إكرام الصمدي

"إكرام الصمدي".. قصة الفتاة اليمنية التي تحولت من طبيبة مخبرية إلى أسواق القات

رانيا عبدالله- المشاهد

على غير العادة، قررت إكرام الصمدي (24 عاماً) تجاوز عادات وتقاليد المجتمع، بعد أن توفي والدها بشظايا قذيفة، منتصف العام 2015، بالحرب الدائرة في مدينة تعز (جنوبي غرب اليمن)، منذ مارس من العام نفسه، لتتجه إلى بيع القات في أحد أسواق المدينة، وهي مهنة لا تتناسب معها، كونها شابة جامعية، وغالباً ما يقوم بهذا العمل في المجتمع اليمني، الرجال، ولم يسبق أن عملت بها إلا بعض النساء الكبيرات في السن، من غير المتعلمات.
تأثرت أسرة إكرام المكونة من 10 أفراد، بعد وفاة والدها اقتصادياً، فاضطرت أن تتوقف عن الدراسة مؤقتاً، كي تبحث عن عمل، “ولكني لم أجد أي عمل، فقررت أن أعمل ببيع القات، حيث لا خيار لي سوى ذلك، وأخبرت والدتي بقراري، وقد عارضت في بداية الأمر، ومن ذلك اليوم أصبحت المسؤولة عن أسرتي، وعن مصاريف دراستي الجامعية”، كما تقول.

مركز الإحصاء وصندوق الأمم المتحدة للسكان: نسبة النساء اللاتي ترأسن أسرهن، 23.18 % من إجمالي سكان اليمن البالغ 26 مليون نسمة، منهن 12.13% في المدن، و11.05% في الريف اليمني.


ورغم إعالة إكرام لأسرتها، إلا أنها وصلت لتحقيق حلمها في أن تصبح دكتورة مختبرات، كما تقول، مضيفة أنها كانت تذهب إلى السوق كل صباح، لبيع القات، بعد ذهابها إلى الجامعة، حتى أكملت تعليمها، وتخرجت بتفوق.

الحرب تضاعف من معاناة المرأة

وبلغت نسبة النساء اللاتي ترأسن أسرهن، 23.18 % من إجمالي سكان اليمن البالغ 26 مليون نسمة، منهن 12.13% في المدن، و11.05% في الريف اليمني، بحسب تقرير “الرجال والنساء في اليمن”، الصادر عن مركز الإحصاء وصندوق الأمم المتحدة للسكان، في العام 2019.
وقالت فهمية الفتيح، مسؤولة الإعلام والاتصال في صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن: “بسبب الحرب والنزوح المستمر، كان من الصعب عمل مسح لمعرفة النسب الجديدة لترؤس النساء لأسرهن”، مضيفة أن الحرب الدائرة في اليمن أدت إلى ارتفاع نسبة ترؤس النساء لأسرهن، في ظل غياب العائل التقليدي للأسرة اليمنية (الرجل) الذي إما أن يكون قد قتل أو أصيب بإعاقة.
وتضاءلت فرص ومجالات العمل أمام المرأة في اليمن، لعدة أسباب، من أهمها العادات والتقاليد، وعدم حصول المرأة على الحظ الوافر من التعليم، وعدم وجود خطط تنموية تكفل تدريبها وتأهيلها وتمكينها اقتصادياً، بحسب المستشارة الأسرية ألطاف الأهدل، رئيس قسم الخدمة الاجتماعية في مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بمدينة تعز، موضحة أن المرأة اضطرت للقبول بالعمل ضمن فرص ومجالات لا تتناسب مع ثقافه المجتمع، ولا تتلاءم مع إمكانياتها التعليمية، بسبب فقدانها وأسرتها العائل، والانخراط في بعض مجالات العمل التي كانت حكراً على الرجال فقط، مثل بيع القات، أو الوقوف في أسواق الخضار والفواكه، وبيعها على استحياء من الناس.

نظرة قاصرة

وعانت إكرام من نظرة المجتمع لها أثناء عملها في بيع القات، في بادئ الأمر، كما تقول. ومن تلك المعاناة سخرية الناس، والتحرش اللفظي أثناء عملها من بعض الزبائن، أو مرتادي السوق، بحسب إكرام التي تصف معاناتها، قائلة: “نحن في مجتمع ينظر للمرأة باستنقاص، خصوصاً إذا خرجت للعمل، ولا يُنظر لها إلا أنها مجرد جسد، كما أن المجتمع لا يبرر ما سبب خروجنا نحن النساء للعمل، وبخاصة في مثل هذه الأعمال، سوى الظروف القاسية والحاجة التي أجبرتني أنا وغيري”.
وترى ألطاف الأهدل أن المرأة التي تعمل، لا تسلم من التعرض للأذى والتحرش من أفراد المجتمع الذين لا يلتمسون لها العذر، ولا يقدرون مستوى الواقع المعيشي الذي يعانيه الرجل قبل المرأة في حالة الحرب.
وتضيف: “لقد دفعت الحرب بالمرأة اليمنية إلى سبر أغوار العمل في أقل مستوياته وأدنى درجاته، هرباً من الموت جوعاً، وحفاظاً على مسؤولياتها والتزاماتها تجاه الأسرة، بعد أن تسببت الحرب بوفاة العائل الوحيد، سواء كان أباً أو زوجاً أو أخاً أو ابناً، وقد تعلمت المرأة في هذه الحرب أن أسوأ مهنة هي التسول، وأبشع شعور هو الإحساس بالعجز، وأن أفضل ما يمكن أن تقدمه لنفسها هو العمل أياً كان نوعه، حتى لو لم يكن ملائماً لتخصصها أو قدراتها أو وضعها الاجتماعي أو حتى أنوثتها، فالمهم في الأمر هو ألا يشعر أفراد أسرتها بالجوع والفاقة.

مشاريع لتمكين النساء

وتحتاج الكثير من النساء المتضررات من الحرب في اليمن، واللاتي وجدن أنفسهن فجأة مسؤولات عن أسرهن، في ظل فقر مدقع وأمية متفشية بين النساء، إلى تبني مشاريع تدر لهن دخلاً يحفظ كرامتهن، ويعشن مع أفراد أسرهن حياة كريمة.

فهمية الفتيح : أدت الحرب إلى نزوح أكثر من 3 ملايين، شكلت النساء والأطفال نسبة 67% من إجمالي النازحين، و الصندوق الامم المتحدة للسكان عمل على إنشاء أكثر من 20 مساحة آمنة للنساء والفتيات في أنحاء البلاد، من خلالها عمل على تمكين أكثر من 1500 امرأة من النساء اللواتي ينفقن على أسرهن، منذ بداية العام 2019.

 


وربما استجاب مشروع توفير سبل العيش والتمكين الاقتصادي في اليمن، الذي أطلقه صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، بالتعاون مع بعض الشركاء المحليين، لبناء قدرات النساء النازحات والأكثر ضعفاً، وإعادة تأهيلهن، وإعطائهن المساعدات النقدية على إقامة مشاريع صغيرة مُدرّة للدخل، بالإضافة إلى رفع مستوى مشاركة المجتمعات المحلية المتضررة من النزاعات، والتخفيف من الفقر في أوساط المجتمع”.
أدت الحرب إلى نزوح أكثر من 3 ملايين، شكلت النساء والأطفال نسبة 67% من إجمالي النازحين، بحسب الفتيح. موضحة أن الصندوق عمل على إنشاء أكثر من 20 مساحة آمنة للنساء والفتيات في أنحاء البلاد، من خلالها عمل على تمكين أكثر من 1500 امرأة من النساء اللواتي ينفقن على أسرهن، منذ بداية العام 2019.
وتعمل البرامج التدريبية التي يقيمها الصندوق، على تمكين النساء ليضمن لهن حياة كريمة، من خلال إكسابهن مهارات وحرفاً تمكّنهنّ من الالتحاق بسوق العمل لتحسين أوضاعهنّ المعيشية والاقتصادية، والبدء في تنفيذ مشاريعهنّ الصغيرة، وتمكينهن من العيش بكرامة، بحسب الفتيح.