محمد الشبيري- صحافي
القيادي الحوثي حنين قطينة الذي عينته المليشا محافظاً لصنعاء هدد التجار بدفع إتاوات أو بمشاركة المليشيات في التجارية (صحافة نت)
تخوض جماعة الحوثي المسلحة حروباً في الداخل اليمني، وأخرى على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية منذ ما يزيد على أربعة أعوام، وتتهم الجماعة بتلقي الدعم المالي واللوجستي من إيران، لكنها تنفي هذه التهم، وتحاول جاهدةً أن تبدو كما لو كانت تعتمد على نفسها في التمويل والتسليح، عن طريق ما تتحصله من ضرائب وجمارك تفرضها على التجار ورجال الأعمال والشركات، في المناطق التي تخضع لسيطرتها، تحت مسميات عدة أشهرها على الإطلاق، "المجهود الحربي".
واستحدث الحوثيون منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء وبعض المدن أواخر سبتمبر (أيلول) 2014، منافذ على مداخل تلك المدن لتحصيل "أتاوات" تحت مسمى جمارك أو ضرائب، مستغلين واجهة مؤسسات الدولة التي بسطوا سيطرتهم عليها، ومنها مصلحة الجمارك ووحدة الضرائب، في شرعنة هذه الاجراءات.
ويضطر التجار لدفع مبالغ طائلة تحت هذه البنود، دون الحصول على سند رسمي بذلك، ويعتقد الكثير ممن استمعنا إلى شهاداتهم، أن تلك الأموال التي يدفعونها قسراً، تذهب لصالح "المجهود الحربي"، أي تمويل الحروب التي يخوضها الحوثيون ضد الحكومة الشرعية والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
إتاوات تحت بند جمارك
ووفق المعلومات التي استقتها "اندبندنت عربية" من مصادر عديدة، فإن الحوثيين يُديرون مئات من نقاط التفتيش على أكثر من مدخل للعاصمة صنعاء، والمدن الأخرى، ويعينون أشخاصاً يطلقون عليهم مسمى "مُشرف"، مهمتهم تحصيل مبالغ مالية كرسوم على دخول وخروج البضائع، وكذا قاطرات الغاز والمشتقات النفطية الأخرى، إلى جانب استحداث مواقع مسوّرة يحتجزون فيها كل من يرفض دفع هذه المبالغ.
ويقول (محمد.إ)، أحد الذين يزاولون مهنة التجارة من وإلى صنعاء، إنهم يضطرون في كل مرة لدفع مبالغ تحت أبواب عدة، منها مجهود حربي وأخرى تحت بند الجمارك أو الضرائب، على الرغم من أنه لديهم سندات رسمية من المنافذ الرسمية التي تديرها الحكومة الشرعية بالمبالغ التي تدفع للجمارك على البضائع القادمة من خارج البلاد.
ويضيف: "لا يعترف الحوثيون بالمبالغ التي ندفعها للحكومة اليمنية كجمارك بسندات رسمية، الحوثيون يعتبرون أنفسهم دولة أخرى، وأنت تستعد لدخول صنعاء، أو أي من المناطق التي يسيطرون عليها، يُخيّل إليك أنك تدخل دولة ثانية، لها أنظمتها الخاصة التي تفتقد لأي مسوّغ قانوني".
ويتابع: "التاجر أصبح ضحية.. يدفع جمارك مرتين، وضرائب أكثر من مرّة، في كل نقطة تفتيش تستحدثها المليشيات الحوثية. ويضطر، والحال هكذا، إلى أن يُضيف هذه الأموال الطائلة إلى فاتورة البضاعة، ويرتفع بذلك ثمنها على المواطن أو المستهلك العادي، الذي يعاني أصلاً من ضائقة مالية نتيجة انقطاع رواتب الموظفين وفقدان الآلاف لوظائفهم ومصادر دخلهم".
وحملت "اندبندنت عربية" هذه المعلومات إلى عضو المجلس السياسي في جماعة الحوثي "محمد البخيتي"، الذي اكتفى بالقول "إن هذه ليست تهمة، فكل الدول تحصّل الجمارك والضرائب"، وهو ما يعني صحة هذه المعلومات.
ورغم محاولاتنا المتكررة مع مصلحة الضرائب الخاضع لسيطرة المليشيات الحوثية في صنعاء، إلا اننا لم نستطع الحصول على تعليق منه حول ما ورد في هذه المادة.
التهديد بـ"الشراكة"
والأربعاء الماضي، دعت جماعة الحوثي في صنعاء رجال الأعمال وكبار المستوردين بالمدينة، إلى اجتماع عرضت عليهم خلاله خيارين أحلاهما مرّ: إما دفع الإتاوات للمجهود الحربي دون تأخير، أو فرض شراكة بالقوة على أعمالهم وتجاراتهم، وتسليم المعلومات الخاصة بشركاتهم ومصانعهم إلى جهات تسيطر عليها الجماعة المسلحة.
ووفق المعلومات التي رشحت من اجتماع ضمّ محافظ صنعاء المعيّن من الحوثيين "حنين محمد قطينة"، وعدداً من رجال المال والأعمال والمستثمرين، شكا فيه الأول من صعوبة تحصيل الأموال التي تفرضها الجماعة على التجار، وهدد بفرض "شراكة في شتى المجالات، صحية وأشغال وعقارات دولة وأوقاف، إضافة إلى مشاركتهم في بناء مصانع وجامعات ومؤسسات تعليمية"، في حال استمر بعض التجار في التهرب من دفعها أو المماطلة في ذلك.
وحسب معلومات حصلنا عايها من مصادر في صنعاء، فإن إحدى شركات الإتصالات العاملة في البلاد تواجه شبح الإفلاس، بعد احتساب فاتورة ضرائب بلغت نحو 20 مليار ريال يمني (نحو 40 مليون دولار)، على الرغم أن هذه الشركة وغيرها من الشركات الخدمية كانت تتمتع بإعفاء ضريبي بناءً على قانون الاستثمار الذي يعفي شركات الاتصالات خمس سنوات تقريباً من أية ضرائب.
تجفيف المنابع المالية
وتلقت جماعة الحوثي ضربة موجعة تمثلت في قرار الحكومة اليمنية نقل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء الخاضعة للمسلحين الحوثيين، إلى العاصمة المؤقتة عدن، جنوبي البلاد، في سبتمبر 2016، وكان ذلك بمثابة خطوة عملية نحو تجفيف منابع تمويل الجماعة، التي تتهمها الحكومة بنهب الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية، إضافة إلى ما يقرب اثنين تريليون ريال يمني من العملة المحلية، كانت في خزائن البنك المركزي قبل نقل مقره.
وحسب مراقبين، فإن الاستماتة التي يبديها الحوثيون تجاه مدينة وميناء الحديدة، غرب البلاد، هي في جوهرها اقتصادية أكثر من أي شيء آخر، إذْ يدر الميناء مبالغ طائلة تصب في جيوب الجماعة، التي اشترطت مقابل قبولها نشر مراقبين من الأمم المتحدة على الميناء، أن يتم توريد إيرادات الميناء إلى البنك المركزي في صنعاء الخاضع لسيطرتها.
وفي السياق ذاته، أعلنت الحكومة اليمنية، الثلاثاء الماضي، نقل مقر الشركة اليمنية للاتصالات الدولية (تيليمن) من صنعاء إلى عدن بـ"اعتبارها مؤسسة سيادية وركيزة أساسية من ركائز أمن الدولة واقتصاد الوطن".
وهذه الخطوة تأتي ضمن خطوات سابقة للحيلولة دون حصول جماعة الحوثي على المزيد من الأموال عن طريق استغلال موارد مؤسسات الدولة.