2018/08/09
فورين بوليسي: هكذا يعيش 500 لاجئ يمني في كوريا الجنوبية

تحالف النسويات والشباب والمصابون بالإسلاموفوبيا ضد اليمنيين اليائسين.

بهذه الجملة يفتتح تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي»، للكاتب إس. ناثان بارك، مستعرضًا معاناة اللاجئين اليمنيين في كوريا الجنوبية منذ عدة أسابيع، فمنذ بداية العام كانت جزيرة «جيجو» الكورية الجنوبية وجهة لعدد قليل من اليمنيين الفارّين من نيران الحرب التي أتت على الأخضر واليابس في بلادهم.

وقد اعتبرت جزيرة «جيجو» وجهة مناسبة كونها تابعة لبلدٍ قام بالتوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين، علاوةً على سياستها التي تسمح للزوار من مختلف البلدان بالدخول إليها والمكوث فيها بدون تأشيرة لتعزيز السياحة.

وبحسب التقرير فقد كان من المفترض أن يكون اللاجئون اليمنيون الذين دخلوا كوريا الجنوبية في وقتٍ مبكرٍ من هذا العام غير شرعيين، حيث توجه فقط 561 من اليمنيين الفارين من الحرب المشتعلة في بلادهم بقيادة السعودية إلى مقاطعة جيجو الكورية، تقدم 552 منهم بطلبٍ للحصول على اللجوء، وهو عدد زهيد إذا ما قورن بألمانيا على سبيل المثال، التي تلقت وحدها ما يقرب من 89 ألف طالب لجوء لعام 2015.

 

كان اللاجئون اليمنيون محاصرين في جزيرة جيجو في وضع بالكاد يمكنهم من التفاعل مع سكان كوريا الجنوبية بشكلٍ عام، ناهيك عن منافستهم على وظائف أو تشكيل أي شكلٍ من أشكال التهديد بالنسبة لهم، ومع ذلك فقد كان رد فعل الشعب الكوري الجنوبي هستيريًا بإزاء هذه الحفنة من اللاجئين، فتقدموا إلى «مون جي إن»، الرئيس الليبرالي، بعريضة يطالبون فيها الحكومة بعدم قبول اللاجئين، والتي حظيت بـ700 ألف توقيع، وهو أعلى رقم تبلغه التوقيعات منذ أن فعل البيت الأزرق نظام تقديم العرائض الخاص به عبر الإنترنت في أغسطس (آب) عام 2017.

حكومة «مون» في موقفٍ حرجٍ بسبب الأزمة

ويتطرق التقرير إلى المشاكل التي تواجه الحكومة الليبرالية والتي تُبرِزها الاستجابة لهذه المطالبات، كونها تتماشى مع الإرث المُسمّمِ للمحافظين ومع مطالب الجمهور الذي بات شديد الحساسية للعِرق.

وقد جاءت استجابة إدارة «مون» لتلك المطالب سريعة، فعلى الرغم من أن جزيرة «جيجو» الاستوائية هي مقاطعة تسمح بدخول الزوار من معظم بلدان العالم دون تأشيرة لتعزيز السياحة، إلا أن الحكومة أضافت اليمن في الأول من يونيو (حزيران) الماضي إلى قائمة صغيرة من الدول المُستثناة من هذه السياسة، وتشمل تلك القائمة: (أفغانستان والعراق وكوسوفو)، مما يمنع بشكل فعال مزيدًا من اللاجئين اليمنيين من الوصول إلى البلاد والتقدم بطلب للجوء فيها، كما حظرت الحكومة على ملتمسي اللجوء مغادرة جزيرة جيجو والدخول إلى أراضي شبه الجزيرة الكورية.

و يذكر التقرير أن استجابة البيت الأزرق للعريضة المقدمة عبر وزير العدل «بارك سانج كي»، والسكرتير الإعلامي الجديد للبيت الأزرق «تشونج هاي» في الأول من أغسطس الجاري جاءت مؤكدة من جديد على الالتزامات الدولية لكوريا الجنوبية تجاه اللاجئين، فقد ذكر تشونج هاي المشاهدين عبر كلمته بأن الحكومة الدستورية المؤقتة لجمهورية كوريا الجنوبية، والسالفة للحكومة الحالية، كانت حكومة في المنفى أنشأها اللاجئون الكوريون الفارون من الحكم الياباني الاستعماري في شنجهاي.

 ومن جانبه فقد أكد «بارك سانج كي» دخول اللاجئين اليمنيين بشكل قانوني إلى كوريا الجنوبية، كما ذكر أنه بخلاف المطالب المتطرفة للعريضة، ليس لدى كوريا الجنوبية أي نية للانسحاب من الاتفاقية المتعلقة بأوضاع اللاجئين، كما لن تقوم بإبطال سياسة التأشيرة في جزيرة «جيجو»، واقترح كذلك إنشاء محكمة خاصة للاجئين، مزودة بخبراء في المنطقة واللغة وفقًا لتوصيات الأمم المتحدة.

لكن استجابة «بارك» لم تخلُ أيضًا من تنازلاتٍ أمام الهستيريا المعادية للأجانب كما وصف التقرير، فقال بأنه ستكون هناك جهود لاجتثاث «اللاجئين المزيفين»، منها -على سبيل المثال- أن تجرى عليهم اختبارات المخدرات، وأن يتم فحصهم على سجلٍ جنائي، وهو ما يعكس الصورتين المألوفتين للأجانب في كوريا الجنوبية. وقد أعلن أيضًا عن عقوباتٍ إضافية على «وسطاء اللاجئين الذين يروجون للمخالفات» كما وصفهم، كما ضاعفت وزارة العدل عدد الدول المستبعدة من سياسة الدخول إلى جزيرة «جيجو» بدون تأشيرة، مضيفة 12 دولة للقائمة منها «مصر وباكستان والصومال»، وكما شدد بارك على أن للاجئين حقوقًا قانونية، فقد شدد أيضًا على إمكانية ترحيل اللاجئين الذين «يخالفون النظام الاجتماعي».

من السهل أن تصاب بخيبة الأمل إزاء هذا الرد القادم من إدارة ليبرالية -بحسب الكاتب- التي كانت وليدة احتجاجات بطولية دامت شهورًا، وأسفرت عن عزل ومحاكمة الرئيسة «المتسلطة الفاسدة» «بارك جن هي»، ومع ذلك تكشف الاستطلاعات عن السبب المريب وراء دعم حكومة «مون» ولو جزئيًا للعاطفة المناهضة للاجئين، فالمسألة قد تمثل أكبر تهديد لاستقرار الإدارة حتى الآن، إذ تضرب في أساس دعمها المتمثل في الشباب والنساء والطبقة المتوسطة.

النسويات والشباب والإسلاموفوبيا يد واحدة في وجه اللاجئين

ويستعرض التقرير نتائج استطلاعٍ حديث أجرته «هانكوك للأبحاث» حيث عارض 56% من المشاركين في الاستطلاع قبول اللاجئين اليمنيين، في مقابل 24% فقط دعموا وجودهم، وكان اعتراض النساء أقوى من الرجال بنسبة (61% للنساء مقابل 51% للرجال)، كما كان اعتراض المشاركين أشد كلما كانوا أصغر سنًا، فقد وصلت نسبة الاعتراض بين الشباب في العشرينات إلى 70%، وفي الثلاثينات وصلت إلى 66%، فكانوا الأشد اعتراضًا بين جميع الفئات العمرية، كما وصل اعتراض الأسر متوسطة الدخل على قبول اللاجئين إلى 62%.

ويصف التقرير هذه النتيجة بأنها مفاجئة، مُدللًا بأنه عادة ما يتبادر إلى الذهن كون النساء والشباب والموسِرين مجموعات مرتبطة بشكلٍ عامٍ بمزيد من الكرم تجاه المهاجرين واللاجئين، لكن على الأرض يحدث زواجٌ شائهٌ بين القيم التقدمية والإسلاموفوبيا. قد يتصور المرء على سبيل المثال، أن النسويات في كوريا الجنوبية، اللاتي نشطن حديثًا في حملة «أنا أيضًا – Me Too»، سيعربن عن تضامنهن مع اللاجئين الضعفاء، لكن وعلى النقيض من ذلك تعزز العديد منهن الأساطير بأن اللاجئين المسلمين هم مغتصبون محتملون، مستمدات تلك الأساطير من مزيج من الأخبار الحقيقة والمزيفة الآتية من أوروبا.

في أواخر يوليو (تموز) وبدايات أغسطس، كان أحد الهاشتاجات الشائعة على تويتر باللغة الكورية ما ترجمته: «نساءٌ مفقوداتٌ في جيجو – دو»، ويشير الهاشتاج إلى ست نساء عُثر على جثثهن في جزيرة جيجو في الشهرين الماضيين ملقيًا اللوم على اللاجئين، تقول إحدى التغريدات التي أُعيد نشرها أكثر من 5 آلاف مرة: «بصفتي مقيمًا في جيجو، أشعر بالتوتر الشديد، لقد تركوا بالمكتبة المجاورة لمدرستي ملاحظة كُتب عليها أنهم «سيقتلون النساء»، لا أرى حولي سوى اللاجئين أو الصينيين، لم يمر سوى شهران، ولدينا ست نساء عُثر عليهن متوفيات»، وبالإضافة لهاشتاج «نساء مفقودات»، فقد احتوت التغريدة أيضًا على هشتاج: «حقوق السلامة الآمنة لنساء جيجو».

لا شك أنه عندما يتم التقسيم حسب الميول السياسية، سيكون نصيب من يقدمون أنفسهم باعتبارهم تقدميي كوريا الجنوبية من رفض اللاجئين أقل (49%)، إذا ما قورنوا بمن يعتبرون أنفسهم وسطيين أو محافظين (60% و61% على التوالي)، ولكن بالنسبة للإدارة التي تبحث عن دعم كبير لسنِّ سياساتٍ اقتصادية محلية واسعة النطاق، في الوقت الذي تسعى فيه لتحقيق السلام مع كوريا الشمالية، فإن فقدانها شعبيتها عبر قاعدتها يعد مصدرًا كبيرًا للقلق.

ويلفت التقرير إلى أن هيستيريا الشعب الكوري الجنوبي تجاه اللاجئين، يُغذيها المناخ العام من العنصرية وكراهية الأجانب دون شك، إلا أن هذا بمفرده لا يفسر هذه النتيجة التي يعتبر فيها أعضاء المجموعات السكانية الأرقى تعليمًا في كوريا الجنوبية هم أكثر المتحمسين لرفض اللاجئين اليمنيين.

ليس جديدًا.. سياسات متعمدة لإذكاء العنصرية وكراهية الأجانب

وفي محاولة للفهم يشير التقرير إلى أن صعود سياسات الكراهية في كوريا الجنوبية في العقد الماضي يبرز هذا التناقض الجليّ، فكما أتيح الإنترنت عالي السرعة في كوريا الجنوبية في وقت مبكرٍ بالنسبة لأي بلدٍ آخر، فقد عانت كذلك من جانبه المظلم قبل أي مكانٍ آخر، شمل ذلك مجموعة من الشباب الذين تبادلوا ميمات (صور أو رسوم كاريكاتورية) جنسية وعنصرية من أجل إيذاء وإيلام الآخرين، فيما يمكن اعتباره «اليمين البديل» الأول في العالم، الذي شارك أعضاؤه في سياسات محافظة من أجل العدمية والكراهية، ولأن هؤلاء الشباب والأثرياء يقضون معظم أوقاتهم على الإنترنت، فمن الطبيعي أن يكونوا الأكثر عرضة لالتقاط التأثير الفتاك لعنصرية وسائل التواصل الاجتماعي.

قدمت الحكومات المحافظة السابقة المتمثلة في إدارتي «لي ميونغ باك» و«بارك جن هي» المتعاقبتين خلال الفترة ما بين عامي 2008 و2017، الدعم المادي لهؤلاء الشباب المتسكعين عبر الإنترنت محولة إياهم إلى قوة سياسية، ففي عهد «لي» على سبيل المثال استعانت وكالة الاستخبارات بعلماء النفس لإنتاج أكثر الصور تدميرًا وإذلالًا للنشطاء والسياسيين الليبراليين، وكانت وكالة التجسس تدير قسمًا من الوكلاء الذين تم تكريسهم ليكونوا متصيدين محترفين عبر الإنترنت، فأوكلت إليهم نشر إشاعات وترويج ميمات مهينة لمشاهير الليبراليين، كما مولت الحكومة الإعلام اليميني المتطرف، عبر إجبارها للشركات على شراء إعلانات فيه، ودفعت حكومة «بارك» بمجموعات مدنية محافظة لتنظيم احتجاجات ضخمة أو تقديم عرائض مع مشاركين ممولين.

يمثل اللاجئون اليمنيون علفًا جديدًا مثاليًا لإذكاء سياسات الكراهية هذه كما يصف التقرير، فبالنسبة لحزب «كوريا الحرية» المحافظ، الذي دُفع إلى الهاوية بعد الهزيمة الساحقة التي مُنيَ بها في الانتخابات المحلية الأخيرة، فإن مواصلة تكتيكات رؤسائه القدامى في تشويه صور اللاجئين تقدم مسارًا نحو البقاء السياسي، قد لا يكون الحزب هو المسؤول عن خلق كراهية الأجانب لدى الكوريين الجنوبيين، لكنه بالتأكيد يؤججها من أجل مكاسبه السياسية.

 

فلم تكن الندوة الأخيرة التي استضافها عضو البرلمان الوطني «كيم جين تي» المنتمي لحزب «كوريا الجرية»، إلا استعراضًا للتعصب الأعمى، فمثلًا تساءل البروفيسور «شين مان سيوب» من جامعة «سيوكيونج»: «إذا كانت البلدان الأوروبية هي من أنشأت جموع اللاجئين، فعليها أن تحل المشكلة بنفسها، لماذا على كوريا الجنوبية أن تتعامل مع هذه القضية؟»، كما ادعى «ريو بيونغ – جيون» ، رئيس منظمة التحالف الوطني من أجل محبة ثقافتنا المناهضة للهجرة، زورًا: «لقد خلفت الحرب الكورية عددًا كبيرًا من اللاجئين، لكن جميع اللاجئين بقوا في شبه الجزيرة الكورية»، ومن جانبه فقد ألقى سو، وهو خبير في الثقافة الإسلامية، باللوم على الدين في الترويج للعنف والإرهاب.

لسوء الحظ مهما كانت هذه الادعاءات زائفة ومتحاملة، فإنها تكتسب زخمًا كبيرًا كما ذكر التقرير، فقد هبطت بدعم «مون» إلى أدنى مستوى له منذ توليه منصبه، بنسبة 62% وهي نسبة ممتازة بشكل موضوعي، إلا أنها تمثل تراجعًا كبيرًا عن الدعم الذي وصل إلى 79% والذي حظي به منذ توليه وحتى الأسبوع الثاني من يونيو حيث انبثقت أزمة اللاجئين.

 إنه تحول ملحوظ في الأحداث مع الأخذ بعين الاعتبار كل ما مرت به إدارة «مون» العام الماضي: بدءًا بالسير على حبل مشدود بين الزعيم الكوري الشمالي «كيم جونغ أون» والرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، ثم وضع اثنين من الرؤساء السابقين في السجن بتهمة الفساد، ورفع الحد الأدنى للأجور بشكلٍ كبير، وتنفيذ إصلاحات واسعة النطاق لجيش خارج عن السيطرة بشكل خطير ، كل ذلك دون التأثير على شعبية «مون» لدى الجمهور الكوري الجنوبي.

قد يأمل المرء أن تستجيب إدارة «مون» بقوة أكبر للدفاع عن حفنة من اللاجئين اليائسين ضد العنصرية. ولكن عندما تصبح القضية أكثر تفجرًا من الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، فقد يكون من المتوقع أن تبدي الإدارة قدرًا أكبر من الشجاعة السياسية كما جاء في ختام التقرير.

تم طباعة هذه الخبر من موقع تعز أونلاين www.taizonline.com - رابط الخبر: http://taizonline.com/news8126.html