أدت الحرب في اليمن إلى أزمة إنسانية صنفتها الأمم المتحدة كأكبر حالة طوارئ إنسانية في العالم ويفيد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بأن حوالي 22.2 مليون يمني بحاجة إلى شكل من أشكال الحماية أو المساعدة الإنسانية، منهم 11.3 مليون في حاجة ماسّة للمعونات من أجل البقاء على قيد الحياة، لكن من غير الواضح هل المساعدات مجدية وهل تصل إلى المحتاجين فعلاً أم تقع في الأيدي الخطأ.
ناشطون يمنيون أطلقوا، خلال ابريل الجاري، حملة إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم #وين_الفلوس، لمعرفة مصير المعونات الاممية لليمن خلال أربع سنوات من الحرب، وللمطالبة بتطبيق آلية شفافة لتسليم المساعدات، ويقولون إن الغذاء لا يصل للجائعين وإن أموال المعونات تتسرب في ثقب أسود.
وتقول الأمم المتحدة إن المساعدات الإنسانية واسعة النطاق، لعبت دوراً مهماً في الحد من شدة نتائج الأمن الغذائي داخل اليمن، وإنه في الفترة ما بين يناير وأيار مايو 2018، تم تزويد ما معدله 176 مليون شخص شهرياً بالمساعدة الغذائية الطارئة من خلال التوزيعات العينية والتحويلات النقدية والقسائم.
وخلال سنوات الحرب منذ 2015، أعلنت الأمم المتحدة جمع تحو 10 مليارات دولار من تبرعات دول وحكومات وجهات مانحة لتنفيذ خطتها الإنسانية في اليمن، فيما أعلنت دول ومنظمات واتحادات عن مساعدات لا تقل قيمتها عن 10 مليارات دولار، من أجل محاربة الفقر، خلال نفس الفترة، ورغم ذلك ما زال الإقتصاد اليمني يعاني من أزمات خانقة وواصلت العملة المحلية التهاوي المتسارع، وزاد عدد الفقراء.
ومُنحت الأموال لعشرات الوكالات التابعة للأمم المتحدة، والمنظمات الدولية والمؤسسات غير الحكومية المحلية، ومن بين أكبر المنظمات التي تلقت هذه الأموال، برنامج الغذاء العالمي وصندوق الطفولة التابع للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والمفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويشهد اليمن حرباً مدمرة بدأت في سبتمبر من عام 2014، بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء ومؤسسات الدولة، وتصاعدت وتيرة الصراع منذ مارس 2015 مع دخول السعودية والإمارات في تحالف عربي لشن عمليات عسكرية ضد الحوثيين.
وقال الناشطون إن الأثر الايجابي للمساعدات الإنسانية لليمن مرهون بشكل أساسي بإيجاد آليات عملية وشفافة وبتغيير المنظمات الدولية اسلوبها المتبع من تقديم إغاثة طارئة إلى مشاريع مستدامة، منتجة للدخل وذات منفعة اقتصادية وتوفر فرص العمل.
عبد الواحد العوبلي، أحد الناشطين في حملة "وين الفلوس"، أوضح أنه في ظل الظروف الاستثنائية التي يعاني منها اليمن، وفي خضم الأزمات الإنسانية التي تعصف باليمنيين، تدفقت المساعدات اإانسانية لتخفيف آثار الأزمات. غير أن الأرقام التي ترد تباعاً عن حجم المساعدات باتت محل تساؤل في ظل الازدياد المستمر لمعاناة اليمنيين وانحسار المستفيدين من يوم لآخر.
وقال العوبلي لـ" المصدر اونلاين": "دشنت هذه الحملة للضغط على المنظمات العاملة في اليمن لتطبيق معايير الشفافية وتمكين جهود المساءلة المجتمعية من القيام بدورها وتتلخص دوافعها بالرغبة في تحديد ماهية الفساد وحجمه ومن يقوم به وأين ومتى. بسبب صدور الكثير من التقارير والبلاغات عن حدوث تلاعب وسوء إدارة شراء و توزيع المساعدات.
وأشار العوبلي، إلى بحث قام به مجموعة من المختصين في المراجعات المالية وناشطين في الأعمال الإنسانية، وقال:" اتضح أن معظم المنظمات العاملة في اليمن، والتي تتولى إدارة هذه الأموال، تعمل وفق آلياتها الخاصة، ودون أي رقابة حكومية، أو حتى متابعة من المانحين. الأمر الذي يستدعي الحاجة لتفعيل دور المساءلة والرقابة المجتمعية.
واوضح أن المساءلة تبدأ كخطوة اولى من خلال مطالبة جميع المنظمات التي تعمل في اليمن بنشر تقاريرها المالية التفصيلية والفنية وعرضها على الجمهور إستناداً إلى حقهم الأخلاقي في ضمان وصول الأموال لمستحقيها، وإلى القوانين المحلية والدولية الملزمة بتبني نهج الشفافية الكاملة.
وتفاعل عشرات الناشطين مع الحملة في مواقع التواصل الاجتماعي، وقالت إيمان عبد الله في صفحتها على "تويتر": “وين_الفلوس، حملة تُبشّر بنضج في المجتمع المدني الذي بدأ ينزل من فضاء العموميات الى حالة من التخصص والتركيز على ملفات بعينها".
وأوضح الشاب فداء وهو أحد مؤسسي الحملة، أن الحملة وصلت الى اكثر من مليوني شخص حتى يوم 17 ابريل الجاري وأن التفاعلات وصلت الى 6 ملايين، مؤكداً أن هذه الارقام تدل على رغبة الناس في تعزيز مبدأ الشفافية، ومطالباً المنظمات ان تقدّر رغبة الناس وتقوم بعرض تقاريرها على مواقعها.
واعتبر سمير الصلاحي، أن أكبر عملية فساد تمت في تاريخ اليمن الحديث هي فساد منظمات الإغاثة التي نهبت 20 مليار دولار ولم يصل منها للمجتمع اليمني ما يساوي 5٪.
ورغم تدفق المساعدات بمليارات الدولارات، لم تنعكس في تحسين الوضع المعيشي لليمنيين، ووفقاً للأمم المتحدة، يعيش حوالي 80% من اليمنيين في حالة فقر، مقارنةً بأكثر من 50% في عام 2014، ويحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدات.
ويقدر البنك الدولي أن حوالي ثمانية ملايين يمني فقدوا وظائفهم منذ بدء الحرب في عام 2015. وبلغ معدل البطالة الرسمي بالفعل أكثر من 50 % في عام 2014. ومن المرجح الآن أن يكون أعلى من ذلك بكثير.
ويرى خبراء الاقتصاد، غالباً ما يتم توجيه المساعدات نحو الحلول الطارئة، قصيرة الأجل، وحسب مراقبين فإن المكاسب الاقتصادية من المساعدات الإنسانية محدودة للغاية وأحيانا معدومة كونها مساعدات غذائية عابرة، وليس لها تأثير في الحد من الفقر.
ويؤكدون أن المحتاجين لا يستفيدون من المعونات بقدر استفادة أطراف الصراع التي تقوم بتوزيع معونات الإغاثة على الموالين لهم بل وصرفها أحياناً على جبهات القتال، أو يتم بيعها في السوق السوداء وتخلق تجارة داخل النشاط الاقتصادي الموازي.
المصدر أونلاين