كنت قد تساءلت في مقال الأحد الماضي، عما إذا كان التحالف العربي يتجه نحو الحسم في اليمن، عبر التصعيد العسكري الأخير الذي أعاد نشاط الطيران إلى سابق عهده من التحليق وبقدر لا بأس به من النشاط القتالي وضرب الأهداف وخصوصاً في صنعاء ومحيطها.
للأسف الشديد لا يبدو أن التحالف العربي جاد في الذهاب نحو الحسم العسكري، الذي يفترض وجود إرادة قوية واستقلالية لدى دوله في الدفاع عن خياراتها الاستراتيجية، حتى لو تعرضت لضغوط من بعض القوى الدولية كالولايات المتحدة الأمريكية.
منذ أن تجدد القتال على جبهة "نهم" الواقعة إلى الشرق من العاصمة صنعاء كان المفروض أن يتقدم الجيش ويقتحم صنعاء، ولكنك ذلك لن يحدث ولا يبدو أنه سيحدث.
التحالف يبدو أنه، للأسف، يتجه نحو التفريط بالممكنات المتاحة للنصر في ساحةٍ شديدة التعقيد، الانسحاب منها خطيرٌ للغاية، والبقاء فيها بدون حسم يسحب التحالف إلى مستنقع عميق، ولم يعد بوسع أحد الصمت حيال استمرار التحالف في الخذلان الذي يصل حد الإساءة للمقاومة ولأنصار الشرعية، الذين اضطرتهم الظروف إلى التشبث بشرعية أوهى من بيت العنكبوت وتحالف لا يتمتع بالحد الأدنى من أخلاقيات التعامل مع من يفترض أنهم شركاء في المعركة.
يومٌ إثر يوم يشعر منتسبو الجيش الوطني والمقاومة في مختلف الجبهات بإحباط شديد نتيجة التباطؤ الذي يتسبب فيه التحالف في هذه الجبهات، رغم توفر كل عوامل الانتصار ورغم التقدم الذي يحرزه الجيش والمقاومة في جبهات شديدة الصعوبة مثل نهم والجوف وتعز، وسط قبول وترحاب واسعين من سكان هذه المناطق، الذين ضاقوا ذرعاً بالممارسات القمعية لميلشيا المخلوع صالح والحوثيين.
ويوما إثر يوم تتحول الطلعات الجوية للتحالف العربي إلى ألعاب بهلوانية في سماء العاصمة صنعاء، وفوق بقية المدن، لأن معظم الضربات التي توجهها هذه الطائرات وهي محدودة تستهدف نفس المواقع، وتتجاهل الإمدادات المتواصلة التي تتحرك باتجاه الجبهات.
هناك طلعات جوية تترافق مع اشتعال المعارك في تعز التي استطاعت خلالها المقاومة والجيش الوطني خلال اليومين الماضيين، إحراز تقدم كبير في محيط مدينة تعز وفي ريف المحافظة. لا يقدم طيران التحالف إسناداً حقيقياً للمقاتلين في هذه الجبهة، بعكس ادعاءاته، بحسب قائد بارز في مقاومة تعز الذي عبر عن انزعاجه لأن طيران التحالف تجاهل تعزيزات كبيرة تحركت قبل يومين من محافظتي ذمار والحديدة باتجاه تعز، ويتجاهل الدبابات ومنصات الصواريخ التي تمطر مدينة تعز ومواقع المقاومة كل يوم بالقذائف والصواريخ.
كنت أتساءل كيف لدول تعاملت بلؤم شديد وربما تواطؤ مع المحاولة الانقلابية الفاشلة على النموذج الديمقراطي الأهم في منطقتنا، وأعني به نموذج تركيا، أن تحرص على دعم مشروع بناء دولة ديمقراطية تعددية في اليمن.
لقد أصبح تفكيك اليمن أحد الخيارات الأكثر حسماً لبعض أطراف التحالف، ويتم تنفيذه عبر عملية تبادل أدوار مفضوحة، وفي إطار عملية سافرة كهذه تبدو المقاومة أحد الأهداف المثالية للتحالف العربي، والوحدة اليمنية هدفاً مباشراً عبر عملية منسقة لإذكاء النزعات الجهوية بين المكونات اليمنية، لم تشهدها البلاد من قبل، وأصبح معها سكان محافظة تعز وهم المجتمع الذي يتشارك مع سكان عدن اللهجة والعادات والتقاليد والانتماء الجهوي الواحد، أكثر من يستهدف في هذه المدينة بالترحيل والإقصاء والقتل أحيانا..
والمقاومة لم تعد في نظر التحالف سوى الرصاصة المزعجة التي تُبقي مشروع إيران السياسي في اليمن قلقاً، مجرد رصاصة لا أقل ولا أكثر. وإسكاتها هو الخطوة القادمة بالنسبة للتحالف، ولتحقيق غاية كهذه يجري شيطنة المقاومة ووصم دعائمها السياسية بالإرهاب، بل يجري شق مسار جديد للحرب يأخذ شعار مواجهة الإرهاب، وأحد أهدافه هو القضاء على المقاومة أو جعلها مشروعاً وطنياً ملغوماً ومهدداً بالانفجار في أية لحظة.
ومؤخرا اُستهدف عددٌ من رموز المقاومة بالاغتيالات في كل من ذمار التي يهيمن عليها الانقلابيون وفي عدن التي يهيمن عليها التحالف ويسيطر عليها أمنياً الحزام الأمني التابع للإمارات. ثلاثة قيادين استهدفوا خلال أربع وعشرين ساعة في كلا المدينتين وكلهم ينتمون إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح.
لا يبدو الأمر مجرد حوادث عرضية، بل عملاً منسقاً يحقق أهداف مشتركة، هي نفسها الأهداف التي جعلت طرفاً في التحالف يمول الحوثيين مالياً من أجل اقتحام صنعاء، وفقاً لضابط المخابرات السعودي المتقاعد أنور عشقي.
كان الهدف من تمويل الحوثيين المرتبطين بإيران، هو تمكينهم للقيام بمهمة تصفية عناصر الإصلاح من العاصمة صنعاء وبقية المدن اليمنية، في مهمة قتل مفتوحة تشبه كثيراً ما جرى في رابعة العدوية والنهضة في مصر، يضاف إليها تدمير كل البنى الثقافية والاجتماعية المرتبطة بهذا الحزب.
وعندما فشلوا في تحقيق ذلك، ها هم يستنزفون أحرار ثورة 11 شباط/ فبراير 2011، عبر تركهم في الجبهات بدون إسناد حقيقي وبدون مرتبات ومصدر دخل قوتهم الوحيد هو الحرية والكرامة، بل وتعمد اختيار مسارات صعبة لبلوغ العاصمة مثل جبهة نهم، وليس لاختيار هذا المسار من هدف سوى استنزاف المقاومة وإنهاكها.
وفيما يواصل الانقلابيون مهمة إنجاز بناهم الهيكلية السياسية، على طريق خلق كيان سياسي مقابل للسلطة الشرعية، وجر البرلمان إلى هذه المعركة، يجري التضييق على المقاومة، ويجري إهمال المئات من جرحى المقاومة خصوصاً في تعز والبيضاء، واستهدافهم بهذا الإهمال، حتى لا تبقى المقاومة ساحة لاستقطاب أحرار الوطن.
يدعي التحالف العربي أنه يواجه المشروع الإيراني في اليمن، ولا أرى ما ينجزه التحالف في اليمن سوى إسهام مجاني وعبثي لتمكين للنفوذ الإيراني، وربما لن ينسحب التحالف العربي من اليمن إلا وقد آمن اليمنيون بأن إيران الدولة التي كان يجب أن نبني معها جسور الثقة، للأسف الشديد.