2019/08/07
لماذا تكرر "النهضة التونسية" مصير «إخوان مصر» بعد دفعها بمورو للرئاسة؟

عز الدين خيري- عربي بوست

في سابقة تعدُّ هي الأولى في تاريخ الحركة الممتد منذ نحو 5 عقود في تونس، أكد مجلس شورى حركة النهضة الإسلامية، أنَّه حسم بأغلبية مريحة أمره، لصالح ترشيح الشيخ عبدالفتاح مورو (71 عاماً)، نائب رئيس الحركة ورئيس البرلمان الحالي، للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها منتصف سبتمبر/أيلول المقبل.

وأكدت الحركة أنَّها اجتمعت طويلاً حتى تستقرَّ على اختيار مورو، في حين كان رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني، قال الأحد الماضي، إنَّ «مجلس الحركة شهِدَ اختلافات في الآراء، بين مدافعٍ عن ترشيح شخصية من داخلها، وبين مَن يرى ضرورة مساندة مرشح من خارجها». مؤكداً أنَّ «نتيجة التصويت داخل الحركة كانت لصالح الرأي المدافع عن ترشيح شخصية من داخل النهضة لخوض الانتخابات الرئاسية، بـ45 صوتاً، مقابل 44 صوتاً طالبوا بترشيح شخصية من خارج الحركة» .

فهل أصابت الحركة بترشيح وجه إسلامي بارز لها، وعلى ماذا تراهن بترشيح الشيخ مورو، وكيف سيكون موقفها من الانتقادات الموجَّهة لها من قبل خصومها، بعدم التوافقية والسيطرة على الرئاسة والمجلس التشريعي والمجالس البلدية، كما اتُّهمت بذلك أختها جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 2012، وكانت النتيجة الإطاحة بها وبالرئيس المنتخب الأول في تاريخها، الراحل محمد مرسي.

«لتونس خصوصيتها»

حول ذلك، يقول الكاتب والصحفي التونسي عبدالسلام علي لـ «عربي بوست»، إن لكل تجربة عربية استقلاليتها، ولا يوجد تشابه بين تجربة مصر وتونس أو حتى السودان أو الجزائر، فطبيعة كل تجربة بين هذه الدول تمرُّ في سياق مختلف عن أختها، مشيراً أن تونس استطاعت الحفاظ على مسارها الديمقراطي منذ اندلاع الثورة عام 2011، التي أسقطت نظام زين العابدين بن علي، وأن النهضة قدمت تنازلات كثيرة، على عكس غيرها في الدول الأخرى منذ البداية، وذلك في سبيل الحفاظ على التوافقية بين جميع القوى السياسية.

ويأتي اختيار الحركة لترشيح وجه إسلامي بارز منها لأول مرة في تاريخها، في ظل حملة شرسة تتعرض لها حركات الإسلام السياسي في المنطقة، تقودها كل من الرياض وأبوظبي، بعيد ثورات الربيع العربي، إذ تدعم العاصمتان الخليجيتان كل من الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا، وأوصلت المشير عبد الفتاح السيسي بانقلاب عسكري دموي للسلطة في مصر، عام 2013، وهي تحاول التدخل الآن في مصير السودان القادم، بعيد الثورة التي أطاحت بعمر البشير في إبريل/ نيسان الماضي.

وتقول وكالة بلومبيرغ الأمريكية إن حركة النهضة، يبدو أنها قد قامت بهذه الخطوة، بعد أن قيمت التجربة الديمقراطية التونسية وتأكدت أنها لم تعد هشة، وأنه حان الوقت للمضي قدماً نحو رئاسة تونس، دون «الحاجة إلى توخي الحذر».

وحول حيثيات اختيار النهضة لمورو، يقول علي، إن حركة النهضة ترى أنها الحزب الأكبر في البلاد، والأكثر تنظيماً، ولها قاعدة انتخابية ثابتة وقوية، وبالتالي فإنها تعتقد أنه لا يجوز أن يكون الحزب الأكبر في تونس دون مرشح خاص به في الانتخابات الرئاسية.

مضيفاً أن القوائم التشريعية داخل حركة النهضة حصل فيها مؤخراً انقسام وتشرذم، بسبب ما سمَّاه البعض بـ «انقلاب المكتب التنفيذي» على الانتخابات الداخلية، وتغييره للقوائم التشريعية، وهذا كان قد أعقب بتهديدات بانسحاب لقيادات كبيرة داخل الحركة، بحسب مصادر صحفية، وهدّد بانقسامها، مما دفع مجلس شورتها بتزكية الشيخ مورو خصيصاً لانتخابات الرئاسة، نظراً لتوافق الجميع داخل الحركة عليه والتفافهم حوله.

وترى الحركة أن التجارب الانتخابية السابقة، كتلك في عام 2014، عندما امتنعت الحركة عن تقديم مرشحها الخاص وتركت المجال لغيرها، أثبتت فشلها. إذ لم تستجب القواعد الانتخابية للحركة بالامتناع عن التصويت، وتشرذمت الأصوات بشكل كبير، وخسرت بعدها النهضة أصواتاً كثيرة في الانتخابات البلدية.

لماذا تراهن النهضة على مورو للفوز بالرئاسة؟

يقول أسامة الصغير، العضو في البرلمان التونسي عن حركة النهضة لعربي بوست، إن «الحركة تراهن على الشيخ عبدالفتاح بقوة، لأنه الأقدر على الفوز بهذا المنصب، فهو النائب الأول في مجلس الشعب، ونائب رئيس البلاد الآن، بصفته رئيساً لمجلس النواب، ويحظى بقبول كبير لدى التونسيين، كما أن الجميع على اختلاف توجهاتهم يحبونه ويقدرونه، وبات معروفاً للتونسيين من خلال مداخلاته القوية داخل مجلس النواب طوال السنوات الماضية» .

ويضيف الصغير: «ربما يرى البعض خارج تونس أن صورة مورو النمطية هي صورة الداعية ذي العمامة والجبة، لكن لدى الشيخ صورة داخلية مختلفة تماماً، فهو المفكر والمحامي والقاضي السابق، وصاحب الخبرة السياسية والإجماع الكبير لدى العديد من القوى التونسية، وليس حركة النهضة فقط» .

بالإضافة إلى ذلك، يعتقد الصحفي عبدالسلام علي، أن الحركة تراهن على مورو بتوحيد الأصوات وتجميعها، خاصة أن الانتخابات التشريعية ستتبع الرئاسية، والنهضة بحاجة ماسّة الآن لاستعادة الأصوات التي «هربت منها» في الانتخابات السابقة.

ويعتقد علي أن النهضة تهدف أيضاً من ترشيح شخصية منها، للوصول لنظام سياسي قوي في البلاد، ليس كسابقه، إذ عندما تركت الحركة الانتخابات الرئاسية وأخذت التشريعية عام 2014، أصبحت هناك حالة من التشرذم الكبير بين مؤسسات الدولة المختلفة، الرئاسة والحكومة والبرلمان، مما أضعف في النهاية الدولة التونسية، وأدخلها في حالة من عدم الانسجام التام، حسب تعبيره.

تحدٍّ كبير أمام مورو.. ومنافسة شديدة تنتظره

بحسب مراقبين، فإن تحدياً كبيراً ينتظر الشيخ مورو، في ظل منافسة شديدة مع شخصيات أخرى لها حضورها في الشارع التونسي، إذ ينافسه كل من رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وعبدالكريم الزبيدي وزير الدفاع الحالي المُرشح عن حركة «نداء تونس»، ونبيل القروي مالك قناة «نسمة» الخاصة، يتبعهم المنصف المرزوقي الرئيس الأسبق لتونس، وحمادي جبالي رئيس الحكومة السابق المستقيل من حركة النهضة.

وحول إذا ما كانت الحركة تخشى تفتيت الأصوات أمام مرشحين من خلفيات ثورية وإسلامية كالمرزوقي وجبالي، يرى عبدالسلام علي أن كلا المرشحيْن دخل سباق المعركة الانتخابية دون دعم شعبي وظهير حزبي قوي، ولا توجد مقارنة بين أدواتهم وأدوات النهضة، التي تلتزم قواعدها الشعبية بقرار مجلس شورتها.

وبحسب علي، فإن ترشح المرزوقي وجبالي ربما يكون مجرد «إثبات وجود»، وربما لن تكون فرصهما في الفوز قوية، كمورو أو الزبيدي أو القروي، حسب تقديره.

في السياق نفسه، أكد النائب الصغير لعربي بوست، أن «حركة النهضة بحثت طيلة الفترة الماضية عن مرشح توافقي مع القوى الأخرى مراراً، لكن الأمر فشل بسبب تعنُّت الآخرين ورفضهم التنازل عن ترشيح أنفسهم»، مشيراً إلى أن «المشهد السياسي مختلف الآن عن انتخابات عام 2014، وفرصة النهضة في الفوز اليوم أقوى من السابق» . 

ويعترف الصغير أنَّ هناك حظوظاً وافرة أمام المرشحين الآخرين للرئاسيات، وأن النهضة لا تستطيع التنبؤ بمن سيفوز، لأن المشهد السياسي التونسي كثير التقلب، لكن الحركة تراهن وبقوة على فوز الشيخ مورو، مضيفاً: «في النهاية تونس دولة ديمقراطية، وسيختار شعبها مَن يريده فقط» .

من هو عبدالفتاح مورو؟

النشأة: وُلد في 1 يونيو/حزيران 1948، في تونس، وهو محامٍ وسياسي في التيار الإسلامي التونسي، وأحد القادة التاريخيين لحركة النهضة، درس في المدرسة الصادقية، ثم ذهب إلى كلية الحقوق في جامعة تونس، وتخرَّج في عام 1970، وحصل على شهادة في القانون وأخرى في العلوم الإسلامية. عمل قاضياً حتى عام 1977، ثم أصبح محامياً.

العمل السياسي: بدأ نشاطاته الإسلامية في 1960، في المدارس الثانوية والمساجد. في عام 1968 التقى راشد الغنوشي في تونس العاصمة في مسجد، وأنشأ معه حركة إسلامية في تونس، تنشط بشكل رئيسي في المساجد والجامعات.

ومورو هو واحد من أكثر الدعاة المعروفين في تونس، وهو من الجماعة الإسلامية. في عام 1981 أصبحت حركة التيار الإسلامي (النهضة) معروفة جداً، وكان عبدالفتاح مورو من أبرز قياديّها. ومع ذلك سرعان ما تم استهداف الحركة من أجل القمع، اعتُقل مورو وقضى سنتين في السجن، بعد الهجوم على مركز شرطة باب سويقة في عام 1991، ثم اعتُقل مرةً ثانية.

تعرَّض سنة 1992 إلى حملة تشويه شخصية من قبل نظام زين العابدين بن علي. بعد هذا الاعتقال الجديد لمورو أعلن تعليق عضويته في النهضة. مورو أوقف كل نشاطه السياسي في تونس، لكنَّه واصل ممارسة مهنته كمحامٍ. وفي 30 يناير/كانون الثاني 2011، بعد عودة راشد الغنوشي من المنفى، قال مورو إنه سوف يشارك مرة أخرى في النشاط السياسي.

العودة للحياة السياسية: وشارك مورو في انتخابات المجلس التأسيسي في قائمة مستقلة، وذلك مع مجموعة من المستقلين، تحت اسم التحالف الديمقراطي المستقل، لكنه لم يفُز، بعد الانتخابات تم ترشيحه لمنصب مستشار في حكومة حمادي الجبالي، لكن لم يتم تعيينه. عاد إلى حركة النهضة بعد مؤتمرها في سنة 2012، وتم انتخابه في مجلس شورى الحركة نائباً لرئيسها راشد الغنوشي.

تم طباعة هذه الخبر من موقع تعز أونلاين www.taizonline.com - رابط الخبر: http://taizonline.com/news21300.html