اليمني.. طائرة ورقية في مهب الريح!

مع كل حدث إقليمي ودولي، صغير أو كبير، يحضر اليمني بفعالية منقطعة النظير، ربما تفوق حضوره فيما يتعلق بشؤون بلده، يمكن ملاحظة هذا الأمر بالنظر إلى الطريقة التي يعبر بها اليمنيون عن مشاعرهم، حبا أو كرها، تجاه كل واقعة لها ارتباط ببلدان غيرهم، وهو تعبير يتسم في غالبه بالعاطفة الآنية، التي لا تفرق بين ما هو لصالح وطنهم أم ضده، ما يشير إلى مشكلة تكاد تشكل ظاهرة يمنية، لها علاقة بفقدان الإحساس "بالهوية الوطنية".

ولَهُ اليمني بتفاصيل الأجنبي، في جزء منه له صلة بجذوره الحضارية فيما قبل الميلاد وما بعد الإسلام، حيث شكلّ اليمن منبع الحضارات القديمة وجسر فتوحات الاسلام وحضاراته، وهذا الجذر الحضاري خلق من اليمني كائن مدني، قادر على التكيف بسهولة مع نظام وثقافة أي بلد يهاجر إليها أو يقيم فيها، لكن ذلك الولَه في جزء آخر منه له علاقة بالعقدة المزمنة التي ورثها اليمني عن أجداده، والتي جعلت منه كائن غريب في بلده ومنفي في مدن العالم.

 هذه العقدة مرتبطة بفشل اليمني في تأسيس دولة موحدة طويلة الأمد، رغم قدرته على بناء حضارات مختلفة داخل وخارج موطنه، وهذا التناقض؛ بين القدرة على بناء الحضارة والفشل في تأسيس الدولة، أورث في نفسية اليمني الشعور بالغربة في وطنه، والرغبة الدائمة في الترحال، وقد أشار القرآن إلى هذه الغربة بدعاء اليمني (ربنا باعد بيننا وبين أسفارنا)، رغم كونه يعيش في موطن كله ازدهار ورخاء، وقد قدم البردوني خلاصة مكثفة: يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمن.

 هذه الغربة اليمنية، أضحت تعرف تاريخيا بالعقدة اليزنية، نسبة إلى ذي يزن، الذي طلب من الفرس ذات زمن ضعف، التدخل لإنقاذ اليمن من ظلم الأحباش، وقد ظل اليمني على مرّ تاريخه، يحمل هذه العقدة ليس فقط على مستوى استبدال مستعمر بآخر، بل حتى على مستوى الإهتمام المبالغ فيه، أثناء تعاملاته مع غيره، أو حديثه عن ثقافته، لدرجة نسيان جذوره التاريخية العابرة للقارات.

هذه المقدمة مهمة لفهم حالة اليمني المعاصر، والإجابة على سؤال لماذا تستوطنه عقلية الاستلاب؟ خصوصًا عندما يحاول إقامة علاقات سياسية أو اقتصادية وحتى ثقافية، مع الدول التي تربطه بها الجغرافيا أو التاريخ أو المصالح، يستوي في ذلك الوزير المسؤول أو النخبوي المثقف، أو المواطن العادي، حيث يقدم البعض ذاته اليمنية للآخر، سياسيا واقتصاديا وثقافيا، إما كتابع، أو كفضولي يحشر نفسه في كل شؤون الآخرين سلبا وإيجابا، دون تفريق بين الخاص والعام، ودون فهم للفوارق الثقافية والإجتماعية بين اليمن وغيرها من البلدان والمجتمعات.

  تبرز هذه الظاهرة بكثافة، في وسط النخب الحزبية والثقافية والسياسية، خصوصا تلك التي تعيش خارج اليمن، في بلدان عربية وإقليمية وعالمية، حيث يحاول بعضها (الدفاع عن/ أو الوقوف ضد) ثقافة أو تاريخ أو سياسات البلدان التي يعيشون فيها أو يميلون لها عاطفيا أو سياسيا، بشكل عاطفي مبتذل، ومبني على النكايات السياسية، والأحقاد الأيدلوجية.

 يمكن التأمل في اللغة التي يستخدمها بعض اليمنيين في الفيسبوك وتويتر، عند وفاة زعيم أو صعود زعيم جديد، أو حدوث مواقف سياسية في هذا البلد أو ذاك، ستجدها لغة ممتلئة بالعجز والارتهان والتملق والابتذال، يستوي في ذلك الساكن في السعودية والإمارات والبحرين، أو المقيم في تركيا وسلطنة عمان وقطر، أو اللاجئ في الدول الأوروبية، مهما اختلفت ولاءاتهم السياسية فما يجمعهم ببعض، هو طريقة التفكير التي تعامل بلدهم، كيتيمة تستحق الشفقة، وبليدة تستحق الشتيمة، لدرجة أن بعضهم يحاول أن يلبس ثوب ولهجة غيره، بحسب بلد غربته أو ولائه السياسي، يحاول التملص من يمنيته ونكران تاريخه، فتجده سعوديا في الرياض وقطريا في الدوحة وإيرانيا في طهران وتركيا في أنقرة، مع أنه لا أحد من مواطني تلك البلدان يمكن أن يتولّه ببلد غير بلده.

ليس مطلوبا منك، كيمني، داخل بلدك أو خارجها، أن تعادي بلدان الآخرين بالحق والباطل، ولا أن تسكت عن ما تراه انتهاكا ضدك أو ضد بلدك، ما هو مطلوب منك أن يكون لديك عزة، إحساس بتاريخك الموغل في قدم الزمن، عندما تمثّل بلدك أو تتحدث عنها أو باسمها، عندما تقيم علاقة ما مع دولة ما، أو حتى تطلب تدخلها لإنقاذ بلدك، عليك أن تتخلص من عقدة النقص التي تستوطن كيانك.
 يمكنك أن تجامل، أن تتسيّس، أن تتحدث بدبلوماسية، أن تقدم التنازلات المعقولة، أن تكون مرنا، لتلقي الكثير من الاحترام لك ولموطنك، هناك طرق كثيرة تحفظ فيها كرامتك، لكي تحصل على ما ترغب لك أو لبلدك، ليس منها تشويه حاضرك ولا نسف تاريخك..
 إختر كلماتك بعناية، لغتك هي ما تعبر عنك، كن يمنيا أينما كنت وكفى، لا أكثر من ذلك ولا أقل.

نسعد بمشاركتك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص