أعادت الإجراءات الاحترازية الاستباقية للحد من انتشار فيروس كورونا في اليمن، بث الحياة من جديد في أسواق العطارة والتوابل والبهارات العريقة في معظم المدن والمناطق اليمنية، إذ تشهد إقبالا واسعا من قبل المواطنين لتكوين مخزون منها.
ويعتمد اليمنيون بشكل كبير على هذه المواد في أطعمتهم، وتأتي في طليعة الوسائل الدفاعية التي يلجأون إليها، نظراً للاعتقاد الواسع في أوساط المجتمع بأنها تحميهم من الفيروسات التي خبروها كثيراً طوال حياتهم، وكانت هذه المواد سندهم الأول في مواجهة ومكافحة مختلف هذه الأوبئة.
وتقدر بيانات مسح ميزانية الأسرة في اليمن، الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء (حكومي)، إنفاق الأسر على سلع العطارة والتوابل قبل الحرب بنحو 90 مليار ريال سنوياً (الدولار ارتفع من 225 إلى 590 ريالا). وتراجع الإنفاق على هذه السلع في السنوات الأخيرة التي تلت الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من خمسة أعوام بنسبة قدّرها أحد الخبراء في جهاز الإحصاء بحوالي 30%، مع تغير الأوضاع بعد الحرب وانخفاض القوة الشرائية لدى المستهلكين.
ومع ازدهار الحركة في هذه الأسواق خلال الفترة الراهنة، يفترض الخبير في جهاز الإحصاء، والذي رفض ذكر اسمه، إنفاق كل أسرة بنحو خمسة آلاف ريال في الأسبوع الواحد منذ بداية مارس/ آذار الماضي على مختلف أصناف العطارة والتوابل ومنتجاتها والعسل. ومع تقدير عدد الأسر اليمنية وفق آخر بيانات إحصائية رسمية ما يقارب ثمانية ملايين أسرة، يصل مجموع ما أنفقته على هذه السلع خلال شهر واحد إلى نحو 40 مليار ريال.
وتعتبر مواد العطارة والبهارات والتوابل أعمدة رئيسية في الأسواق اليمنية العتيقة والتاريخية في صنعاء وعدن وحضرموت وتعز ومختلف المدن اليمنية، ومن أهم الأركان الأساسية التي شكلت التجارة في البلاد على مر العصور والمساهمة في بروز فئات عديدة من التجار ورجال الأعمال في اليمن.
وحسب بيانات التجارة الخارجية لعام 2015، فقد استوردت اليمن منتجات عطرية وتوابل وبهارات بنحو 10 مليارات ريال، بينما وصل الإنتاج المحلي من بعض هذه المنتجات مثل الثوم إلى ما يقارب 4 آلاف طن، في حين تجاوز إنتاج اليمن من العسل 2500 طن العام الماضي.
هذه الأسواق والمحال التجارية وجدت نفسها بشكل مفاجئ في قلب معركة الإجراءات الوقائية الاحترازية من فيروس كورونا، مع ما تشهده من إقبال لافت من قبل المستهلكين لاقتناء مواد العطارة والتوابل وأصنافها المتعددة. ويأتي الثوم والعسل والكركم والحبة السوداء واللوز وتوابل البهارات في طليعة السلع التي يتم البحث عنها وشراؤها.
وأفاد مواطن خلص لتوه من شراء بعض السلع من أحد محلات العطارة، بأنه قام بشراء الثوم وبعض البهارات التي سمع في الإعلام أنها مفيدة لتقوية المناعة ضد الفيروسات، وأن هناك مواطنين من عدة دول تفشى فيها فيروس كورونا لجأوا لها، إضافة كما يؤكد، إلى سبب آخر مهم يلعب دورا كبيرا في توجهاتهم يتمثل في الوضع المعيشي الذي لا يسمح لكثير منهم بتلبية احتياجاتهم من الأدوية والسلع الغذائية.
في السياق، عدّد محمود النابهي، تاجر عطارة في العاصمة صنعاء، مجموعة من الأصناف التي يأتي الناس للبحث عنها على رأسها صنف محدد من الثوم والتي تشتهر اليمن بزراعته، إلى جانب سلع أخرى مثل السمسم وخل التفاح والقرفة.
وتلعب وسائل الإعلام دورا كبيرا حسب حديث النابهي لـ "العربي الجديد"، في تحديد احتياجات الناس لهذه الأصناف من السلع الغذائية.
في سوق الملح الشهير في صنعاء، تنتشر المحال التجارية الخاصة بالعطارة والتوابل. والباعة الجائلون يفترشون أرصفة السوق لبيع بعض السلع منها بأسعار أقل مما تبيعه هذه المحال، فيما يلاحَظ تجار من محافظات أخرى يعقدون صفقات تجارية مع تجار الجملة لشراء بعض هذه السلع لتغطية شح المعروض من مواد وسلع العطارة في المحافظات التي قدموا منها مثل التاجر محسن الهداش من محافظة صعدة (شمال).
وحسب الهداش لـ"العربي الجديد"، فإن هناك إقبالا من قبل الناس في صعدة على هذه الأصناف من السلع في إطار خططهم الوقائية الاحترازية من فيروس كورونا، الأمر الذي دفعهم كتجار لتلبية احتياجات الأسواق في صعدة من بعض أصناف سلع العطارة والتوابل والبهارات ومنتجات العسل وغيرها وتوفير كميات كافية منها.
وفي حضرموت (شرقاً) أفاد البائع رأفت عبادي، بارتفاع الطلب بشكل لافت على أصناف وسلع العطارة وغيرها، مثل الثوم و"الكركم" واليانسون وتوابل أخرى والعسل. وقال عبادي لـ "العربي الجديد": دبت حركة تجارية ترتفع تدريجياً في أسواق مدينة المكلا وسط تخوف كبير من المواطنين بسبب فيروس كورونا رغم عدم انتشاره في اليمن.
وعاش اليمنيون تجارب مريرة مع الأوبئة والفيروسات، خصوصاً في السنوات الخمس الأخيرة، التي شهدت فيها البلاد حربا طاحنة كلفتهم كثيراً في الإنفاق على الغذاء والأدوية والبحث عن مختلف السلع التي يعتبرونها وقائية، الأمر الذي جعل مواد العطارة والتوابل تجارة مزدهرة في اليمن في ظل أوضاع معيشية صعبة وسوء تغذية تعاني منها نسبة كبيرة من المواطنين.