الاقتصاد من يوجه القرار السياسي.. الإمارات نموذجاً

بالرغم من الانجازات التي حققها الاقتصاد الإماراتي في النمو والتطور خلال السنوات الماضية والطفرات العمرانية التي تمت لكن ظل دم "البسوس" يجري في عروق متخذ القرار. 


في تسعينيات القرن الماضي كانت دولة الإمارات العربية المتحدة منهمكة في التخطيط والبناء والتشييد واستقطاب الخبراء والمبدعين من شتى أنحاء العالم ليساعدوا في رسم مدينة صارت اليوم من أشهر المدن العالمية إنها "دبي" المدينة الصغيرة في مساحتها والكبيرة في انجازاتها.


وصل الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات (393 مليار دولار) في العام 2018م الثاني عربياً والتاسع والعشرون على مستوى العالم، وشكلت القطاعات الغير نفطية 44.5% كقطاع الصناعات التحويلية والعقارات والسياحة والخدمات حيث استفادت من تجارب دول العالم في بناء اقتصاد حديث يقوم على المعرفة ويتماشى مع التطور التكنولوجيي والتقني متعدد الموارد والمصادر وهذا النوع من الاقتصاديات هو السائد في كثير من الدول الأوربية ودول شرق آسيا حيث يحقق معدلات نمو إيجابية في مختلف القطاعات الاقتصادية في ظل استقرار سياسي وأمني ومناخ استثماري جاذب لرؤوس الأموال والشركات عابرات القارات.


فقد حققت الإمارات انجازات كبيرة في بداية الأمر جذبت إليها أنظار العالم فشيدت أعلى برج في العالم، وبنت مطار من أفضل وأوسع المطارات العالمية كمطار دبي الذي يعتبر المطار الأول عالمياً من حيث حركة المسافرين، حيث بلغ عدد المسافرين عبر مطار دبي في العام 2018م أكثر من 81.4 مليون مسافر وتحتل ميناء الفجيرة المرتبة الرابعة عالمياً كمينا تزود للسفن التجارية، وتعتبر دبي وجهه سياحية عالمية حيث يساهم القطاع السياحي بنسبة 10.4% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي.


لكن هناك عاملين مهمين لاستمرار وديمومة هذا النوع من الاقتصاديات العامل الأول: هو عدم التدخل في صراعات خارج الحدود القومية والنأي بالنفس عن تبني أي أفكار أيدلوجيه، ويتمثل هذا العامل في دول شرق آسيا وهي تحقق النجاح الاقتصادي نأت بنفسها عن الصراعات وتصالحت مع نفسها ومع محيطها وإقليمها، كسنغافوره وماليزيا واليابان وكوريا الجنوبية التي تجنبت الدخول في صراعات خارج حدودها القومية- صحيح أبقت أمريكا وبريطانيا بؤرة صراع مفتوحة متمثلة بكوريا الشمالية لكن تعاملت جميع تلك البلدان مع هذا الملف بكل هدوء، ومؤخراً عندما وصلت التهديدات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية ذروتها بادر الرئيس الكوري الجنوبي لعقد قمه مع نظيره الكوري الشمالي في ابريل من العام الماضي بعد أن أدرك أن عبور صاروخ واحد في سماء كوريا الجنوبية فقط في حال نشوب الحرب كفيل بإعادة الاقتصاد الكوري جنوبي عشرات السنين إلى الوراء لما سيحدثه من هلع وخوف لدى رأس المال الأجنبي وإجباره بالتفكير ملياً بالرحيل والبحث عن مناطق ودول اكثر استقراراً. 


في العام 2011 وما تلاه ألّبت الإمارات حولها زعماء العصابات وموتوري الأفكار من دول الجوار والاقليم لغرض الهدم وإثارة الصراع والتدخلات في الشؤون الداخلية لدول الأقليم والمنطقة بعكس مافعلته في تسعينات القرن الماضي، ومن هنا بدأت مؤشرات الأفول والتواري، ثم تلى ذلك انتهاك نظامها المالي لخصوصيات مستثمرين سعوديين في العام 2015 بطلب من محمد بن سلمان- قبل توجيه أية اتهامات لهم حينها فكان هذا المؤشر الأخطر للشركات الأجنبية على بداية تراجع المناخ الاستثماري الحر.


أما العامل الثاني للاستمرارية فهو امتلاك قوة ردع عسكرية تحمي تلك الاقتصاديات، وتدعم الثقة في الاستقرار السياسي والأمني الذي يبحث عنه رأس المال كما هو الحال في الدول الأوربية وأمريكا وبريطانيا وغيرها من الدول التي تمتلك قوة ردع قادرة على مجابهة التهديدات وتثبيت الأمن بالإضافة إلى الاستقرار السياسي الداخلي وتوفر البنية التحتية المناسبة.


لم تطلق إيران التي يربطها تبادل تجاري كبير مع الإمارات والدولة المتسلحة بالترسانة العسكرية الروسية والمعتمدة في اقتصادها على الثروات الطبيعية صاروخاً بالستياً واحداً بل اكتفت بإرسال طائرة مسيرة وقاربان يتجولان في مضيق هرمز قبل اسابيع وهو ما أدخل المنطقة في دائرة المخاطر العالية بالنسبة لرؤوس الأموال، ففي نهاية العام 2015م صرح مايكل رودولف رئيس قسم نظم وسلامة الطيران في هيئة الطيران المدني بدبي، إن اقتصاد دبي يخسر نحو مليون دولار في كل دقيقة يغلق فيها المطار، وذلك بعد إغلاق المجال الجوي لمطار دبي لنحو ساعة "بسبب نشاط غير مصرح به لطائرة بدون طيار". ولهذا بادرت الامارات بإرسال وفد عسكري للتفاوض مع إيران، وسبق ذلك خطوة الانسحاب الشكلي لبعض تشكيلاتها العسكرية من اليمن"والظاهر أن هذا الانسحاب كان شرطاً ايرانياً قبل التفاوض".


دخول الإمارات العربية في صراعات ومهاترات أقليمية بخصوص موانئ دول القرن الأفريقي والصراعات والمهاترات في مصر واليمن وليبيا في الوقت الذي لا تمتلك فيه قوة ردع ذاتية قادرة على حماية حدودها، ومياهها الإقليمية سينعكس بشكل كبير على تراجع أداءها الاقتصادي وما حققته من انجازات طيلة الفترة الماضية، وسيقودها جنون العظمة إلى المجهول، ولن يتوقف هذا التراجع قبل أن تعود طائرتها المقاتلة في سماء ليبيا، وتسحب قواتها ومليشياتها من اليمن، وتستثمر أموالها في مصر مع الشعب لا مع السيسي، وتعيد النظر في التصالح مع اقليمها وجيرانها.
 

نسعد بمشاركتك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص