يعود غريفيث مجدداً إلى صنعاء على الرغم من اليقين الذي توصل إيه الجميع بفشل اتفاق استوكهولم الهش والجزئي.فمنذ مرور أكثر من ثلاثة أشهر على ما تم التوصل إليه في استوكهولم تعثرت المباحثات التي كانت جارية لتنفيذ التفاصيل سواءً ما يتعلق بتنفيذ الإنسحاب من الحديدة أو الإُراج عن الأسرى والمعتقلين من المدنيين وعقدت عدة اجتماعات في الأردن في وقت لاحق لبحث آيات تنفيذ ما يتعلق بالمخطوفين، ورعاها مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن.
لم تعلن الأمم المتحدة فشلها في تنفيذ ما خرجت به المشاورات رغم انتهاء جميع المدد الزمنية التي حددت والمواعيد الإستثنائية، وبدلاً عن الضغط على من يعرقل تنفيذ اتفاق الإفراج عن الأسرى والمعتقلين ذهبت الأمم المتحدة إلى خيار آخر وهو دعم سلطات الإنقلابيين الحوثيين وتأثيث السجون.
البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ابتكر عنواناً جديداً لدعم المليشيات والتغطية على الإنتهاكات التي تمارس بحق مئات المحتجزين في سجونها، لتعلن عن البدء في ما أسمته "مشروع سيادة القانون"، والذي من خلاله قدمت 7 ألف قطعة من فرش النوم، للإصلاحيات (السجون) المركزية، في محافظات صنعاء، ذمار، الحديدة، إب، وهي السجون الأكثر اكتظاظاً بالمختطفين من النشطاء المدنيين المناوئين للإنقلاب.
بررت الأمم المتحدة المشروع، بنتائج التقييم الذي أجراءه، البرنامج الإنمائي، على السجون المركزية في المحافظات المذكورة أعلاه، والتي أظهرت انتشاراً للأوبئة، كالجرب والأمراض المعدية الأخرى؛ بسبب الازدحام وتقادم انظمة الصرف الصحي والمياه، والخدمات النفسية والاجتماعية والصحية والتعليمية التي تحتاج للتحسين.
ودعم سجون الحوثيين بـ"الفرش، خطوة أولى لضمان تحسين أوضاع السجناء"، وفق إفادة "سورايو بوزوروكوفا" رئيس فريق وحدة الحكم الرشيد وبناء السلام المنفذ للمشروع، والتي أكدت أن "تدخلات المشروع لا تنحصر فقط في توفير المأوى والتغذية المناسبين للسجناء، بل ينبغي أن تتحسن ظروفهم لتشمل ضمان حصولهم على الدعم الصحي والنفسي اللازمين".
وحسب بلاغ، أطلع عليه المصدر اونلاين، فإن "مشروع سيادة القانون يساعد السلطات والشركاء في تلبية المعايير المطلوبة في الاصلاحيات مثل تحسين النظافة والصرف الصحي من خلال توفير فرش ومواد أخرى ضرورية" .
وقال البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، إن توفير واستبدال فُرُش النوم "استجابة إنسانية فورية للإصلاحيات المركزية فني اليمن"، ويساعد "على ضمان حقوق الإنسان.. والحيلولة دون تعرضها للخطر، بسبب القضايا المرتبطة بضعف المؤسسات الرسمية، والقيود المفروضة على الميزانية والأمن".
أولويات أهم
وأعتبر المحامي والناشط الحقوقي عبدالرحمن برمان، تقديم مساعدات للسجون، ومواجهة انتشار الأمراض الوبائية؛ أحد الواجبات التي يجب أن تضطلع بها الأمم المتحدة، "لكن هناك أولويات أهم من ذلك" مشيراً "إلى اتفاق رعته الأمم المتحدة يقضي بالأفراج عن كل المعتقلين والأسرى والمختطفين من جميع الاطراف".
وينص اتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين، الذي اتفق عليه الحوثيون والحكومة، في ديسمبر العام الماضي بالسويد، على إطلاق سراح كل المختطفين والمعتقلين والأسرى، في سجون الطرفين (الشرعية والانقلابيين)، وتنفيذ الاتفاق وفق قاعدة (الكل مقابل الكل) برعاية وإشراف من الأمم المتحدة ومنظماتها المعنية.
وقال برمان إن "الأمم المتحدة لم تمارس دوراً كافٍ للضغط على جماعة الحوثي، للمضي في تنفيذ الاتفاق، رغم استعداد وتجهيز الحكومة الشرعية للإفراج عن كل المعتقلين والأسرى دون استثناء".
وأضاف الحقوقي برمان، في تصريح خاص لـ"المصدر أونلاين"، أن الأمم المتحدة لم تستطع حمل الحوثيين على تنفيذ الاتفاق، بل مارست دوراً سلبياً أمام تلكوا ومماطلة الجماعة في الإفراج عن كل المختطفين".
وكان من المفترض، أن يتم تبادل جميع الأسرى والمخطوفين – 16 ألف عدد الاسماء في الكشوفات المتبادلة بين الطرفين – بحلول 20 يناير/كانون الثاني الماضي.
وأشار برمان، إلى تحول دور الأمم المتحدة، إلى دور بسيط في الجانب الإغاثي فقط، على الرغم من أن الدور الاساسي للأمم المتحدة، هو إيقاف النزاعات المسلحة، وحماية المدنيين وإيقاف انتهاكات حقوق الانسان التي يتعرضون لها في الحروب، ومنها الاعتقالات التعسفية، والتعذيب؛ وهذه جرائم تعتبر انتهاكات للقانون الدولي الإنساني.
ويتعرض المئات من المختطفين والمعتقلين للتعذيب الوحشي، في سجون الحوثيين، ما تسبب في وفاة العشرات منهم تحت التعذيب، وإصابة الأخرين بأمراض عقلية ونفسية وعاهات مستديمة، توفي على إثرها، عدد منهم، بعد ايام من الافراج عنهم أو اطلاق سراحهم مقابل فديةً مالية.
وتابع عبدالرحمن برمان: "المعني بحماية المدنيين وعدم انتهاك القوانين الدولية في مناطق النزاعات المسلحة، هي الأمم المتحدة، ودورها اليوم في اليمن بسيط جداً، في الجانب الانساني، لكنها غفلت عن حماية هؤلاء المختطفين والمعتقلين، وتخلت عن تقديم المساعدة الطبية والنفسية لهم، وحماية حقوقهم، عبر الإفراج عنهم من السجون".
وتمنع مليشيات الحوثي، الرعاية الطبية والخدمة الصحية عن المخطوفين، وتحرم العشرات من المصابين بينهم، بالأوبئة والأمراض المعدية كالجرب والسل، من الدواء والعلاج، إضافة إلى استخدام الداء كوسيلة من وسائل التعذيب، ما تسبب -وفق تقارير وتحقيقات أجراءها المصدر اونلاين في الفترة الماضية، ووثقتها المنظمات الحقوقية – في وفاة عدد منهم، كالصحفي أنور الركن، والمختطف، محمد المزارع، ونهاية يناير الماضي توفي المختطف، هلال الجرف، بسبب السل الذي انتشر في احد السجون التابعة للحوثيين في محافظة ذمار.
وأوضح المحامي برمان في تصريح لـ"المصدر اونلاين" من مقر إقامته في الولايات المتحدة الأمريكية، أن أولوية الأمم المتحدة، هي إيقاف الاعتقالات والانتهاكات والتعذيب والاخفاء القسري المستمر فيها، ثم تأتي المرحلة الثانية، كتوفير الرعاية الصحية، والسماح لعائلات المعتقلين بالزيارة، واللقاء بالمحامين، والجوانب الإنسانية كالفرش والبطانيات تأتي بعد القيام بالواجبات الاساسية؛ حماية الحقوق ووقف الانتهاكات للقوانين الدولية.
الأمم المتحدة متواطئة
ورأى رئيس المنظمة الوطنية للإعلاميين والحقوق "صدى"، قيام البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة، بتوزيع الفرش على السجون التابعة لجماعة الحوثي في مناطق سيطرتها، يؤكد إن الأمم المتحدة على اطلاع بما يحدث في تلك السجون ومتواطئة مع المليشيات.
وتتهم المنظمات الحقوقية المحلية، منظمات الأمم المتحدة، بتجاهل جرائم الحوثيين وما تقوم به من انتهاكات وتعذيب وقتل تحت التعذيب في السجون العامة والسرية.
وأضاف يوسف حازب، في تصريح خاص لـ"المصدر اونلاين" أن مشروع توزيع الفرش بقدر ما هو عمل إنساني مقدر، إلا أنه كشف حجم المعاناة التي يعيشها السجناء والمخطوفين في سجون الحوثيين، حيث تزدحم السجون والمعتقلات بالمدنيين بدون فرش للنوم، ناهيك عن الحقوق الأخرى.
وكشفت تحقيقات وتقارير سابقة للمصدر أونلاين، عن اكتظاظ الإصلاحية المركزية بمحافظة ذمار، بأربعة أضعاف قدرتها الاستيعابية، وتزج المليشيات الحوثية بأطفال تحت السن القانونية بين المدانين بقضايا جنائية وأخلاقية، إثر اازدحام سجن الاحداث في الإصلاحية ذاتها بالمئات من المخطوفين والمعتقلين السياسيين والقصر، وهو ما أكدته منظمات دولية، وعززه مؤخراً، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بتوزيعه فرش النوم، للسجن المركزي بذمار وثلاثة إصلاحيات أخرى، قال البرنامج إن الأمراض والأوبئة، انتشرت فيها بسبب الازدحام، إضافة إلى اسباب أخرى متعلقة بالنظافة والصرف الصحي.
وأشار الزميل حازب، إلى تستر الأمم المتحدة على ما ترتكبه جماعة الحوثيين من جرائم اختطاف واعتقال تعسفي، وتكديس المدنيين في المعتقلات، وهو ما كشفت عنه بتوزيعها الفرش للحد من انتشار الاوبئة والأمراض، التي يمثل الازدحام في السجون وامتلائها بالمخطوفين، السبب الرئيسي فيها، إضافة إلى عدة اسباب أخرى كانعدام الخدمات الصحية والنظافة وتقادم البنى التحتية كالصرف الصحي والمياه النظيفة.
ونصح حازب الأمم المتحدة وبرنامجها الإنمائي، بأن تقوم المؤسسة الدولية ومنظماتها ووكالاتها المختلفة، بالضغط على المليشيات الحوثية، للإفراج عن المختطفين والمعتقلين تعسفياً، والموقوفين بدون أي تهمة أو جريمة، مستغرباً "تعامل الأمم المتحدة مع سجون الحوثيين كإصلاحيات تابعة حكومية معترف بها، وهذا أمر خطير يدركه السياسيون والقانونيون جيدا".
وطالب حازب، بسرعة الافراج عن المختطفين، جميعاً بما فيهم "زملائنا الصحفيين المختطفين منذ حوالي اربعه أعوام ويتعرضون بشكل مستمر للتعذيب والانتهاكات" وعلى الأمم المتحدة أن تساهم بالإفراج عنهم «بالضغط على مليشيا الحوثي على الأقل، لتطبيق اتفاق ستوكهولم المتعلق بتبادل المعتقلين والأسرى".
الجدير بالذكر أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، هو وكالة تابعة للأمم المتحدة، ويهدف لاستعادة سبل العيش والتماسك الاجتماعي والأمن، عبر أولوياته الخمسة في اليمن، وتشمل: (أ)دعم الحل السلمي؛ (ب) الانتعاش الاقتصادي؛ (ج) استعادة الخدمات الأساسية؛ (د) إعداد اليمن للانتقال من العمل الإنساني إلى التنمية؛ (هـ) تمكين الفئات الضعيفة.
وكان محرر المصدر اونلاين، أرسل استفسارات واسئلة، للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، والفريق المنفذ لـ"مشروع سيادة القانون"، بغرض الحصول على مزيد من المعلومات عن المشروع، وخططه المزمنة، ونتائج عمليات التقييم والمسح الذي أجراءها على الإصلاحيات في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، وما زال الموقع ينتظر وصول الرد من الفريق المعني والوكالة الأممية.