعدة"، نهاية العام الحالي 2016م. وقد حصل "العربي" على جزء من التفاصيل التي سيُماط اللثام عنها في الفيلم المرتقب.


بداية الخيط 
يقول "مجلس شورى المجاهدين"، التابع لتنظيم "القاعدة" إن الرواية الأمريكية بشأن حيثيّات مصرع زعيم التنظيم، أسامة بن لادن، "فيها جزء كبير من الحقيقة، لكنّها كذبت في تفاصيل أخرى مهمّة، من بينها مصير جثمان الشيخ وطريقة اغتياله، وكذا الكيفية التي تمّ الإستدلال من خلالها على مكانه".


والبداية بحسب التنظيم كانت بتلقّي أحد المقربين من بن لادن، والذي يُعرف باسم "أبو أحمد الكويتي" (تقول الإستخبارات الأمريكية إنّه كان المراسل الرئيسي لزعيم تنظيم "القاعدة") مكالمة هاتفية من صديق قديم سأله فيها: "أين أنت؟ لقد افتقدناك. كيف حال الحياة معك؟ وماذا تفعل هذه الأيّام؟". وقد جاء ردّ الكويتي غامضاً ومبهماً، وإن تضمّن بعض الدلالات الهامّة، إذ قال: "لقد عدت إلى الأشخاص الذين كنت أعمل معهم من قبل". يصمت الرجلان قليلاً، وبعدها يردّ المتّصل على صديقه الكويتي قائلاً له: "ربنا يسهِّل"، وكأنّه عرف أن صديقه عاد إلى العمل مجدّداً مع بن لادن، وربّما مع الدائرة الضيّقة المقرّبة منه، وقد يكون في تلك اللحظة موجوداً إلى جانبه.


وتتلقّف الإستخبارات الأمريكية المكالمة "الكنز"، فتعلم أنّها بلغت "لحظة هامّة" في رحلة البحث عن بن لادن، والتي استغرقت قرابة عقد من الزمن.

 

ويبدأ عملاء الإستخبارات الأمريكية، على الفور، بتعقّب مصدر المكالمة، ليقودهم البحث في نهاية المطاف إلى بلدة آبوت آباد، الواقعة على بعد حوالي 23 ميلاً شمال العاصمة الباكستانية إسلام آباد، وبالتحديد إلى ذلك المجمّع السكني غير التقليدي بأسواره المرتفعة والأسلاك الشائكة التي تحيط به.


رواية "القاعدة" التي لم تُنشر بعد
تقول رواية غير رسمية، لم تُنشر بعد، صادرة عن عضو في "مجلس شورى المجاهدين"، التابع لتنظيم "القاعدة"، والذي يتّخذ من باكستان مقرّاً له: إن "الولايات المتّحدة الأمريكية حاولت الإستفادة القصوى من الحادثة، بعد 15 عاماً من البحث الدؤوب عن الشيخ المجاهد، أسامة بن لادن، (والذي) استمرّ من 1998 إلى عام 2011". ويتابع أنّه عند "الواحدة من فجر يوم الإثنين (2 مايو 2011)، هاجمت قوّة خاصّة، كانت على متن أربع مروحيّات بينها أباتشي، بضراوة، فيلا، في مساحة كبيرة وسط بلدة آبوت أباد".


وقع ذلك بعدما كان بن لادن قد صرف حرّاسه، البالغ عددهم 25 مقاتلاً من نخبة عناصر "القاعدة"، إثر معركة "تورا بورا"، ووجّههم بالذهاب إلى وزيراستان، وتولّي حراسة عائلات "المجاهدين"، عقب اقتحام القوّات الباكستانية للمسجد الأحمر في إسلام أباد، العام 2007م. وقد رأى بن لادن، حينها، أنّه لم يعد بحاجة إلى هذا العدد الكبير من الحرّاس. ومع إصرار "الشيخ" على ذلك، وافق "مجلس الشورى" على طلبه، وتمّ سحب "الإخوة" من المنزل الذي كان فيه قبلاً، وهو غير المنزل الذي "استشهد" فيه.
ويعتقد كثيرون، بمن فيهم أجهزة الإعلام التي تناولت الواقعة، أن "أبا أحمد"، صاحب المكالمة التي أرشدت إلى مكان "الشيخ"، كويتي الجنسية، وهذا الأمر ليس بصحيح، فـ"أبو أحمد" باكستاني من مواليد الكويت.


الحلقة المفقودة 
يجزم "مجلس شورى المجاهدين" بتورّط ضابط استخبارات باكستاني رفيع في مساعدة الأمريكيّين للوصول إلى مكان وجود "الشيخ أسامة"، مقلّلاً من دور مكالمة "الكويتي" في ذلك، حيث أن "أبا أحمد" كان شديد الحرص، وإنّما حاولت الولايات المتّحدة، عبر تسريبها لقصّة المكالمة، التمويه، وحماية الضابط الباكستاني الرفيع الذي تقول معلومات "شورى المجاهدين" إنّه قد جرى نقله إلى منطقة مجهولة في أمريكا.


كما تشير المعلومات لدى التنظيم إلى أن قمراً صناعيّاً تولّى مراقبة تحرّكات "أبي أحمد الكويتي" وليس وحدة مراقبة. وقد تبيّن للمخابرات الأمريكية تردّد "أبي أحمد" على  منازل في إسلام أباد ومنزل في منطقة أبوت أباد، وهي منطقة خاصّة بضبّاط الجيش الباكستاني، فأثار هذا الأمر استغراب الأمريكان، خصوصاً وأن "أخونا، بعد اكتشاف هويّته، لا يعمل أحد من أقاربه ضابطاً ‏في الجيش الباكستاني". فتمّ تعقّب المنزل، وكان وضعه غريباً نوعاً ما، حيث أنّه لم يكن يزور البيت سوى "أبي أحمد وأخ آخر استشهد مع الشيخ". حينها، قرّرت الإستخبارات الأمريكية الدخول إلى المنزل، وتفتيشه بأيّ طريقة.


الخطّة الجهنمية (باكستانية)
لوّثت المخابرات الأمريكية منبع الماء في المنطقة بمادّة كيماوية، لتجد حجّة لدخول جنودها المنازل، بصفتهم أطبّاء يقدّمون اللقاحات للأطفال. إذ إنّه بعد جمع الإستدلالات وتقارير المراقبة لشهور، تبيّن للإستخبارات الأمريكية أنّها بحاجة لحجّة مقنعة تمكّن جنودها من تفتيش منازل المنطقة بيتاً بيتاً، فلجأت إلى رمي مادة ملوّنة في المجرى المائي للمنطقة. وعبر مسؤول محلّي، تمّ الإعلان عن البلدة منطقة ملوّثة بفايروس غريب. ولإكساب الإعلان المصداقية، نشرت القناة الثانية الباكستانية "جيو" الخبر، طالبة من السكان توخّي الحذر. وهكذا، تمكّن فريق التلقيح، الذي كان غالبه مكوّناً من جنود القوّات الخاصّة والمخابرات، من الوصول إلى المنزل الذي يقطن فيه "الشيخ".


طرق ضبّاط الإستخبارات الباب، وهم يرتدون لباس فرق التحصين الطبّية. مرّت دقائق دون ردّ، ليخرج عليهم، عقب ذلك، شقيق زوجة بن لادن - وهو باكستاني - طالباً منهم الإبتعاد عن المنزل، مؤكّداً أنّه لا يوجد فيه أطفال بحاجة إلى اللقاح، كون "الشيخ" يعيش فيه وحيداً مع زوجته. هنا، تعقّدت المهمة. إلّا أن وحدة الرصد عبر الأقمار الإصطناعية، التي كانت تراقب المنزل على مدار الساعة، أثبتت بالصور وجود طفل يلعب في الفناء الأمامي. فقرّر الفريق التأكّد، وعادوا بالطريقة نفسها، طالبين من الحارس إحضار أبنائه لأخذ الجرعة للأهمّية، وتمّت العملية بنجاح. 


تمكّن الفريق من أخذ عيّنة دم من الأطفال لفحصها في المختبر (لم يشكّ الحارس بالأمر، كون المدينة كلّها كان يجري تحصينها، وفرق التلقيح تنتشر لأسابيع، وتجري فحوصات طبّية لجميع الأطفال في المنطقة، للتأكّد من عدم إصابتهم بالفايروس المعلن عنه). هذه الرواية أكّدها ضابط رفيع في المخابرات الباكستانية، تمّ القبض عليه لاحقاً في منطقة ميران شاه، من قبل "القاعدة".


كما أكّد الضابط في اعترافاته أنّه اطّلع على التقرير الذي سلّمته الإستخبارات الأمريكية إلى الرئيس الباكستاني (حينها)، آصف علي زرداري، عقب تنفيذ العملية، متحدّثاً عن أن الولايات المتّحدة حاولت جاهدة إقناع زرداري بجدوى الإغتيال، مبرّرة عدم إبلاغ الجانب الباكستاني به بأن هناك تعاوناً بين الجيش الباكستاني وبين "المجاهدين" (ساءت العلاقة بين واشنطن وإسلام آباد إثر العملية، بسبب عدم إخطار الحكومة الباكستانية بقتل المطلوب الأوّل لأمريكا والعالم، آنذاك، السعودي أسامة بن لادن).
الخطأ القاتل


كان الخطأ الذي ارتكبه قريب أسامة قاتلاً بالفعل، حيث تمكّنت المخابرات الأمريكية من أخذ نقاط من دم نجل "الشيخ"، خالد أسامة بن لادن، وبفحصه تبيّن لهم، بما لا يدع مجالاً للشكّ، بأن زعيم "القاعدة" موجود في المنزل نفسه. لم يهاجم الأمريكان المنزل مباشرة، بل استمرّت مراقبة المنطقة والمنزل لشهرين متتاليين، عبر الأقمار الإصطناعية الأمريكية، التي كانت ترصد تحرّكات رجل طويل القامة، يتنقّل في البهو الأمامي جيئة وذهاباً مدّة ساعة ونصف يوميّاً، وهي عادة درج عليها الشيخ كنوع من الرياضة، بحسب "مجلس شورى المجاهدين".


ساعة الصفر
كانت كلّ الأدلّة التي توصّل إليها الأمريكان، بالإضافة إلى الصور تؤكّد أن الرجل الطويل هو "الشيخ" أسامة بن لادن، والذي ظلّ الأمريكان يبحثون عنه 15عاماً. ليل الإثنين، الموافق 2 مايو 2011م، قطع الأمريكان خدمتي الكهرباء والإتّصالات عن المنطقة، (وهو ما يبرّر رواية الجيش الباكستاني عدم رصد أجهزته للطائرات الأمريكية التي شاركت في العملية، على الرغم من وجود قاعدة عسكرية باكستانية على مقربة من المنزل المستهدف). وعند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، هاجمت 4 مروحيّات للقوّات الخاصّة منزل "الشيخ" أسامة بن لادن، والذي كان بداخله حينها، إلى جانب نجله خالد، وصهره الباكستاني، وأبو أحمد الكويتي.


بدأت القوّات الخاصّة بإطلاق النار بشكل كثيف على كلّ ما يتحرّك في المنزل، وعند نزول الجنود وإحاطتهم بالمنزل، اشتبكوا بالأسلحة مع من بداخله، وأدّى تبادل إطلاق النار إلى إعطاب مروحية الـ"أباتشي"، وسقوطها على سور المنزل الخارجي. أثناء ذلك، دخل عدد من الجنود المهاجمين، وانتشروا على طول السور الداخلي، وتبادلوا إطلاق النار مع نجل الشيخ، الذي أُردي قتيلاً في الحال. (بحسب رواية "شورى المجاهدين"، تمكّن، هو أيضاً، من قتل عدد من الجنود المهاجمين).


بدا الطابق الأوّل ساعتها خالياً. حاول الجنود الصعود إلى الدور الثاني، حيث كان الشيخ أسامة يقف فوق الدرج مباشرة. واستطاع أن يقتل المهاجم الأوّل من الجنود برشاش آلي من نوع "كلاشنكوف"، غير أن كثافة النيران أدّت إلى تراجعه إلى الخلف، ليتلقّى رصاصة أدّت إلى إصابته إصابة بالغة.

 

وتشير المعطيات التي تمّ جمعها من قبل "مجلس شورى المجاهدين" إلى أن "الشيخ" فجّر، عقب إصابته، حزاماً ناسفاً كان "الشباب" قد صنعوه له ليؤدّي الغرض، بعدما أصبح ثقيلاً عليه حمل حزام يزن 3 كلغ، دأب على ارتدائه طوال فترة ملاحقته. وأسفر التفجير عن مقتل جنديّين كانا قد اقتربا من أسامة كثيراً، ويرجّح "شورى المجاهدين" أن تفجير "الشيخ" للحزام الناسف هو ما جعل الأمريكان يلجأون لنشر رواية دفنه في البحر.


بعد مقتل "الشيخ"، توجّه عدد من الجنود إلى الغرفة الأخيرة في الطابق العلوي، حيث كانت تختبئ زوجته الباكستانية، وقاموا بإطلاق النار على الباب، ما أدّى إلى إصابتها. 


أونيل: أنا قتلت بن لادن
روبرت أونيل، هو الجندي الأبرز في "الفريق 6"، التابع لمجموعة كوماندوس في فرقة "نيفي سيل" الأمريكية الخاصّة، التي داهمت مقرّ زعيم "القاعدة". يقول أونيل إنّه هو من قتل "الشيخ". ويؤكّد أن تقصير حكومة الولايات المتّحدة في مدّ يد العون له ولرفاقه الذين نفّذوا العملية كان السبب وراء كشفه عن هويّته.


يروي أونيل تفاصيل عملية الإغتيال، لافتاً إلى أنّه تمكّن من دخول غرفة نوم زعيم "القاعدة"، حيث وجد بن لادن الذي بدا مرتبكاً وأطول مما كان يتوقّع، وعندما حاول أسامة الوصول إلى سلاح ناري، قرّر الجندي الأمريكي التحرّك، فأطلق عليه ثلاث رصاصات كانت كافية لترديه قتيلاً.


ولم تؤكّد السلطات الأمريكية، حتّى الآن، رواية روبرت أونيل، التي تختلف عن رواية أخرى تقول إن أونيل أصاب زعيم "القاعدة" فقط، فيما قتله جنديّان آخران.


وحصل "القاعدة" على جميع هذه المعلومات من ضابط استخبارات باكستاني، تمكّن التنظيم من اعتقاله.

 

ويقول "القاعدة" إنّه يلاحق ضابطاً باكستانيّاً رفيعاً آخر، جرى تهريبه إلى الولايات المتّحدة الأمريكية، وهو "المسؤول الأوّل" عن مقتل زعيم التنظيم، أسامة بن لادن.

تم طباعة هذه الخبر من موقع تعز أونلاين www.taizonline.com - رابط الخبر: http://taizonline.com/news6066.html