المهرة- اليمن

مخاطر مواجهة إقليمية لصراع المهرة اليمنية

في محافظة المهرة الواقعة إلى الجنوب الشرقي من اليمن، تدور واحدة من أخطر المعارك التي تضع ما تبقى من نفوذ للسلطة الشرعية وللسيادة اليمنية أمام امتحان صعب للغاية، والأسوأ أنها مرشحة لأن تتحول إلى ساحة مواجهة إقليمية، خصوصاً وأنها تجري لتقويض المعادلة الهشة القائمة الآن بين المكونات المهرية المتوزعة الولاءات.

أشعلت السعودية الضوء الأخضر للمجلس الانتقالي الجنوبي ذي الأجندة الانفصالية لنقل نشاطه التخريبي إلى هذه المحافظة، وهي بهذا السلوك تضع ما يمكن وصفه اللمسات الأخيرة على مشروعها الحقيقي في اليمن، حيث يمثل إسقاط محافظة المهرة المرتقب بيد المجلس الانتقالي خاتمة المطاف لسلسلة طويلة من التدابير المفضوحة للإحاطة باليمن وإعادة تقسيمه، ووضع اليد على الأجزاء الحيوية من أراضيه.

لكن المسعى السعودي يواجه تحديات خطيرة، ترتكز على إرادة وتصميم قل نظيره لدى الغالبية العظمى من أبناء محافظة المهرة؛ على حماية محافظتهم من السقوط بيد المتمردين المدعومين من السعودية والإمارات، بعد أن رأوا بأم أعينهم القوات السعودية في محافظة أرخبيل سقطرى تعمل أمام أعين الشرعية على تجريد الحكومة من معسكراتها وتدير التمردات داخلها، وتنقل الأسلحة إلى عهدة المتمردين الانفصاليين وهم قلة هناك.

لقد كانت عملية سلخ محافظة أرخبيل سقطرى عن السيادة الوطنية ضربة قاصمة تلقاها أبناء المهرة، الذين يرون سقطرى توأم المهرة وشريكتها في التاريخ والمصير، ضمن سلطنة كانت تعرف بسلطنة المهرة وسقطرى، لذا ليس لديهم أي استعداد للقبول بتكرار التجربة في محافظتهم.

يوم أمس السبت كان يوماً مهماً في تاريخ المهرة، فقد استعد معظم أبناء المهرة وتحت قيادة الشيخ علي سالم الحريزي وزملائه في المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى ولجنة الاعتصام؛ لمواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات مع من يسمونه الاحتلال السعودي الإماراتي، على نحو صعّب على المجلس الانتقالي وداعميه تمرير فعالية احتشاد جرى التحضير لها تحت مسمى مليونية في محافظة لا يتجاوز عدد سكانها 150 الف نسمة.

ثمة معادلة بالغة الحساسية في الصراع الذي فجرته المملكة بمحافظة المهرة الواقعة إلى الجنوب الشرقي من البلاد، وهي أن استثمارها في بناء ولاءات داخل المجتمع العشائري للمهرة على مدى العقود الخمسة الماضية؛ لم ينجح إلا في اجتذاب القليل من الرموز العشائرية والمكونات القبلية، لهذا عملت جاهدة على تقوية فرص عناصر عرفت بمواقفها المتحولة على نحو دراماتيكي إبان فترة الصراع الذي عصف باليمن منذ العام 2011.

من الواضح أن مجتمع المهرة يبدو أكثر التحاماً وارتباطاً وجدانياً بالجارة عُمان، التي تمثل محافظة ظفار التابعة لها امتداداً عشائرياً وثقافياً لأبناء المهرة، على نحو يبدو معه هذا التداخل العشائري عصيا على أن يكسر أو تعاد صياغته كما تخطط السعودية والإمارات.

وفي المقابل، قدمت السعودية نموذجاً سيئاً في استيعاب أبناء المهرة الذين آلت مناطقهم إلى السيادة السعودية، استناداً إلى الاتفاقية الحدودية التي أبرهما الرئيس السابق علي عبد الله صالح مع القيادة السعودية في العام 2000م.

فقد عاملتهم كمواطنين من الدرجة الرابعة، وأخضعتهم لعملية تهجير شاملة من محافظتهم الخرخير، المتاخمة للمهرة، صوب مدينة نجران، وهناك يعيش معظمهم بلا هوية وفي مهن متواضعة ويخضعون لابتزاز لا نهاية له.

لقد نجح أبناء المهرة في إفشال فعاليات الانتقالي، لكن الخشية أن تعمل السعودية على تحويل الوضع في هذه المحافظة إلى سلسلة من الصراعات البينية تترتب عليها ثارات متراكمة يمكنها أن توسع الفجوة بين مكونات المهرة، وتؤسس بيئة صراع مستدام يمكن أن تخدم السعودية، وهي تخطط للحظة الإجهاز على هذه المحافظة.

وفي تقديري أن مهمة كهذه تبقى محفوفة بالمخاطر، لأن أغلبية المكونات العشائرية والاجتماعية في المهرة ترفض التواجد العسكري السعودي، وقد تتحول المواجهة معها إلى اشتباكات يمكن أن تحول المهرة إلى ساحة مواجهة إقليمية، لأنه من الصعب القبول بهزيمة المهرة، فمن شأن ذلك أن يعيد صياغة العلاقات الإقليمية وفرض معادلة لا يمكن القبول بها، خصوصاً من سلطنة عُمان التي ستتحول المهرة في ظل سيطرة الانتقالي؛ من عمق جغرافي استراتيجي إلى فضاء عدائي يمكن أن يهدد حدودها الجنوبية الغربية.

وأخيراً، فإنه من المؤسف أن تناقش قضية حيوية كهذه في معزل عن أي تأثير للسلطة الشرعية التي يفترض بها أن ترعى وتحرس وتحافظ على الأولوليات اليمنية، لا أن تتحول هذه الأولويات هامشية بتأثير الارتهان المقزز لقيادة السلطة الشرعية في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ البلاد.

twitter.com/yaseentamimi68

 

المصدر: عربي21