2020/02/18
ما علاقة تحركات الانتقالي الأخيرة بالتصعيد الحوثي شرق صنعاء.. وإلى أين تتجه البوصلة؟

مع نهاية شهر يناير/ كانون الثاني، عادت المعارك إلى جبهة نهم شرقي صنعاء، المتوقفة لقرابة أربع سنوات، بعد هجوم صاروخي قوي استهدف قوات الجيش في مأرب، وأودت بحياة أكثر من مائة من الجنود والضباط في معسكر الاستقبال بمأرب- عدد كبير منهم ينتمون إلى قوات الحماية الرئاسية التابعة للشرعية بعدن.
 
الجيش في تعز كان حاضرا– برغم شحة الإمكانيات- وفتح جبهات قتال ضد الحوثيين، مازالت حتى الأن، في محاولة لتخفيف الضغط عن القوات الحكومية في نهم والجوف. في حين، على العكس من ذلك، صعدت مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي (المدعوم من الإمارات) ضد السلطة الشرعية..!!
 
ومع أن أمر كهذا يحدث عادة، وليس بغريب؛ إلا أن الجديد هذه المرة هو حدوثه على الرغم من وجود "اتفاق الرياض" الذي توسطت فيه وسعت له المملكة السعودية، لإنهاء الأزمة بين الشرعية وميليشيات الانتقالي، على خلفية أحداث إنقلاب أغسطس الماضي من الانتقالي ضد الحكومة الشرعية بعدن.  
 

إنكشافات ما بعد "الرياض"



ويهدف "اتفاق الرياض" إلى تسوية الخلافات ورص صفوف الشرعية في مواجهة ميليشيات الحوثي الانقلابية. لكن ما حدث، هو أنه، وخلال فترة المعارك الحوثية الأخيرة في نهم والجوف، عزز ما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" مليشياتيه بالضالع ولحج وأبين بقوات إضافية وعربات وأطقم مدرعة. على عكس ما يقتضيه "اتفاق الرياض" تماما.
 
إعلاميا أيضا؛ وفي التوقيت الذي كان الحوثيون يهاجمون فيه قواتها الجيش الحكومي في نهم والجوف، تم تحشيد وسائل إعلام الانتقالي للنيل من الشرعية. وكان واضحا التناعم الانتقالي-الحوثي في تغطيتهما لما يجري.
 
ويضم مراقبون هذا السلوك إلى مواقف سابقة أخرى كثيرة متقاربة، لتأكيد مدى التخادم الواضح بين ميليشيات الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي، اللّذين انقلبا كلاهما على السلطات الشرعية في البلاد.
 
وبحسب المراقبين، فإن هذا التناغم في مواقف طرفي الإنقلاب على الشرعية، شمالا وجنوبا، والذي بات اليوم أكثر وضوحا من أي وقت مضى، له حيثياته السياسية والعسكرية، خصوصا مع توقيع اتفاق الرياض، الذي لن يصب في خدمة مصالح الطرفين حال تنفيذ بنوده كاملة.
 
 وهو الأمر الذي يجعل من إفشال تنفيذ الاتفاق هدفا مشتركا، منعا لأي استقرار من شأنه أن يؤدي إلى تعزيز حضور قوات الشرعية في مناطق سيطرتها، على رأسها المحافظات الجنوبية، تمهيدا لاستعادة تماسكها في مواجهة قوات المتمردين الحوثيين في الشمال- وفقا لمنطوق أهداف الاتفاق.
 
ويؤكد وزير النقل في الحكومة الشرعية صالح الجبواني أن هناك تعاونا، وتقاطعا في المصالح، بين دولة الإمارات- التي تدعم المجلس الإنتقالي الجنوبي- وبين الانقلابيين الحوثيين؛ مدللا على ذلك بإشارته إلى تسويق تلك الجماعة معاركها في نهم بصنعاء والجوف أيضا، على أنها مع حزب الإصلاح. الأمر الذي يتناغم مع توجهات الإمارات ووكلائها الجنوبيين.  
 
 
تخادم وتواطؤ



على مدى الأيام التي تلت توقيع اتفاق الرياض" في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني، ظل المجلس الأنتقالي الجنوبي يماطل في تنفيذ بنود الاتفاق. وبدلا من ذلك كان يعزز سيطرته أكثر على مفاصل العاصمة المؤقتة (عدن) ومحيطها، إلى محافظة أبين، المقسمة مناصفة بين القوات الحكومية وميليشيات المجلس.
 
لكنه لم ينجح كثيرا في إحراز أي تقدمات، بل على العكس، في شبوة وقعت النخبة الشبوانية التابعة للمجلس في شر أعمالها التخريبية، حيث منحت قوات الحكومة هناك مبررا لفرض كامل سيطرته على ما تبقى من أوكار جانبية. وفي محافظة أبين لجأت إلى تنظيم عمليات اغتيالات فردية للجنود الحكوميين، ما جعل الأخيرين يسعون إلى تأمين مواقعهم بتوسيع محيط السيطرة.
 
حتى جاء الهجوم الصاروخي على معسكر الاستقبال بمأرب، في 18 يناير/ كانون الثاني، الذي أودى بحياة ما يقارب 111 جنديا، بينهم ضباط، من قوات الشرعية، ليعرب قادة في الانتقالي الجنوبي عن شماتتهم بالجيش اليمني. الأمر الذي أظهر نواياهم المبيتة ضد تنفيذ اتفاق الرياض.
 
وعقب الهجوم الحوثي، صعّدَ الانتقالي أكثر من تحركات ميليشياته في المحافظات الجنوبية الواقعة تحت سيطرته، ضد أفراد في الجيش الوطني الحكومي؛ تزامنا مع سيطرة الحوثيين على جبهة نهم، والتقدم صوب محافظتي مأرب والجوف. بل إن ميليشيات المجلس استقوت حتى على القوات السعودية المتواجدة لتنفيذ الاتفاق، فعملت على منعهم من دخول عدن مع أي قوات حكومية. في مخالفة صريحة للإتفاق، دون حياء هذه المرة. حتى وصل بهم الأمر إلى إطلاق تهديدات ضد إتفاق الرياض.
 
وقد فُسرت تحركات الحوثيين تلك، على أنها تأتي في إطار التخادم مع المجلس الانتقالي، الهدف منها- على الأرجح- إرضاخ الجيش اليمني على سحب قواته من شبوة إلى مأرب للتعزيز، وبالتالي فتح الطريق أمام الانتقالي لاستعادة السيطرة على كامل أبين وشبوة.  
 
وبالنظر إلى تلك الأحداث، والعلاقة بين التصعيد في الشمال، الذي يصاحبه تصعيد مماثل في الجنوب، يؤكد الصحفي كمال السلامي أن "حالة التخادم بين التيارات المناوئة للشرعية، تكشفت بشكل أوضح، بحيث لم تعد خافية"، في الوقت الذي يغطيها "تواطؤ التحالف وعدم تحديد موقفه مما يحدث"- كما يقول.
 
ويعتقد السلامي، مواصلا حديثه مع "يمن شباب نت"، أن ثمة من يحرك المياه الراكدة لإرباك المشهد، في محاولة لإعادة رسم الخارطة السياسية والعسكرية؛ بداية من تصعيد الحوثيين شرق صنعاء، وتكثيف إطلاقهم الصواريخ والطائرات المسيرة، في ظل غياب تام لدعم التحالف ومنظومته الدفاعية، ثم استهداف الجيش في مأرب عدة مرات.
 
وأعتبر أن تزامن كل ذلك مع تصعيد الانتقالي من حملات تخوين واتهام للجيش بأنه سلم للحوثي، وأن هدفه هو الجنوب وليس استعادة الشرعية..، وظهور أصوات تطالب بسحب القوات الحكومية من أبين وشبوة وحضرموت وإرسالها لمواجهة الحوثيين..، كل ذلك يكشف لنا أن تحركات الحوثي الأخيرة كانت مقصودة، ومدروسة، في إطار التخادم وتقاطع المصالح المشتركة بين الطرفين: الحوثي والانتقالي الجنوبي.
 
وبناء على ذلك، فإن تقدم الحوثيين في نهم ومأرب والجوف، سيمنحهم فرصة كبيرة، لطالما حلموا بها، للتحكم في أهم المنافذ التي ظلت- طوال الفترة الماضية- تعيق وصول مهرباتهم من الأسلحة والمخدرات والأموال وغيره، إليهم في صنعاء..
 
وبالنسبة للمجلس الإنتقالي- بحسب السلامي- سيمنحه ذلك مبررا لتحركاته في المناطق الجنوبية وغطاء لفرض مشروعه الإنفصالي، بحجة حماية الجنوب من أطماع تلك الجماعة.
 
 
الشرعية هدف مشترك
 


وبالمثل، يرى الصحفي علي الأسمر أن استهداف الشرعية في اليمن "أصبح، على ما يبدو، هدفا مشتركا لكل الأطراف، كونها تمثل العائق الوحيد أمام تحقيق مشاريعهم".
 
وحَمّلَ الأسمر التحالف العربي مسئولية "تقويض الشرعية"، مضيفا لـ"يمن شباب نت": "فبدلًا من دعم التحالف لها، كما هو مفترض وفقا لأهدافه المعلنة، يقوم باستهدافها بشكل مباشر تحت مبررات واهية، ما أدى إلى إضعافها أكثر، ونجح في تحجيم سلطة الحكومة في أغلب المناطق.
 
وتابع: "وبغض النظر عن الأطراف الداعمة للجماعات والتشكيلات المسلحة في اليمن، فإنها تتفق جميعا في الهدف النهائي؛ فبعد نجاح التحالف في تحجيم سيطرة الشرعية إلى محافظة شبوة، تم استكمال الخطة بتنفيذ الحوثيين الهجوم على مأرب".
 

توقعات
 


وبالنظر إلى تلك التحركات المزدوجة والمتزامنة، شمالا وجنوبا، يرى الصحفي الأسمر أن "الوضع يجري تهيئته لتنفيذ مشروع تتفق مختلف الأطراف- على رأسها السعودية والإمارات- على تنفيذه.
 
وهذا المشروع، كما يوضح: يقضي بتقسيم اليمن وإعادته إلى ما قبل الوحدة في 1990، وليس فقط تحييد سيطرة الحوثيين على إقليم آزال (الذي يضم: صنعاء، عمران، ذمار، وصعدة)، متسائلا حول ما إذا كان سيتم إيقاف ذلك؟
 
فيما يتوقع نظيره الصحفي السلامي "حدوث تحولات قد نشهدها، على صعيد الأزمة كاملة، مع تجاوز السعودية للشرعية، وبدئها في رسم خارطة الحل مع الحوثي بشكل مباشر". فما يحدث كما يقول: "لا يجب عزله عن التفاهمات واللقاءات (الأخيرة) بين الجانبين".
 
وكانت الحكومة اليمنية أعتبرت، مرارا وتكرارا، أن "أتفاق استوكهولم"، الذي أبرمه المبعوث الأممي بينها وبين ميليشيا الحوثي (ديسمبر 2018)، استغلته الميليشيات لإيقاف تقدم الحكومة في الساحل الغربي، ومحافظة الحديدة، من أجل التحرك بقواتها بحرية كاملة نحو بقية الجبهات.
 
وعليه، شددت الحكومة كثيرا، على أنها لن تنتقل إلى أي حوار دولي آخر، يعد الترتيب له، قبل تنفيذ كافة بنود اتفاق "ستوكهولم".
 
وفي المقابل، مع أن "اتفاق الرياض"، هو الأخر أيضا- كما كان يحذر المراقبون منذ البداية: أوقف تقدم قوات الشرعية التي كانت تستعد للزحف صوب تحرير العاصمة المؤقتة عدن من سيطرة الإنقلابيين الجنوبيين؛ إلا أن الحكومة الشرعية، ما زالت- حتى اليوم- تشدد على ضرورة التزام الانتقالي بتنفيذ ما عليه وفقا للمصفوفة الزمنية المحددة بالإتفاق، وعدم التهرب من تلك الالتزامات.
 
وبالمقارنة، يمكن تفسير هذين الموقفين الحكوميين المتباينيين، في سياق دبلوماسي وسياسي وعسكري واحد، يرجح: أن الحكومة أدركت بالفعل حجم الورطة التي أوقعت فيها اليوم، بفعل تلكما الاتفاقيتين؛
 
إلا أنها لم تعد تثق كثيرا بالمبعوث الأممي، في الوقت الذي ما زالت تولي فيه ثقتها المطلقة بالمملكة السعودية، التي لاشك أنها ستستخدم قوتها للضغط على الطرف الأخر (الإنتقالي) وإرضاخه على تنفيذ بقية بنود "اتفاقية الرياض". ما لم، فلابد أنها (الحكومة اليمنية) ستكسب موقف المملكة إلى جانبها.
 
وهذا هو الأرجح، وربما: الأهم.
 

تم طباعة هذه الخبر من موقع تعز أونلاين www.taizonline.com - رابط الخبر: http://taizonline.com/news26159.html