مدرعة أبو العباس فجرها الجيش أمس

معارك تعز.. إصرار على اقتلاع «النبتة الخبيثة» واستعداد مضاد وبينهما لجنة ضعيفة لتهدئة الموقف (تقرير خاص)

بعد 5 أيام من المعارك الضارية بين قوات اللواء 22 ميكا التابعة للقوات الحكومية وكتائب «أبو العباس»، سادت -يوم الاثنين - مدينة تعز (جنوب غربي البلاد)، حالة من الهدوء الحذر، فيما تعمل لجنة التهدئة على منع تجدد المعارك.

 

وكانت أحياء الجمهوري والمجلية والجحملية والعسكري شرقي المدينة، وقلعة القاهرة وجبل صبر (جنوبي)، وفندق الإخوة وباب موسى وباب الكبير والمصلى وصينة (وسط) مسرحاً للقتال بين قوات الطرفين.

 

ومنذ بدء سريان الهدنة بين الطرفين، مساء أمس الأحد، سجلت لجنة التهدئة التي كلفها الرئيس هادي بعض الخروقات بسبب الأجواء المتوترة بين الطرفين، والتي شهدت معارك عنيفة بالرشاشات الثقيلة والدبابات.

 

وأسفرت المواجهات عن مقتل 8 وإصابة 22 آخرين من كتائب «أبو العباس»، فيما قُتل 6 من قوات اللواء 22 ميكا وأُصيب 17 آخرين، فضلاً عن مقتل 7 مدنيين وإصابة 22 آخرين، والأخيرين كانوا الشريحة الأكثر تضرراً.

 

كما أدت المعارك العنيفة إلى تدمير خمس مدرعات وست عربات (أطقم) تابعة للطرفين، علاوة على تضرر بعض المنازل بشكل كلي وجزئي جراء القصف بالمدافع والدبابات.

 

نذر الصراع في الجولة الأخيرة

والصراع ممتد إلى جولات سابقة من القتال الشرس الذي اندلع إثر تكليف محافظ تعز لحملة أمنية وعسكرية للقبض على عناصر متطرفة نفذت عشرات الاغتيالات ضد أفراد الجيش والأمن ولبسط سيطرة الدولة على الأحياء والمرافق الحكومية التي كانت تخضع لسيطرة مجاميع مسلحة تحظى بدعم ومساندة كتائب «أبو العباس» المصنف على قائمة الإرهاب الخليجية والأمريكية.

 

في المرة الأولى انتهت الحملة الأمنية والعسكرية بتسليم كتائب أبو العباس عدد من المواقع التي كانت تحت سيطرة عناصرها لقوات الأمن الخاصة وقوات الشرطة العسكرية وتدخلت حينها وساطة من قيادات محلية وعسكرية في المدينة.

 

لكنها ما لبثت أن اندلعت في وقت لاحق بعد أن كلف المحافظ أمين محمود حملة أمنية لمطاردة مسلحين متطرفين متهمين بتنفيذ الاغتيالات ضد شخصيات أمنية وعسكرية كان أبرزها اغتيال موظف في الصليب الأحمر.

 

وبدأت نذر الاقتتال في الجولة الأخيرة يوم الأربعاء الماضي، بمحاولة اغتيال علاء العزي قائد الكتيبة الرابعة في كتائب «أبو العباس» في منطقة الضباب بنيران مسلحين منشقين من الكتائب، حسبما قالت مصادر خاصة.

 

وذكرت المصادر لـ«المصدر أونلاين»، أنه بعد نصف ساعة من محاولة الاغتيال، تحركت قوات من الكتائب يقودها عادل العزي -وهو نائب أبو العباس وشقيق علاء العزي -لمهاجمة قوات مواقع اللواء 22 ميكا وقطع خطوط إمداداتهم شرقي المدينة.

 

كما هاجمت مجاميع تابعة لكتائب العباس المستشفى الجمهوري، وطردوا قوات الشرطة العسكرية المكلفة بحراسة المستشفى بعد قتل أحد أفراد الشرطة، وانسحبوا في اليوم التالي بناءً على توجيهات من اللجنة الأمنية برئاسة محافظ المحافظة أمين محمود.

 

في ذات الوقت، انتقلت المعارك من شرقي المدينة إلى وسطها، وهذه المرة دارت اشتباكات وعمليات قنص متبادلة بين قوات تابعة لقيادة المحور (أعلى سلطة عسكرية حكومية في تعز) وكتائب «أبو العباس» في شوارع العواضي وباب موسى وصينه والمصلي، وهي مناطق تخضع لسيطرة تلك العناصر وتقول القوات الحكومية إن المتطرفين المتهمين بعمليات الاغتيالات والذين باتوا يعرفون في تعز باسم «الملثمين».

 

عقب ذلك، اغتالت عناصر مجهولة أربعة من جنود اللواء 22 ميكا في منطقة الجحملية أثناء ذهابهم إلى مواقعهم العسكرية التي تخوض قتالاً ضد مسلحي جماعة الحوثيين على أطراف المدينة، واتهمت قيادة اللواء عناصر تحظى بحماية الكتائب بالوقوف خلف عملية الاغتيال.

 

توجيهات اللجنة الأمنية

عقدت اللجنة الأمنية برئاسة المحافظ أمين محمود، اجتماعين متتاليين عقب اندلاع المواجهات بين قوات المحور واللواء 22 ميكا وهي قوات حكومية تتبع قيادة المنطقة العسكرية الرابعة، وكتائب «أبو العباس» المنضوية نظرياً في اللواء 35 مدرع، وعملياتياً منفصلة عنه، وحصلت على دعم وتمويل من قيادة القوات الإماراتية المتمركزة في عدن.

 

يذكر أن الكتائب التي ضمت مجاميع تنتمي للتيار السلفي وشاركوا في المواجهات ضد مليشيات الحوثيين تم تشكيلها بدعم وتمويل إماراتي وكان منوط بها أن تكون على شاكلة قوات الحزام الأمني في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة (جنوبي البلاد).

 

وفي نهاية الاجتماع وجهت اللجنة الأمنية القوات الحكومية ووحدات الأمن، ببدء حملة واسعة لملاحقة من أسمتهم مسلحين شكلوا خلايا تنفذ عمليات الاغتيالات بحق قوات عسكرية وأمنية، وهي عصابات خارجة عن القانون في أحياء الجمهوري والمجلية.

 

وتنفيذا للتوجيهات، هاجمت الحملة العسكرية أماكن مفترضة لتلك الخلايا في تلك الأحياء الخاضعة لسيطرة الكتائب، مما أدى إلى اصطدامها بقوات الكتائب، والأخيرة منعت تقدم الحملة العسكرية، تحت ذريعة أن تلك القوات موالية لحزب الإصلاح.

 

وتحول مسار المعركة من ملاحقة لخلايا الاغتيالات والخارجين عن القانون، إلى مواجهة ضارية بين قوات الحملة العسكرية وكتائب «أبو العباس»، ومعها تبادل الطرفان الاتهامات بين من تسبب في إطلاق النار.

 

ورغم أن المعارك تدور شرقي المدينة، إلا أن قوات الكتائب هاجمت قوات اللواء 22 ميكا من مواقعها في الجحملية وقلعة القاهرة، ورد الطرف الآخر من مواقعه في مرتفعات «زائد» و«العروس» بجبل صبر جنوب المدينة، بالإضافة إلى مواقع الطرفين وسط المدينة.

 

«النبتة الخبيثة»

أمس الأحد، أصدرت قيادة محور تعز بياناً شديد اللهجة لأول مرة منذ بدء الاقتتال بين الطرفين، وأكدت فيه مواصلة معركة تطهير المدينة من العناصر المنفلتة والخارجة عن القانون، واستئصال «النبتة الخبيثة»، في إشارة إلى العناصر المتطرفة التي تعمل تحت مظلة كتائب «أبو العباس».

 

وعزت قيادة المحور تأخرها في تثبيت الأمن وإنهاء وجود الخلايا الإجرامية، إلى «حرصهم على تجنيب المحافظة الانقسامات، وإتاحة الفرصة للمكونات السياسية والفكرية والشبابية لمواجهة الأفكار المتطرفة».

 

وأكد المحور على أن تعز ستظل مدينة للثقافة ولن يسمحوا لتحويلها إلى مأوى للأفكار المدمرة ومسوخ الغلو والفكر المنحرف لممارسة أجندات مشبوهة و«تنتهج سلوك الإجرام والقتل والنهب واستحلال الدماء دون وازع من دين أو ضمير».

 

صراحة البيان حددت طبيعة المعركة وسبب تزايد العمليات الإرهابية والإجرامية وحرص قيادة المحور والقوات الحكومية على إصلاح أخطائهم وتحرير أحياء مدينة تعز من الجماعات المتطرفة والخارجة عن القانون.

 

استعداد من الكتائب

وبين حرب التصريحات خرجت الكتائب باجتماع طارئ جمع قائد الكتائب، عادل عبده فارع «أبو العباس» مع قيادات الكتائب، لمناقشة النتائج المترتبة عن «استهداف مواقع الكتائب في الجحملية وأطراف المجلية من قبل العصابات الميلشاوية لحزب الاصلاح والتي أسفرت عن سقوط شهداء وجرحى» حسب ما جاء في بيان صادر عن الكتائب.

 

ووفق بيان صحفي صادر عن الكتائب، فإن القادة أكدوا انتشارهم في مواقعهم والتزامهم بتوجيهات القيادة بضبط النفس والاكتفاء بالدفاع عن النفس بانتظار أن يكون للعقلاء كلمة في تجنيب تعز ويلات الاقتتال الداخلي.

 

وقال عادل العزي نائب أبو العباس إن «الكتائب في جاهزية تامة لأي طارئ في ظل استمرار هجمات ميليشيا الاصلاح على مواقعنا ونحذر ميليشيا الاصلاح من مغبة التمادي في عدوانها، ونؤكد التزامنا بدعوة رئيس الجمهورية للتهدئة، ومطالبين عقلاء تعز تحمل مسؤوليتهم بإيقاف عدوان ميليشيا الاصلاح على مواقع الكتائب والأحياء السكنية».

 

لكن البيان لم يتطرق إلى أسباب المعارك التي تتحمل هي المسؤولية الكبرى وفق اتهامات اللجنة الأمنية، خصوصاً أن العناصر المتطرفة والمتهمة بتنفيذ عمليات الاغتيالات، تتحرك بحرية تامة في المربعات السكنية الخاضعة لسيطرة «أبو العباس».

 

ووفق سكان محليين أفادوا «المصدر أونلاين»، فإن مسلحين متشددين يتحركون بأريحية في تلك المناطق، كما يحوي سوق باب موسى محلات لبيع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة بما في ذلك المدفعية الثقيلة.

 

وقبل أيام انتشلت السلطات الأمنية 5 جثث لجنود من مقبرة في حي الجمهوري الخاضع لسيطرة الكتائب، وكانت تعود لجنود أعدموا بطريقة وحشية من قِبل مسلحين متطرفين، وفق ما رواه شهود عيان في إفادات متطابقة.

 

جذور الصراع

تصنف بعض النخب السياسية والإعلامية الاقتتال في تعز بأنه بين حزب الإصلاح والسلفيين، بالرغم من كون طبيعة الصراع بين جيش نظامي يتبع وزارة الدفاع وهيئة الأركان، وجماعة مسلحة ترفض الانصياع للدولة، وفق مسؤول حكومي.

 

وتحولت تلك التوصيفات إلى حرب إعلامية في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بين أنصار الجيش وآخرين يهاجمونه ويضعونه في خانة واحدة مع المجاميع المسلحة، التي ترفض الانصياع لقرارات المحور العسكري الذي يفترض أنها تابعة له.

 

 وتعمل آلة إعلامية ضخمة على تصوير الصراع كصراع حزبي بين الإصلاحيين والسلفيين في إشارة إلى مجاميع «أبو العباس» الذي يعلن نظرياً أنه يتبع قوات اللواء 35 بينما يرفض عملياً الانصياع للتوجيهات القادمة من القيادة العسكرية ممثلة في محور تعز كأعلى سلطة عسكرية في المحافظة.

 

وكان الطرفان رفاقاً للسلاح، وخاضوا كتفاً إلى كتف معارك عنيفة ضد الحوثيين في مدينة تعز، وانتهت بسيطرتهم على معظم مدينة تعز أي ما نسبته 80%، لكن ما يزال الحوثيون يسيطرون على منطقة الحوبان والمنافذ الرئيسية للمدينة.

 

وبعد دمج المقاومة بالقوات الحكومية وبقاء السلفيين والشبان الذين ينحدرون من الأحياء القديمة، تحت قيادة «أبو العباس»، ظل الأخيرون فصائل مسلحة تستمد شرعيتها في انتساب نظري لقوات اللواء 35 مدرع التي يقودها العميد عدنان الحمادي.

 

ومع توالي الأحداث اتضح أن ذلك الانتساب كان مدفوعاً من قيادة القوات الإماراتية في عدن، غرضه إضفاء شرعية على فصائل مسلحة خارجة عن القانون، طبقاً لحديث المصدر العسكري الذي رفض الإفصاح عن هويته.

 

وبدأت جذور الصراع بين القوات الحكومية والكتائب التي تضم فصائل مسلحة مطلع العام الماضي، وتعود للسباق المحموم بين الطرفين على النفوذ والسيطرة في المدينة وإيرادات الأسواق والنقاط الأمنية.

 

واقليميا دفعت حالة العداء بين دولة الإمارات وحزب الإصلاح بقيادات أبوظبي لتمويل كتائب أبو العباس السلفية بالمال والسلاح بهدف خوض صراعات نيابة عنهم في مدينة تعز، ضد القوات الحكومية التي تتهمها الكتائب بأنها موالية للحزب.

 

وخلافا لتوقعات أبوظبي، صنفت الولايات المتحدة الأمريكية عادل فارع الذبحاني المكنى «أبو العباس» في قائمة الإرهاب، وافقدتها أهم حلفائها في تعز ما دفعها على إدراجه في قائمة الإرهاب الخليجية التي أعلنت لاحقاً.

 

ورغم أن الإمارات والسعودية صنفت أبو العباس على قائمة الإرهاب بعد أن أدرجته الحكومة الأمريكية ضمن المصنفين على تلك القائمة، إلا أنها واصلت دعمه بالمال والسلاح وكان آخر دفعة من الذخائر والأسلحة وصلته من قيادة القوات الإماراتية بعدن، في اليوم الثاني على بدء الجولة الأخيرة من المواجهات وتم تمريرها كدعم مقدم لقوات اللواء 35 مدرع، حسب مصدر عسكري.

 

تهدئة رئاسية

والسبت الماضي، عقد الرئيس عبدربه منصور هادي لقاءً موسعًا مع المحافظ أمين محمود والقيادات العسكرية والأمنية في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة (جنوبي البلاد)، وناقشوا أسباب المعارك في تعز وتداعيات الانفلات الأمني على معركة التحرير، واستعادة السيطرة على المحافظة على المحافظة من الحوثيين.

 

ووجه الرئيس بتكليف لجنة تهدئة لوقف الاقتتال بين القوات الحكومية والكتائب، مكوّنة من العميد عبده فرحان المخلافي مستشار قائد محور تعز، والعميد عدنان رزيق قائد اللواء الخامس حرس رئاسي.

 

وفي الوقت الذي كان اللقاء منعقداً، كانت المعارك على أشدها بين الطرفين، وتقدمت قوات اللواء 22 ميكا في حيّ الجحملية والجمهوري، «وتعتبر المنطقتان وكرا خطيرا لخلايا الاغتيالات والعصابات الإجرامية»، حسبما يقول مصدر عسكري حكومي لـ«المصدر أونلاين».

 

وفور عودة العميد عدنان رزيق من عدن إلى تعز أمس الأحد، بدأت لجنة التهدئة في التواصل مع قادة الطرفين، وتمكنت من وقف المعارك العنيفة بشكل مؤقت، وانتشر جنود قوات اللواء الخامس حرس رئاسي في مختلف مناطق الاشتباكات.

 

وحتى لحظة كتابة التقرير، مساء الإثنين، تواصل لجنة التهدئة عملها لنزع فتيل المواجهات، ومنع تجددها رغم تسجيل خروقات بين حين وآخر، ومن المقرر انتشار قوات الشرطة العسكرية في أحياء شرقي مدينة تعز تنفيذا لتوجيهات الرئيس هادي.

 

مخاوف من جولة جديدة من الصراع

وبين إصرار القوات الحكومية من قوات المحور واللواء 22 ميكا على اقتلاع «النبتة الخبيثة»، والاستعداد المضاد من قوات كتائب «أبو العباس»، يخشى المدنيون من تفجر جولة جديدة من الصراع بين الطرفين.

 

ورغم جهود اللجنة لتهدئة الموقف إلا أن موقفها ما يزال ضعيفاً أمام الترسانة العسكرية التي يملكها الجانبان، ووفق تصريح المتحدث باسم الأمن في تعز أسامة الشرعبي، فإن قوة الطرف الثالث والذي من المقرر أن يكون ضامناً لعدم تفجر الموقف تبقى ضعيفة.

 

ويعيش السكان في حالة من الخوف والذعر جراء تصاعد المؤشرات على عودة النزاع من جديد، خصوصاً أن القتال يدور في أحياء سكنية ومدنية، بل يمتد إلى مؤسسات من المفترض أن تبقى محمية من النزاعات مثل المستشفيات.

 

وأمس الأول الأحد، وصلت النيران إلى مستشفى المظفر الذي أطلق نداء استغاثة لنجدة المرضى والكادر الطبي.

 

المصدر أونلاين