آية خالد- المشاهد
تعيش الطفلة نورية (13 عاماً)، في إحدى غرف منزل أبيها، كالسجينة، بعد أن أعادها زوجها الأربعيني إلى منزله، تاركاً إياها معلقة دون زواج أو طلاق.
وتزوجت نورية من صديق والدها، رغم أنها تصغر آخر أبنائه بـ5 سنوات، كما تقول، مضيفة أن تجهيزات الزفاف لم تتجاوز الأسبوع، وبدون عرس أو زفة ألبستها جدتها الفستان الأبيض، وأخذوها لمنزل صديق والدها، وتتذكر تفاصيل ذلك اليوم مسترسلة: “أول ما أوصلوني المنزل، والتقيت بصديق أبي، احتضنني، فقلت له: “أهلاً عمو”، فنظر إليّ أبي نظرة خبيثة، وصفعني صفعة أتذكر ألمها حتى اليوم، فاختبأت بحضن صديقه حتى لا يكررها، وهكذا كنت كلما ارتكبت فعلاً يغضب صديقه، يأتي أبي ليضربني ويسانده”.
وعانت نورية من زواجها المبكر، الذي تسبب لها بفقدان الرحم، نتيجة الإجهاض المتكرر لـ5 مرات.
وتقول: “في كل مرة كنت أحمل، أصاب بنزيف مستمر، ويمنعني زوجي من الذهاب لمراجعة طبيبة، ويحضر لي قابلة للمنزل، تطلب مني الراحة التامة، ولكن مطالبه ومطالب أبي لم تترك لي مجالاً للراحة، بخلاف العنف الذي أتعرض له من أبي، إذ لم يرُق له شيء، وذات مرة نزفت كثيراً ليلاً، فاضطر زوجي لنقلي لمستشفى وسط المدينة، وكانت الأوضاع متوترة، وطلبت منه الدكتورة إيقاف العلاقة بيننا على الأقل شهرين، حتى يستقر وضع الجنين، لكنه رفض، واستمر بالتعنيف حتى وقت العلاقة، وساءت حالتي، وأجهضت للمرة الرابعة، ومرة علم أبي بأن زوجي أسعفني لأحد المستشفيات، فأتى وضربني حتى أُغمي عليّ، ولما أتى زوجي منعه من إسعافي، وأتوا بالقابلة للبيت دون جدوى، وساءت حالتي أكثر”.
تغادر مئات الفتيات في اليمن مقاعد الدراسة نتيجة الزواج المبكر، ويتم تحميلهنّ أعباء كبيرة تفوق طاقاتهن، ناهيك عن الأضرار الصحية التي تصيبهنّ، إضافة إلى تعرض بعضهن للعنف بصوره المختلفة.
52% من الفتيات تزوجن دون الـ15 عاماً
وتغادر مئات الفتيات في اليمن مقاعد الدراسة نتيجة الزواج المبكر، ويتم تحميلهنّ أعباء كبيرة تفوق طاقاتهن، ناهيك عن الأضرار الصحية التي تصيبهنّ، إضافة إلى تعرض بعضهن للعنف بصوره المختلفة.
مركز دراسات أبحاث النوع الاجتماعي : 52% من الفتيات اليمنيات تزوجن دون سن الـ15، خلال العامين الماضيين، مقابل 7% من الذكور، وشكل زواج الفتيات الصغيرات ما نسبته 65% من حالات الزواج المبكر، منها 70% في المناطق الريفية.
وكشف تقرير صدر مؤخراً عن مركز دراسات وأبحاث النوع الاجتماعي بجامعة صنعاء، أن نحو 52% من الفتيات اليمنيات تزوجن دون سن الـ15، خلال العامين الماضيين، مقابل 7% من الذكور، وشكل زواج الفتيات الصغيرات ما نسبته 65% من حالات الزواج المبكر، منها 70% في المناطق الريفية. وأشار التقرير إلى أنه في بعض الحالات لا يتجاوز عمر المتزوجة الـ8 أو الـ10 سنوات. وكشف عن فجوة عمرية كبيرة بين الزوجين، تصل في بعض الأحيان إلى حالات يكبر فيها الزوج زوجته بـ56 عاماً.
تُعدّ ظاهرة زواج القاصرات أو الصغيرات في المجتمع اليمني؛ أكثر المجتمعات العربية محافَظةً، من القضايا التي أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الشعبية، بين مؤيد ومعارض، بدوافع دينية واجتماعية في آن واحد. وقد بلغ الجدل ذروته حين وُضع “زواج القاصرات” بنداً للنقاش تحت قبة البرلمان، العام 2010، وفشل البرلمان اليمني مراراً في مناقشة وتمرير تشريع قانوني لتحديد سن 17 عاماً حداً أدنى للزواج، بسبب ضغوط كبيرة قادتها شخصيات دينية وقبلية نافذة، ترى أن التحديد مخالف للشريعة الإسلامية، وتعدٍّ على حريات الآخرين.
90% من الفتيات الصغيرات في خطر
بيّنت دراسة لمنظمة اليونيسف، حول أخطار الزواج المبكر في أوساط الفتيات اليمنيات، “أن 31% من الأمهات الصغيرات قد أثر الزواج المبكر على تحصيلهن العلمي، بالإضافة إلى الحمل المبكر خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الزواج، إذ إن 90% من الفتيات حملن، وتعرضن لأخطار مختلفة أثناء فترة الحمل، وخصوصاً الفئة العمرية بين 15 و17 سنة”. وأكدت أن “نسبة النزيف المهبلي في سن 15 سنة، من أعلى النسب”.
ولفتت الدراسة إلى أن “المضاعفات الأكثر شيوعاً في سن 16 سنة، هي الغثيان الحملي والتهابات المجاري البولية، وتورم الأطراف العلوية والسفلية، والولادة المبكرة، والتسمم الحملي”.
وأشارت إلى “انخفاض استخدام وسائل تنظيم الأسرة بعد الزواج لتأجيل الإنجاب، ولم تتجاوز نسبة الفتيات اللواتي استخدمن واحدة من وسائل تنظيم الأسرة 17,2%”.
وهو ما حدث مع نورية التي منعها زوجها من استخدام وسائل منع الحمل، ما عرضها للإجهاض في المرة الخامسة من الحمل بتوأم في شهرها السادس، فأجريت لها عملية قيصرية لإخراج الجنينين، بعد نزيف أسبوعاً، كما تقول.
واكتشفت الطبيبة التي تتابع حالتها، أنها تعاني من تمزق ببطانة الرحم، ونقلها زوجها إلى صنعاء، وخضعت لـ3 عمليات باءت بالفشل؛ ما اضطرهم لاستئصال الرحم.
وتقول الطبيبة (رفضت ذكر اسمها) التي أجرت العملية لنورية: “في غرفة العمليات لم نجد حلاً لننقذ هذه الطفلة، فكان النزيف حاداً، ولم نستطع السيطرة عليه، نُقلت لها 4 قرب دم، فما كان من حل أمامنا سوى استئصال الرحم كخيار أفضل من أنها تموت أمامنا”.
وتضيف: “من المؤسف أن تجد طفلة في ربيع عمرها، ولم تتجاوز الـ12 من عمرها، تتعرض لما تعرضت له نورية. طفلة بنيتها طفولية جداً، حتى إن تفاصيل جسدها لم تكتمل بعد”، مؤكدة أن الطفلة قبل 18 عاماً، تكون غير مؤهلة للحمل والولادة؛ لأن الرحم لم يكتسب القوة اللازمة، وكذلك حالات الحمل والإجهاض المستمر يسبب نزيف حاد؛ نتيجة للضغط المستمر على فقرات العمود الفقري التي تكون بمرحلة تكتسب قوتها بعد فترة البلوغ”.
تعرضت الطبيبة لصدمة حينما خرجت تبحث عن مرافقيها، وتروي: “خرجت لأخبر مرافقيها بأنها فاقت، لأجد رجلاً عجوزاً، فقلت له: ابنتك الحمد لله فاقت، أي ذنب عملته علشان تزوجوها بهذا السن! فرد علي: زوجتي وليست ابنتي”.
تقول الطبيبة: “زادت غصتي، ودخلنا بشجار، وحصلت مشكلة طويلة في المستشفى، وهددني بالقتل، وقررت الانسحاب مراعاة لحالة الطفلة، وحتى لا يخرجها من المستشفى، فتسقط ضحية”.
خالد البركاني : زواج القاصرات من الأمور السلبية التي ابتليت بها بعض المجتمعات، وبخاصة الفقيرة، أو التي يكون نصيب الجهل فيها أكبر من نصيب العلم في أبنائها؛ كون كثير من المؤيدين للفكرة قد حصنوها بلباس الدين، فاعتبروها من مسلماته
علماء الدين يمنعون زواج القاصرات
خالد البركاني، مدير مكتب الأوقاف بمحافظة تعز، يرى أن زواج القاصرات من الأمور السلبية التي ابتليت بها بعض المجتمعات، وبخاصة الفقيرة، أو التي يكون نصيب الجهل فيها أكبر من نصيب العلم في أبنائها؛ كون كثير من المؤيدين للفكرة قد حصنوها بلباس الدين، فاعتبروها من مسلماته ومن ثوابته، وأصبح كل من ينادي بخلافها معارضاً للدين وخارجاً عن تعاليمه.
ويضيف: “كثير من العلماء لا يرون ذلك، ولا يفتون به، ويرون خلافه، ويرون أن لولي الأمر أن يمنع زواج القاصرات، ويحدد سناً للزواج، ومن أولئك أكبر علماء السلفية في عصرنا فضيلة الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله تعالى، وغيره من العلماء، ويسوقون لذلك أدلة من الكتاب والسنة.
ويؤكد البركاني: استدل العلماء على أحاديث، فقالوا: إن الشرع أتاح لولي الأمر اتخاذ كل ما فيه إصلاح لشأن الرعية، وفعل ما هو أدعى لحفظ المصلحة العامة، بشرط ألا يتعارض ذلك مع نص صريح في الكتاب أو السنة، فيحق له إصدار قانون بتحديد سن معينة، والحكم بعدم تزويج الصغار والقاصرات؛ لانعدام المصلحة في الغالب، وذلك من باب السياسة الشرعية، كما أن الواجب على الرعية السمع والطاعة لولي الأمر، لقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ”.
التحرش الجنسي والحرب
وفاقمت الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015، من مشاكل اجتماعية عدة في محافظات يمنية عدة، ومنها محافظة تعز، ما عاد بالضرر المادي والنفسي والاجتماعي على سكانها، ولجأ الكثير من الأهالي لأساليب مختلفة لمواجهة ظروف الحياة، فمنهم من سلك عملاً آخر، ومنهم من وجد يد العون، ومنهم من جندوا أطفالهم، وكثيرون من زوجوا بناتهم القاصرات؛ بحجج مختلفة.
ماهر العبسي، ناشط حقوقي، يتحدث عن الطفلة نورية والحالات المماثلة لها، مبيناً أن “العنف الجنسي ضد الأطفال يُشكل انتهاكاً جسيماً لحقوق الطفل، وهو يأخذ شكل الاعتداء الجنسي أو الاغتصاب أو التحرش الجنسي أو الاستغلال في الدعارة، أو المواد الإباحية، يسبب وصمة العار والخوف، وانعدام الثقة في السلطات.. وكذلك يسهم عدم التسامح الاجتماعي، وانعدام الوعي، في ضعف الإبلاغ”.
ويضيف: “تشير الأدلة إلى أن العنف الجنسي يمكن أن تكون له عواقب خطيرة قصيرة الأجل، وطويلة الأجل، وتأثيرات بدنية ونفسية واجتماعية، ليس فقط بالنسبة للبنات أو الأولاد، بل لأسرهم ومجتمعاتهم المحلية”.
ويُفيد العبسي: “أما بالنسبة لتوصيف العنف الجنسي في أوقات الحروب، بحسب القانون الدولي والإنساني، ومتى تكون جريمة حرب؟! فإنه يكون انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني؛ عندما يكون الاعتداء الجنسي الغرض منه اعتداء مثل أنماط الانتهاكات الأخرى، مثل سوء المعاملة والعنف، والذي يشمل القتل وتجنيد الأطفال، وتدمير الممتلكات والنهب، ويعتبر العنف الجنسي في أوقات الحروب جريمة حرب عندما يستخدم العنف الجنسي كشكل من أشكال الانتقام، أو لخلق أجواء من الخوف، أو كشكل من أشكال التعذيب، ويمكن أيضاً أن يستخدم بشكل ممنهج، كوسيلة من وسائل الحرب، تهدف إلى تدمير النسيج الاجتماعي”.
المطالبة بالطلاق
ويطالب والد نورية التي تعيش في منزله، زوجها بطلاقها، ليزوجها بغيره، دون أدنى مسؤولية أو شعور بتأنيب الضمير، يحاول بيعها مجدداً، كما تصف، وتناشد الأهالي احتواء أبنائهم والحفاظ عليهم، قائلة: “لو مش قادرين تتحملوا مسؤولية أطفالكم، وتوقعوا بشر، لا تخلفوا. أنا عانيت الموت بزواجتي هذه، ولم أجد بقربي أمي ولا أبي، وتمنيت الموت لحظتها، وتمنيت كثيراً لو أنهم ماتوا قبل إنجابي”.
وتضيف: “ولو كان أهلي رموني بالشارع، لكان أهون مما أعيشه، على الأقل سأحدد مصيري بمفردي، ولكنت الآن ألعب في الشارع، لا أهتم بالعملية، وأصارع الألم”.