مدينة المكلا

«انتبه! أنت في المكلا».. منشور على «فيسبوك» قد يقودك إلى السجن

«انتبه على حالك! أنت في المكلا» باتت هذه المقولة واحدة من النصائح التي تسدى للصحفيين الزائرين أو المقيمين في مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت (شرقي اليمن)، فهناك، منشور واحد على «فيسبوك» قد يقودك إلى السجن.

وحين حُررت مدينة المكلا في الـ24 من إبريل/ نيسان 2016 من سيطرة تنظيم القاعدة، على يد قوات محلية بدعم إماراتي، تنفس الصحفيون الصعداء آملين بعهد جديد لحرية الرأي والنشر، لكن أشهر قليلة فقط، كانت كفيلة بتبديد أحلامهم «الوردية»، إذ أن تصاعد الاستهداف ضد الصحفيين صار أحد أبرز سمات العهد الجديد في المدينة.

وقبل أيام شهدت مدينة المكلا وقفة احتجاجية هي الثانية من نوعها، لمطالبة السلطات بالإفراج عن الصحفي «صبري بن مخاشن» الذي اعتقل على ذمة منشورات على صفحته في «فيسبوك» انتقد فيها محافظ حضرموت اللواء الركن فرج سالمين البحسني.

وكانت قوة من الاستخبارات العسكرية اعتقلت بن مخاشن ـ آخر ضحايا الانتهاكات ضد الصحفيين ـ في الثالث من ديسمبر/ كانون الأول 2018، من منزله في مدينة المكلا، وأودعته سجنا تابعا لها، قبل أن يتم نقله إلى السجن المركزي لاحقًا، حسب ما تقول أسرته.

ورغم مرور أكثر من شهر على اعتقال بن مخاشن إلا أن السلطات في حضرموت لم تفرج عنه بعد، أو تقدمه للمحاكمة.

وفي بيان لها بتاريخ 27 من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، طالبت نقابة الصحفيين اليمنيين السلطات في حضرموت بالإفراج عن بن مخاشن، داعية إلى إيقاف «التعسفات والتصرفات العدائية» التي يتعرض لها الصحفيين.

ولا يعد اعتقال بن مخاشن الأول من نوعه في سياق تقييد الحريات في ساحل حضرموت الخاضع للنفوذ الإماراتي، فقد اعتقلت قوة عسكرية في 22 من إبريل/ نيسان من العام الماضي الناشط المدني محمد بن علي جابر، وذلك بعد ساعات من نشره تدوينة على صفحته في «فيسبوك» هاجم فيها قائد القوات الإماراتية السابق في ساحل حضرموت فيصل الكعبي، ووصفه بأنه الحاكم الفعلي للمحافظة.

وكانت قوة عسكرية قد اعتقلت الصحفي عوض كشميم في 23 فبراير من العام الماضي، على إثر منشور له، انتقد فيه عملية عسكرية ضد القاعدة غرب المكلا بدعم من دولة الإمارات، ووصفه لها بأنها «ضجيج إعلامي موجه لخدمة أطراف إقليمية».

واستمر اعتقال كشميم قرابة شهر قبل أن يُفرج عنه بأمر من النيابة الجزائية بمدينة المكلا.

وفي إطار الاعتقالات التي طالت الناشطين المدنيين، اعتقلت قوة عسكرية الناشط المدني، علي باقطيان للمرة الثانية في يناير كانون الثاني من العام 2017م، وذلك على خلفية منشورات تحدث فيها عن أوضاع السجناء في معتقل الريان الذي تشرف عليه قوة إماراتية.

وبعد أكثر من عامين على اعتقاله، لايزال باقطيان خلف القضبان.

ومنتصف العام الما ضي كشف تحقيق لوكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية أن الإمارات ترتكب انتهاكات «فظيعة» في عدة سجون جنوب اليمن من بينها سجن الريان شرقي مدينة المكلا.

ومنذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2014 يدفع الصحفيون الثمن الأكبر إلى جانب المدنيين، إذ يواجهون انتهاكات بالجملة من مختلف أطراف الصراع.

وخلال العام الماضي فقط 2018 وثقت نقابة الصحفيين اليمنيين 226 حالة انتهاك بحق الصحفيين ووسائل إعلام، منها 10 حالات قتل.

وأثارت جملة الاعتقالات التي نفذتها السلطات في ساحل حضرموت ضد الصحفيين والناشطين المدنيين قلق الأوساط الصحفية، والإعلامية، التي اعتبرتها تضييقاً على حرية التعبير عن الرأي في المناطق المحررة، التي من المفترض أن تكون نموذجًا للحريات الصحفية.

ويرى صحفيون وحقوقيون تحدثوا لـ«المصدر أونلاين» أن السلطات المحلية وبمساعدة دولة الإمارات صاحبة النفوذ الواسع في ساحل حضرموت، تهدف من إرهاب الصحفيين إلى إسكات أي صوت معارض للممارسات التي تقوم بها بعيداً عن مؤسسات الدولة.

يقول الصحفي (ع.س) إن الانتهاكات الصحفية في ساحل حضرموت يتحملها طرفان، أولهما السلطات الحاكمة في مركز المحافظة، والتي تحاول إسكات الصوت المعارض لتجاوزاتها القانونية.

ويضيف الصحفي الذي فضل الإفصاح عن اسمه خوفًا من الاعتقال، في حديثه لـ«المصدر أونلاين» أن ساحل حضرموت يدار بطريقة مركزية، وبصورة مباشرة من المحافظ فرج البحسني في ظل تراجع وتعطيل للعمل المؤسسي بذريعة الوضع الاستثنائي الذي تمر به المحافظة، وبالتالي لا يروق لها أي صوت يخالف توجهاتها.

ويشير الصحفي إلى أن الإرث السياسي لبعص المسؤولين في دولة الجنوب ما قبل الوحدة، له دور كبير في تعميق هذا الاتجاه، رغم أن الواقع اختلف بصورة كبيرة بعد الثورة التكنولوجية وظهور مواقع التواصل الاجتماعي.

أما عن الطرف الآخر، فوفقا للصحفي الحضرمي، فيتمثل في القوى الإقليمية المسيطرة على ساحل حضرموت وتحديدا دولة الامارات، التي تعاملت مع الصحفيين بأسلوب الترغيب والترهيب في نفس الوقت، حيث استطاعت حشد وشراء ولاءات عدد من الإعلاميين والصحفيين، عبر تمويل آلة إعلامية تضمنت مواقع إخبارية وقنوات محلية تشرعن لممارساتها التي تقوض الشرعية، عبر مليشيات محلية تديرها وتمولها بصورة مباشرة.

وأوضح أن هذه الحالة تسببت في انحسار دور الصحفيين المعارضين لهذا التواجد بعد تهديدات نالت عدد منهم ووصلت مرحلة الاعتقال والاستجواب، والشيطنة المستمرة وإلصاق تهم العلاقة بالإرهاب لكل صوت أو قلم يتطرق لمواضيع لها علاقة بالنفوذ الإماراتي سواء ما يتعلق بالجانب العسكري أو حتى المدني المتمثل في قضية إغلاق مطار الريان والحقول النفطية وميناء الضبة وغيرها.

وعن مستقبل الحريات الصحفية في ظل هذا الوضع، يرى الصحفي أن كل الشواهد في العهد الجديد بعد تحرير المكلا، تبيَن أنها في تراجع وانحسار، بالذات فيما يتعلق بالتحقيقات الصحفية والتقارير السياسية أو حتى ما يتعلق بمنشورات رأي على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً بعد الانتهاكات التي طالت صحفيين وناشطين خلال الفترة القليلة الماضية.

من جهته يرى الناشط الحقوقي «عبدالله صالح» أن الاعتقالات التي تقوم بها السلطات في ساحل حضرموت للصحفيين والناشطين هي جريمة بموجب الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وتعد تضييقاً على حرية الرأي التي كفلتها كل المواثيق الدولية وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وأضاف صالح في حديثه لـ«المصدر أونلاين» أن الدستور اليمني أكد في مادته السادسة العمل بميثـاق الأمم المتـحـدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثـاق جـامعة الدول العربيـة، كما أكد قانون الصحافة والمطبوعات اليمني أيضاً في فصله الثاني أن الصحافة حرة فيما تنشره وحرة في استقاء الأنباء والمعلومات من مصادرها وهي مسئولة عما تنشره في حدود القانون.

ونص أنه «لا يجوز مساءلة الصحفي عن الرأي الذي يصدر عنه أو المعلومات الصحفية التي ينشرها وألا يكون ذلك سبباً للإضرار به ما لم يكن فعله مخالفاً للقانون».

وطالب صالح السلطات والأجهزة الأمنية في ساحل حضرموت باحترام الدستور وتوفير جو آمن لحرية الصحافة، مشيرا إلى أنه في حالة أي تجاوز من قبل أي صحفي فعلى الأجهزة المختصة التزام الطرق القانونية للاعتقال والاستجواب بعيدا عن المداهمات والاعتقالات.