السعودية في اليمن .. حصاد الفوضى

حولت السعودية والإمارات اليمن بعد 5 سنوات من الحرب لكانتونات يحكمها أمراء الحرب وسماسرتهم. 

حافظت السعودية طوال تدخلها العسكري على توازن الضعف الذي أصبح السمة الرئيسية للصراع. 

أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات سلطة أمر واقع في بعض المدن الجنوبية.

أصبح البقاء على مسافة واحدة من جميع المتنافسين على السلطة عبئاً على السعودية.

*     *     *

قد تخضع الحروب لتحولاتٍ حادّةٍ تؤثر في مساراتها، لكنها تحتفظ على الأقل بالحد الأدنى من صورتها الأصلية. إلا أن التحوّلات التي خضعت لها الحرب في اليمن أنتجت وضعاً معقداً فرض نفسه في النهاية على طبيعة الصراع. 

فبالإضافة إلى تعقيد ظروف الحرب نفسها، واستطالة أمدها، فإن الإرادة السياسية لتحالف السعودية - الإمارات في اليمن أولاً، ولمنافسيهما من دول الأزمة الخليجية، ثانياً، كان لهما الدور الحاسم في حرف مسار الصراع في اليمن. 

إذ غذّى تنافس القوى المحلية اليمنية، بحيث لم تجد بعض هذه القوى بدّاً من الانخراط في تحالفات عابرة لمعسكرات الحرب، وذلك دفاعاً عن نفسها، وللحفاظ على مصالحها ومصالح وكلائها الإقليميين.

أنشأ تشعب الصراع في اليمن ضرورة عسكرية وسياسية للتحالف السعودي - الإماراتي، إذ بات خياراً وحيداً يمكّنه من تحقيق نتائج عديدة، من دون أن يخسر مصالحه في اليمن. 

فقد اتخذت السعودية، بوصفها قائدة للتحالف، من "تفريع الصراع" استراتيجية بديلة إلى إدارة الحرب في اليمن، وذلك للتغطية على فشلها الذريع في حسم الحرب عسكرياً، وكذلك للإبقاء على حالة الصراع مبرّراً لاستمرار تدخلها العسكري في اليمن، بما في ذلك السيطرة على شبكة حلفائها المحليين، وتقييدهم بموجب أجندتها في اليمن. 

فمن جهةٍ، حافظت السعودية طوال تدخلها العسكري في اليمن على توازن الضعف الذي أصبح السمة الرئيسية للصراع، وكانت له نتائج حاسمة في استمرار الحرب. 

ومن جهة أخرى، زجّت، بمعية شريكها الإماراتي، حلفاءها المحليين في صراعاتٍ بينية، وذلك لاستنزافهم معاً في ماراثون السباق على السلطة. 

وقد نجحت الاستراتيجية السعودية - الإماراتية في استنزاف السلطة الشرعية، بحيث أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، سلطة أمر واقع في بعض المدن الجنوبية، بما في ذلك فرض "اتفاق الرياض" مخرجاً وحيداً لتقاسم السلطة بين فرقاء الصراع في جنوب اليمن. 

وأوجدت السياسة السعودية والإماراتية في اليمن مشكلات معقدة، تحولت بعد ست سنوات من الحرب إلى فوضى خارجة عن السيطرة. 

بعيداً عن الأجندات السعودية في اليمن، التي لا يمكن الخوض فيها، فإن حصيلة تدخلها العسكري في اليمن تُقاس بالنتائج العسكرية على الأرض، لا بحساب كشف الأجندات والنيّات، إذ إن قراءة معادلة الصراع الحالية في اليمن، مع دخول الحرب عامها السادس، بما في ذلك تموضعات القوى المحلية، تجعلنا ندرك حقيقةً واحدةً. 

هي أن التدخل السعودي في اليمن عضد من سلطة المليشيات، لا من سلطة الدولة اليمنية، إذ إن توازن الضعف الذي راهنت عليه السعودية لاستنزاف حلفائها قبل خصومها أدّى، في النهاية، إلى إخلال موازين القوى العسكرية لمصلحة جماعة الحوثي. 

فتغذية الصراعات البينية في معسكر حلفائها، وتخريج تفاهماتٍ ثنائية لاقتسام السلطة، مكّنا جماعة الحوثي من أن تصبح قوة وحيدة وبلا منازع في المناطق الخاضعة لها، بما في ذلك التمدّد إلى مناطق استراتيجية كانت تابعة للسلطة الشرعية، كمحافظة الجوف، مقابل تضاؤل المناطق الخاضعة للشرعية اليمنية، بحيث تمكّنت جماعة الحوثي من مراكمة قوتها العسكرية، أكثر من السنوات الأولى للحرب، بما في ذلك تهديدها السعودية. 

فبعد توقف هجماتها الصاروخية على السعودية طوال شهر، استهدفت جماعة الحوثي أخيراً الرياض، الأمر الذي دفع السفير السعودي، محمد آل جابر، إلى توجيه دعوة إلى جماعة الحوثي للتفاوض في الرياض نفسها, 

إلا أن الجماعة التي عضدت السعودية من قوتها العسكرية والسياسية، اشترطت أن يكون التفاوض في دولةٍ محايدة، وأن تكون طرفاً في مقابل السعودية، ومن ثم، استطاعت جماعة الحوثي، بفضل السياسة السعودية، فرض نفسها طرفاً رئيساً لا يمكن استبعاده في أي تسوية سياسية لوقف الحرب في اليمن، فيما تتعدّد الأطراف في جبهة خصومها.

في المقابل، لم تكن سياسة مسك العصا من المنتصف التي انتهجتها السعودية في إدارة شبكة حلفائها المحليين حلاً ناجحاً في أي حال، إذ إن البقاء على مسافة واحدة من جميع المتنافسين على السلطة لا يحصد في الأخير فشلاً كارثياً فقط، بل يصبح عبئاً عليها. 

إذ إن تناقضات مصالح حلفاء السعودية فرضت نفسها على مواقفها السياسية والعسكرية التي بدت متذبذبةً في تحديد أولوياتها في هذه المرحلة. 

فرغم سيطرتها على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، رأس السلطة الشرعية، فشلت السعودية في تحييد حزب التجمع اليمني للإصلاح، أكبر أجنحة الشرعية، في المناطق المحرّرة، أو على الأقل تقييده بموجب خياراتها في اليمن. 

وفيما اعتمدت السعودية على الفريق علي محسن الأحمر، نائب رئيس الجمهورية، الجناح العسكري في حزب الإصلاح، لإدارة القوات العسكرية التابعة للشرعية في مناطق المواجهات، فإن السياسة العامة لحزب الإصلاح ظلت تتحرّك بعيداً عن جبهات القتال، وبما يخدم مصالح الحزب أولاً، بما في ذلك خوض معارك متعدّدة لفرض سلطته في المناطق المحرّرة، وذلك من خلال دعم الدول الراعية لجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة. 

من جهة أخرى، فإن فشل السعودية حتى الآن في تنفيذ اتفاق الرياض الذي رعته، يشكل ضغطاً آخر على مصالحها، فحتى مع استفادتها من الوضع الحالي، بوصفها سلطة عزل بين السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي في مدينة عدن، بدت السعودية عاجزةً عن إقناع قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، بقبول إجراءاتها العسكرية في المدينة. 

كذلك لم توجِد إدارتها أزمة السلطة في جنوب اليمن أرضية للحل السياسي، بل كرّست القوة سلاحاً لفرض الإرادات، حيث تشهد مدينة أبين تصعيداً عسكرياً بين الألوية التابعة للمجلس الانتقالي والقوات العسكرية التابعة لحزب الإصلاح التي تتحرّك تحت غطاء الجيش اليمني، وبالتالي فشلت السعودية في السيطرة على حلفائها وإدارة الفوضى التي أحدثتها في اليمن طوال سنوات الحرب.

يُقال: "من يزرعِ الريح يجنِ العاصفة"، لكن التحالف السعودي الإماراتي لم يزرع في اليمن سوى عاصفة الحرب التي قتلت آلاف اليمنيين وجوّعتهم، وشرّدت كثيرين منهم في أصقاع العالم، فيما حصدت موارد اليمن وثرواتها ودمّرت بنيتها التحتية، بمعية قوى الحرب اليمنية. 

فقد حولت السعودية وحليفها الإماراتي اليمن، بعد ست سنوات من الحرب، إلى كانتونات متصارعة يتقاسمها أمراء الحرب وجنرالاتهم وسماسرتهم. أما اليمنيون العزّل، فإنهم وحدهم من يحصد اليوم الموت والخيبة والمجهول. 

* بشرى المقطري كاتبة وناشطة وروائية يمنية

المصدر | العربي الجديد

نسعد بمشاركتك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص