منذ أكثر من خمسة عقود ووزير الخارجية اليمني خالد حسين اليماني يواجه سؤالاً لم يجد له إجابة.. هل كانت الشوكولاتة التي تلقاها اليماني من أحد جنود قوات الإحتلال الإنجليزي في عدن فعلاً كافية لإحداث مثل هذا المفعول السحري في نفس الرجل الذي دفعت به الأقدار لتقلد مناصب مهمة في الدولة؟
لنتعرف على قصة الشوكولاتة..
يسرد اليماني في مقابلة أجرتها معه مجلة "الرجل" مؤخراً قصة حدثت له وهو لا يزال طفلاً ووعيه في طور التشكل يقول إنه وأثناء المواجهات في "التواهي" بمدينة عدن بين مسلحي المقاومة فيما كان يعرف بجنوب اليمن وبين جنود الإحتلال البريطاني في بداية ستينيات القرن الماضي، وأنه بينما كان يعيش لحظات خوف جراء رؤية الجنود المدججين بالسلاح وسماع تبادل الأعيرة النارية، تقدم منه جندي بريطاني شاب وأعطاه قطعة شوكولاتة.
وفي المقابلة ذاتها يقول خالد اليماني إن هذه الحادثة ولدت لديه سؤالاً لا يزال عالقاً في ذهنه منذ ستينيات القرن الماضي حول (من هو العدو؟).
لم ينتظر وزير الخارجية اليماني طويلاً ليترك تساؤله مفتوحاً وفي سطور قليلة لاحقة أجاب اليماني على تساؤله يقول: "إن العدو مفهوم نفسي ينشأ في اللاوعي وتغذيه دوافع نفسية، داعياً إلى عبور خنادق العداء والموت وبناء الصداقات".
حديثه الذي يأتي في ظل ظروف الحرب التي تعيشها البلد ويمثلها اليماني في المحافل الدولية وتحضر مهمته في التسويق للمظلومية التي يعيشها الشعب اليمني جراء تعرضه للقتل والتنكيل والتشريد، أثار ردود فعلا واسعة على صفحات التواصل الإجتماعي وتساءل كثيرون كيف يمكن لرجل أن يتعامل مع مهمته كموظف يمارس طقوساً بروتكولية دون أن يؤمن بقضية أو يبدو مستعداً لمواجهة خصم جعله غير قادر على الوصول إلى بلده.
النشطاء وبعد إثارة المقابلة التي بدت مضامينها غريبة نوعاً ما استدعوا ظهور الوزير اليماني قبل أكثر من شهر يجلس بجوار رئيس وزراء الإحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر وارسو، وهو الأمر الذي فسره الوزير يومها بأنه مجرد خطأ بروتكولي.
تساءل نشطاء "هل يؤمن اليماني بأن المحتل الإسرائيلي عدو؟ أم أنه يعتقد أن العداء مع الكيان الصهيوني المحتل للأرض والمقدسات ليس سوى حالة نفسية وأن الطبيعي أن يكون الصهاينة أصدقاء لا أعداء".
وإذا سلمنا بمقولة اليماني إن الظهور مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني كان مجرد خطأ بروتكولي تسبب فيه المنظمون فإن مبادرة اليماني لتقديم ميكروفونه الخاص ل"نتنياهو" بعد أن تعطل ميكروفون الأخير لا يمكن احتسابه كصدفة بقدر ما يقدم ترجمة فعلية قدمها الوزير في مقابلته الأخيرة إنه لا عدو وأن جلوسه في المقعد المجاور وتقديمه الميكروفون لرئيس وزراء الكيان الصهيوني لم يكن سوى محاولة لبناء جسور الصداقة وإحداث صدمة للمجتمع لينتقل إليه السؤال الوجودي الذي يعيشه الوزير "ما هو العدو؟ وهل هناك فعلاً شيء إسمه عدو؟".
كما يفهم من كلام اليماني أن اصل مشكلة شعب اليمن مع جماعة الحوثي، و كذلك مشكلة العرب مع الكيان الصهيوني هو حواجز نفسية وليست قضايا مصيرية وصراعات وجودية تضحيات كبرى. فهل ذلك يستدعي بحسب مفهوم اليماني أن على كل من يعتقد بوجود عدو أن يعرض نفسه على طبيب نفسي ليساعده على تجاوز هذه الحالة المرضية؟
وفيما يواصل الحوثيون إسقاط جبهات ومناطق أخرى تحت سيطرتهم أطلق اليماني تصريحات أخرى أكد فيها فشل الخيار العسكري للشرعية وأنه لا جدوى من الضغوط العسكرية التي تسعى من خلالها الحكومة الشرعية والتحالف العربي لإجبار الحوثي على القبول بحل سياسي ينهي الإنقلاب والحرب ويعيد الدولة، وأكد "على ضرورة افساح المجال للحل السلمي في البلاد"، رغم اشارته إلى عدم التزام الإنقلابيين بتنفيذ اتفاق ستوكهولم.
يضيف خالد اليماني "أزمة اليمن تقترب من مراحلها الأخيرة، وكل ما نحتاج إليه هو بعض الحكمة التي نسبها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن، وأتمنى أن تكون باقية فينا".
يذكر أن اليماني تدرج في مواقع دبلوماسية عدة قبل أن يحقق قفزات سريعة خلال السنوات الخمس الأخيرة والتي وصل من خلالها إلى مقعد وزير الخارجية في الحكومة الشرعية ليقف على رأس جهاز دبلوماسي خامل أثبتت الأيام أنه عجز عن تسويق القضية اليمنية وإقناع نخب وحكومات غربية كثيرة بعدالة القضية اليمنية، وحقق خلية من نشطاء وناشطات يعملون لصالح الإنقلاب اختراقات كبيرة في أوساط النخب الغربية فيما تحول غالبية منتسبي الجهاز الدبلوماسي اليمني، باعترافات مسؤولين حكوميين بينهم الوزير اليماني، إلى مجرد موظفين وتعيينهم يتم على أساس تمكينهم من قضاء فترة نقاهة كمكافأة نهاية خدمة.