أخذت الحرب تطوراً دراماتيكياً بين الحوثيين والقوات الموالية لهادي، قبل إعلان الهدنة الأخيرة. اتخذت المعركة مسارين، في البدء حقق الحوثيون تقدماً جعلهم على بعد أقل من 20 كيلومتراً من مأرب؛ المدينة الأكثر أهمية شرق صنعاء، من حيث الموارد النفطية والأهمية الاستراتيجية. وفي مسار عكسي، استردت القوات الموالية للحكومة، المعترف بها دولياً، كثيراً من المواقع التي خسرتها، وأزاحت الخطر مؤقتاً عن مأرب. قبل أن تظهر مبادرة سعودية لإعلان وقف إطلاق النار لا يبدو أنها ستعلن خاتمة الحرب.
يبدو أن السعودية أصبحت أكثر رغبة لتوقيع اتفاقية مع الحوثيين، تخرجهم من ورطة التدخل المباشر في الحرب اليمنية. لكن الحوثيين يدركون أن السعودية لن تتوقف عن دعم حلفائها في الداخل، وبالتالي يعودون لاستراتيجية تتعلق بالمعاهدات، باعتبارها مسألة مرتبطة بالمعركة، وهم يضعون شروطهم بمرجعية المنتصر.
ويبدو أن السعودية أصبحت أكثر رغبة لتوقيع اتفاقية مع الحوثيين، تخرجهم من ورطة التدخل المباشر في الحرب اليمنية. لكن الحوثيين يدركون أن السعودية لن تتوقف عن دعم حلفائها في الداخل، وبالتالي يعودون لاستراتيجية تتعلق بالمعاهدات، باعتبارها مسألة مرتبطة بالمعركة، وهم يضعون شروطهم بمرجعية المنتصر بصرف النظر عن نتائج المعركة. غير أن الحرب أخذت سياقاً شكلياً يبدو أنه محدد بخطوط تفصل بين فصائل متنازعة. وأي اتفاق ستكون قاعدته هشة، إلا أنه ستتم حماية تلك الخطوط بخلق نوع من التوازن العسكرية، بحيث لا يمكن لأي طرف حسم الحرب في اليمن.
وهكذا تصبح السيطرة موزعة على تلك الفصائل، وتصبح الحرب أمراً رمزياً لاستمرار حالة هلامية تُفرغ اليمن من حالة سياسية يمكن البناء عليها. وإشكالية صيغة مثل تلك بالنسبة للسعودية، لم يعد وجود الحوثي كخيار سياسي في اليمن، إنما في طموحه للسيطرة على اليمن، ثم الخطاب الذي يتكئ عليه، وتهديده المباشر لها. لكن خطورة اللعبة في بنية حدود هامشية للحرب لا تتيح لسيطرة طرف، يمكن أن تدفع ثمنها السعودية، لأنها مع الوقت ستفقد سيطرتها على اللعبة.
أسهم الانقسام في تمييع الحكومة ، كما أن التحالف تعامل معها كفرصة لفرض قواعد اللعبة على هواها، مع أنها أصبحت معضلة. كما أن الحوثي يستطيع تجزئة معاركه، فعندما يقاتل في مأرب يصبح الأمر بالنسبة لكثير من خصومه هي معركته مع الإصلاح فقط، مع أن سقوط مأرب سيغير المعادلة في مصلحة الحوثي. هذا الأمر حدث عندما كانت المعارك على مشارف الحديدة، إذ أصبح الحوثي خصماً ثانوياً بالنسبة للإصلاح، مقارنة بالقوات المدعومة من الإمارات. وكان بعض أولئك ينتظرون سقوط مأرب للاحتفال عبر التشفي بخسارة الإصلاح. وعندما ينتهي الحوثي من هذا سيتفرغ للآخر.
إذن، خسارة مأرب كانت جوهرية، وتبدو مثل الحصن الأخير لأطراف عديدة، بينما الجوف ليست بتلك القوة. أما حالة التفكك التي يعيشها هذا الطرف الذي وجد نفسه مهدداً بخسارة مدوية في الحرب، جعلتهم يغفلون أهمية الجوف كتحصين لمأرب.
الجلي أن صيغة التقسيم تسير على قدم وساق، إذ أصبحت مأرب حالة شبيهة، بصورة ما، بغزة، فالأخيرة أصبحت بالنسبة لحماس وأنصارهم كل القضية الفلسطينية، وهذا ما أصبحت عليه مأرب بالنسبة لفصيل في الإصلاح، فهو لن يستبدلها بهزيمة الحوثي، مع أن جزءاً من ذلك حاضر، بمعنى أن خسارة مأرب ضربة بالنسبة لأولئك الذين لا يريدون بقاء الحوثي.
والخطأ اللافت في الفريق الذي يواجه الحوثي، هو مسارعته إلى إثارة نزاعاته الداخلية، بينما خصمهم الرئيسي مازال يتمتع بقوة وحضور قوي. كما أن ابتعاد كثير من النخب السياسية عن أرض الواقع، لوجودهم في الخارج، غيب عنهم كثيراً من الحقائق، فأحاديثهم كانت تستند إلى آمالهم، ودائماً قللوا من قوة الحوثي، وأصروا على أنه فقد الكثير من قوته. مع أن المتابع المحنك يعرف أن معارك السنوات الـ5 زادته قوة وصلابة، كما أن ذلك الأمر كان انعكاساً لغرور القيادة السعودية، أو أنه خداع اتفقوا عليه لتضليل أنفسهم.
كرست الشرعية والحكومة حضورهما ضمن قناعة بلغت حد اليأس بعدم إمكانية عودتهم؛ هذا أيضاً ما أسهم به التحالف، إذ جرد عدن من إمكانية أن تكون عاصمة مؤقتة، وفي مأرب أيضاً لم تكن قرارات الحكومة ذات معنى، إذ ترسخ شكل من الحكم الذاتي أو التمرد الناعم، لكنه أيضاً لا يستطيع أن يعلن نفسه كما في عدن ومناطق أخرى.
على صعيد آخر، كان الحوثي خصماً ثانوياً بالنسبة لأطراف مدعومة من التحالف، بل أيضاً بالنسبة للتحالف نفسه. ففي الحديدة عندما أصبحت الحرب على تخوم المدينة، تم إيقافها. المضحك أن مناصرين لتيار سياسي أصبح يختزل مواجهة الحوثي في مأرب أو في نصف مدينة، أثاروا قضية الحديدة كموضوع إنساني، بل إن هذا الرأي تقاسمته معهم شخصيات رفيعة حول هادي، وكان بالنسبة لهم انتصاراً إماراتياً. والإمارات أيضاً كانت تعزز حضور طارق صالح في الساحل، وتبني حضوره العسكري كتشكيل موالٍ لها. هذا الأمر عاد في مأرب حين صارت مهددة بالسقوط، وكانت الأطراف التي تغرد تحت مظلة الإمارات أو الفصائل المدعومة منها، تتشفى بالإصلاح، باعتباره الكيان السياسي المسيطر على مأرب.
ما الذي يدور؟ أصبحت كل منطقة جزءاً خاصاً بطرف سياسي، وأصبح يستحق الشماتة بنظر كثيرين. بل إن تلك الأطراف تمارس أساليب تثير حولها العداء المجتمعي، كما يحدث في نقاط التفتيش التابعة للأحزمة الأمنية والمجلس الانتقالي. لكن ماذا يحدث في اليمن؟ نلاحظ تلك الأدوار الضحلة لشخصيات تتواجد ضمن فريق الشرعية، وعملية الاستقطاب بين دول المنطقة. وحين يكون هناك المال الإماراتي نجد المال السعودي والقطري وغيره. وهذا ما حدث حين أعلن مسؤول في الحكومة استقالته على الهواء في قناة مدعومة من السعودية، ليصبح ضيفاً دائماً في قناة محسوبة على دولة أخرى؛ وهكذا. أما الحوثي فنجد قوامه كما هو متماسكاً، لديه خصم واضح ومحدد، ولديه هدف واحد؛ وبالنسبة للسعودية والتحالف وحتى للأطراف الأخرى لم يعد وجوده بحد ذاته مشكلة لهم، إنما السؤال كيف يمكن إقناع الحوثي بالتوقف في حدود سيطرته الحالية؟
على الأرجح، لن يكتفي الحوثي حتى بالسيطرة على الشمال، وإنما سيظل يطالب بحدود الجمهورية اليمنية، ويشرع حضوره من أجل استعادة الدولة اليمنية. هذا أيضاً ما تخلى عنه خصومه لمصلحته. وفي لحظة يمكن للسعودية أن تخسر خيوط اللعبة، وستكون العواقب وخيمة. كانت مسرحية الحرب هزلية، لكنها سوداء، وستكون أكثر سواداً، لكن في وجه من؟
*نقلا عن: المشاهد نت