عمران عبدالله- الجزيرة
صدر مؤخراً -عن دار مدارات للأبحاث والنشر- الترجمة العربية لأول دراسة تحليلية تختص بالمُحَدِّثات من النساء في التاريخ الإسلامي من تأليف الباحثة الأميركية من أصول هندية أسماء سيّد، وهي كذلك مساهمة في التاريخ الثقافي الاجتماعي للعلوم الإسلامية وتاريخ التربية في الإسلام.
وفي كتاب "المرأة ونقل المعرفة الدينية في الإسلام" ترى المؤلفة أن الإسلام السلفي (أو ما تسميه الأرثوذكسية السنية وتقصد به عموم أهل السنة) هو التيار الذي حض النساء على المساهمة في نقل المعرفة الدينية والعلوم الحديثة، وأن هذه المساهمة مرت بمراحل مختلفة، بلغت ذروتها في القرن الأول الهجري وفي عصور ازدهار "السلفية السنية" بين القرنين السادس والعاشر الهجريين.
ويستكشفُ الكتاب تاريخ رواية النساء للحديث النبوي خلال عشرة قرون، منذ فجر الإسلام وحتى بداية السياق العثماني (من القرن الأول إلى العاشر الهجري) ويستمد المؤلف أهميته الاستثنائية من نُدرة ما كُتِب عن المُحَدِّثات المسلِمات في التاريخ، بحسب المؤلفة وهي أستاذة الدراسات الإسلامية بجامعة كاليفورنيا.
وهو يتألف من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة بالإضافة إلى مقدمة المترجم أحمد العدوي، ويرصد التطورات التي طرأت على رواية النساء للحديث، ووضعها في سياقاتها حسب تسلسلها الزمني.
كما حللت المؤلفة العوامل التاريخية التي شجَّعت أو ثبَّطت مشاركة المرأة في حقل رواية الحديث، وأماطت اللثام عن العوامل التي شكَّلت إسهامات المرأة المسلِمة في مجال رواية الحديث، بحسب الناشر.
ويكتسب الكتاب -الذي نشرته مطبعة جامعة كامبردج- أهمية خاصة باعتبار فكرته نقضاً للانطباعات الرائجة عن تهميش المرأة المسلمة في نقل العلوم الدينية وروايتها، ويمثل قراءة بديلة عن الحجج الدفاعية التي تتعلق بتناول التعليم الديني للمرأة المسلمة، خاصة وأن المدى التحليلي للكتاب يمتد لسياقات تعليم المرأة المسلمة في الزمن المعاصر.
الصعود المبكر والاستمرار
تبدأ المؤلفة بتناول موضوع "الصحابيات واستحداث الرواية" وتستعرض جهودهن في رواية الحديث بعصور الإسلام المبكرة، وتشمل دور أمهات المؤمنين وخاصة السيدة عائشة بنت أبي بكر وأم سلمة باعتبارهما أكثر من روى أحاديث النبي من بين زوجاته.
ويقدم الفصل كذلك إحصاءات رقمية عن نسب رواية الصحابيات وزوجات النبي للأحاديث في القرن الهجري الأول، وتخلص الإحصاءات والنسب لانفتاح رواية الحديث في عصر صدر الإسلام أمام النساء وخاصة القرن الأول الذي شهد مشاركة أكبر منهن مقارنة بالقرنين التاليين.
وفي الفصل الثاني تكمل المؤلفة التسلسل الزمني بملاحظة رواية الحديث بواسطة "التابعيات" اللاتي شهد عصرهن تراجعاً نسبياً برواية النساء للحديث، إذ أصبح مجالاً تخصصياً وأكثر صعوبة وتطلب نوعاً من السفر والترحال لتدقيق الرواية، كما أسهم الجدل الاعتقادي وظهور الفتن والخلافات السياسية في هذا التراجع.
وتقول المؤلفة أن الجدل أثير بالفعل حول حدود التفاعل المختلط في دوائر الدراسة وآداب النساء في سياق التعلم، لكن لم يتم التشكيك بحق المرأة في الحضور العلمي.
ورغم أن الكاتبة اهتمت بتأثير البيئات الاجتماعية المحافظة على التقاليد الدينية، فإنها تقول إن ذلك لم يؤد إلى "تهميش المرأة" بشكل متعمد وإنما أدت العوامل مجتمعة لبروز "بيئات رحبت بمساهمات النساء وأثنت عليها" ومع ذلك ربما أصبحت النساء أكثر حضوراً في عملية النقل (الرواية) أكثر من التفسير (الدراية).
وتستكمل في الفصل الثالث مناقشة حول دور النساء في نقل المعرفة الدينية في الحقبة الكلاسيكية، إذ عدن راويات للحديث وسمين "المحدّثات" وحظين بالحفاوة سواء طالبات العلم أو شيخات يقمن بالتدريس للطلاب وينقل عنهن.
واستدل الفصل بنماذج من المحدثّات مثل كريمة المروزية الفقيهة والمحدثّة التي أطلق عليها المؤرخون لقب "أم الكرام" وفاطمة بنت الحسن الدقاق التي وصفها الذهبي بالشيخة العابدة العالمة أم البنين النيسابورية.
ويستند لمراجع من كتب التراجم والطبقات لهذه الحقبة مثل طبقات النساء عند الحافظ محمد بن سعد الزهري، وأخبار النساء في سير أعلام النبلاء للذهبي، والطبقات والمراتب عند ابن حجر، وغيرهم.
وفي الفصل الرابع تتناول المؤلفة راويات الحديث في ظل ما تسميه الأرثوذكسية السنيّة وتقصد بها عموم أهل السنة باختلاف مذاهبهم، معتبرة أن المرحلة بين القرنين السادس والعاشر الهجري شهدت ذروة ازدهار النساء المحدثّات وظهور المئات منهن.
ونوّهت بثلاث محدثات اختارتهن نماذج في ذلك العصر وهن أم محمد فخر النساء شهدة بنت أحمد الإبري الدينوري البغدادية وهي من عالمات أهل السنة ومحدثة وكاتبة وخطاطة منحها الخليفة العباسي المقتدي بأمر الله هبة أنفقتها على تدريس الطلاب، وزينب بنت كمال الدين الصالحية المقدسية الدمشقية الحنبلية المذهب التي قال عنها ابن حجر العسقلاني "نزل الناس بموتها درجة في شيء كثير من الحديث حمل بعير" وعائشة بنت محمد بن عبد الهادي الدمشقية سيدة المحدثين في زمانها.
وتلفت المؤلفة النظر لكون هؤلاء المحدثات نشأن في أسر علمية وحرصت عائلاتهن على تعليمهن العلوم الدينية والحديث، وتعتبر أن تراجع رواية النساء في نقل المعرفة الدينية بالزمن العثماني له علاقة بالتركيز على الفقه والتصوف مقارنة بالحديث منذ القرن العاشر الهجري.