كتب/ محمد اللطيفي
التطورات الحاصلة في الضالع، تؤكد المخاوف التي طالما حذر منها، والمتمثلة بكارثية النوايا السيئة للتحالف من التدخل في اليمن، تحت غطاء “استعادة الشرعية”، وهو الغطاء الذي مررت تحته أجندات خاصة لا علاقة لها بالشرعية وانقاذ اليمن من خطيئة الانقلاب الحوثي، التي بدأت بصمت وتواطؤ الخليج، ثم سرعان ما تحول المنقلب إلى خصم تجاوز الخط المرسوم له من قبل الثورة المضادة العربية، وهو الخصم؛ الحوثي هنا، الذي فضل الذهاب باتجاه إيران، والتي كانت ثورة مضادة لربيع اليمن، ولكن بأجندتها الخاصة بها، وعندما نتحدث عن الحوثي بصفته خصم للسعودية والخليج، فإننا نعني أنه لم يتحول بعد إلى عدو حقيقي تريد الرياض إزاحته من خارطة المشهد، بل كان ولا يزال خصم تريد الرياض تأديبه واضعافه ومن ثم إخضاعه لطاعتها.
الأربع السنوات الماضية أكدت هذه السياسة الخليجية في اليمن، وهي سياسة مبنية على فوبيا الربيع العربي، الذي تضخم لدي صانع القرار السعودي إلى درجة تحويل الاصدقاء إلى أعداء والأعداء إلى خصوم، ولا تختلف العقلية الإماراتية عن السعودية في هذا التوجه، سوى في ترتيب الأعداء داخل صف الشرعية، ودرجة العداء، وما هي القوى البديلة لهم.
تعتقد أبوظبي أن البديل للإصلاح في المناطق المحررة هي القوى الانفصالية والسلفية الجهادية، بينما ترى الرياض أن البديل هو رموز النظام السابق مع جناح في الإصلاح يؤمن بالولاء للمملكة، ولذا نرى أن السعودية والإمارات في اتفاق على إضعاف الجبهات العسكرية الموالية للشرعية والمحسوبة على الإصلاح، لكن الدولتين مختلفتان فقط، في البديل، وفي ذروة هذا التنافس البدوي حول البديل، يتقدم الحوثي ليحرز انتصارات على هامش الغباء الخليجي والهوان الرسمي للشرعية.
سقوط مناطق في الضالع، طالما شكلت بجغرافيتها حائط صد وطني طوال السنوات الماضية، كارثة بكل المقاييس، ونقول حائط صد وطني، كون هذه المناطق ظلت تقاوم الحوثي في إطار وحدوي كونها مناطق حدودية بين شمال وجنوب اليمن، وهذه المقاومة الوحدوية كان يجب الحفاظ عليها، لأنها تعبير مهم لطريق الشرعية نحو اليمن الاتحادي، الذي تقول الشرعية دوما، أنه الحل الوحيد والوسطي والبديل لنزعتي: الوحدة أو الموت، والانفصال أو الموت.
التقدم الحوثي هو في حقيقته ليس انتصارا بالمعنى العسكري، ولكنه تحصيل حاصل التشرذم داخل جغرافية الشرعية، والتخبط الواضح في أجندة التحالف، وهذا الانتصار الذي حققه الحوثي في الضالع ما هو إلا ثمرة لتسليم الجنوب لقوى انفصالية متطرفة، تنسج تحالف ضمني مع الحوثي، من خيال سياسي مريض يعتقد أن ترك المقاومة وحيدة أمام الحوثي، ربما يحقق لمتطرفي الجنوب طريقا إلى حلمهم بالانفصال القسري، بعد أن فشلت محاولات السنوات الماضية في تحقيقه.
الضالع الآن يمكن أن تمثل جرس تنبيه للقوى المتناحرة في جغرافية الشرعية، فالحوثي لا ينتصر بقوته بل بانعدام الرؤية لدى أعدائه، والمقاومة لا تتراجع بسبب ضعفها بل بخذلان القرار السياسي والعسكري، أي الشرعية والتحالف لها، ويمكن القول بأن الرياض التي تتفرج طائراتها على تقدم الحوثي، عليها أن تدرك أن تكرار الأخطاء العسكرية، سيتحول يوما ما إلى عقيدة عسكرية سعودية، آثارها السلبية لن تبقى في اليمن، بل ربما تصل إلى عمق أمنها القومي يوما ما.