قراءة لدور صالح في حرب اليمن

كانت عاصفة الحزم هي الفصل الأخير في قصة التسلط والتوريث التي هيمنت على تفاصيل سنوات علي عبد الله صالح في الحكم، وانتجت لنا ملامح هذا الوطن البائس، الذي اراده بحسب رغباته المجنونة وعلى مقاس أحلامه الشريرة ..


ومع اقتراب قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من تخوم العاصمة صنعاء تزداد حدة النقاش والخلاف بين وجهتي النظر المطروحة عن موقع صالح على خريطة الصراع فمنذ سقوطة المدوي عام 2012


لم يتوقف المخلوع علي عبدالله صالح عن محاولة العودة من الهوامش الى قلب الصورة، والايحاء للآخرين بأنه مايزال اللاعب الرئيسي على الساحة اليمنية .


في لحظة فارقة عام 1978وبعيدا عن المسارات السلمية صعد صالح الى قمة السلطة، في الوقت الذي بدت فية تلك القمة بمثابة حصان جامح لا يمكن الامساك به، أو السيطرة عليه ولم يكن لديه اي رصيد سياسي او شعبي، لكنه كان يمتلك الجرأة لتحمل المخاطر، اضافة إلى ترسانة هائلة من العلاقات القبلية وبها استطاع الاستمرار والحكم لأكثر من 30 عاما، فهو زيدي من قبيلة سنحان وليس له عداء مع الأطراف الفاعلة في صناعة القرار السياسي، والشيء الأهم أنه تعلم ممن سبقوة انه سيكون اول الضحايا، اذا أقدم على المساس بخريطة المصالح للقوى التقليدية والقبلية لصالح سلطة النظام والقانون. لم يكن لدى صالح أي مشروع سياسي او رؤية تحديثية يمكنه التجديف بهما والابحار صوب المستقبل، لكن ذلك لم يمثل أي تحد لسلطته، ففي الاوقات المحفوفة بالمخاطر والتحديات يبحث الناس عن الأمن وما يلبي مطالب حياتهم الضرورية، قبل الشروع في البحث عن جسور المستقبل ..


قرر صالح أن يعمل منذ البداية بالطريقة التي تجعل من اليمن قنبلة موقوتة – على حد تعبيرة – يستطيع تفجيرها في الوقت الذي يشعر فيه أن هناك من ينازعة السلطان عليه، وحتى يصبح ذلك الاحتمال بعيدا بقدر الإمكان بنى حساباته على أن الخطر الحقيقي الذي يمكن أن يدفع بالامور خارج نطاق سيطرته ويضعف قبضته على مقادير البلاد، سوف يباغته إذا ما ترك المجال مفتوحا أمام قيام دولة حقيقية ذات مؤسسات وأجهزة رقابية تملك كافة صلاحيات المساءلة والحساب، فاعطى لنفسه السلطة المطلقة التي تتجاوز سلطة اي دستور وتتعدى صلاحيات أي منصب، بحيث يعدل الدستور متى يشاء ويمنح المناصب لمن يريد.


ثم التفت باتجاة الاقليم وما وراءه باحثا عن الاطراف التي يمكنه ان يبادلها القرار السياسي والسيادي، مقابل ان تمد نظامة بالدعم والمساندة وتكون حائط الصد الذي يمنع عنه الزوابع والعواصف إذا ما هبت عليه. بعد بذلك اصبح اليمن سماء مفتوحة تمارس فيه طائرات الدرونز لعبة الصيد ليل نهار، ومياهه مستباحة يقيم عليها القراصنة وفيها تصول وتجول البوارج والاساطيل الاجنبية . ظل صالح طوال 33 عاما الحاكم الاوحد لليمن يستأثر بمنابع القوة والمال والإعلام، ولم يدع لمعارضيه وخصومة السياسيين أي فرصة قد تمكنهم من الوقوف أمامه موقف الند..


في الانتخابات الرئاسية عام 1999 وعام 2006 كانت الوقائع والترتيبات والنتائج تؤكد انها لم تكن اكثر من انتخابات صورية تحولت فيها العملية الديمقراطية الى حملة دعاية وإعلان لتجديد سلطة صالح. لم تعد السلطة تحتمل الخروج من فلك صالح ونجله واذا ما حدث ذلك فالثمن سيكون باهظا ولن ينجو أحد من العواقب التي ستدفع باليمن نحو التشظي والاحتراب والسقوط في خضم الفوضى. بمثل هذه المغالطات كان يجري الضخ طوال العشرين سنة الماضية، عبر الخطاب الرسمي أو من خلال القنوات الخاصة للنظام لإخافة الناس وإقناعهم بأنها الحقيقة التي لا تحتمل الخطأ أو التفكير في الخروج على النظام .


غادر صالح السلطة قسرا وجاء من بعده هادي لكنه عجز عن ملء الفراغ وفشل في تحقيق أي إنجاز مع تزايد اليقين بمدى ضعفه وارتباكه أمام منظومة الفساد التي كان جزء منها، وكان صالح على يقين – عندما أصر على تسليم السلطة لهادي – ان هادي لن يحقق شيئا على حساب رصيده في الداخل أو الخارج، لذلك ظل مطمئنا بأن هناك ما ينتظرة في مقبل الايام. جاء الحوثيون من جبال صعدة وفي طريقهم نحو صنعاء جرفوا كل معارضيهم ودخلوا العاصمة، دخول الفاتحين، كان صالح مجرد جسر عبور سار عليه الحوثيون للإمساك بكل دواعي القوة والطموح..


بضغط من الشارع واستجابة للمبادرة الخليجية أعاد هادي هيكلة الجيش وإقصاء كل المقربين والمحسوبين على صالح، سواء في الحرس الجمهوري أو الأمن المركزي، أو القوات الجوية، ورغم أن تلك الخطوة بدت وكأنها مجرد إعادة تغيير في الواجهة المرئية لنظام صالح، من دون المساس بالبنية الداخلية وبموارد المال والتحالفات القبلية، التي يستقوي بها صالح، إلا أن الحرب المستعرة الان في اليمن وعليه، أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن عملية إعادة هيكلة الجيش كانت الضربة القاصمة التي أضاعت على صالح ورقة الجيش، خاصة إبعاد ابنائه واقربائه من قيادة أهم الوحدات العسكرية، ولم يدرك هادي او المحيطين به أن صالح خسر أقوى أوراقة على الاطلاق وهي ورقة ولاء الجيش، وكان يجب عليهم التحرك لملء الفراغ الناشئ في ولاء الجيش، ولكنهم للأسف لم يتحركوا وفقا لتلك الحقيقة. على ضوء ذلك تقدم الحوثيون للسيطرة على قيادة الجيش وطوعوا ولاءه بما يخدم أجندتهم.


عين الحوثيين الاشخاص الموالين لهم في قيادة وعمليات الوحدات العسكرية واركان حرب لمختلف الالوية القتالية.. اضافة لبسط سيطرتهم على هيئة ﺍﻷﺭﻛﺎﻥ ﻭﺟﻬﺎﺯ ﺍﻟﻤﺨﺎﺑﺮﺍﺕ، ومديري ﺷﺮﻃﺔ ﺍﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ووسائل الاعلام الحكومية، كل ذلك يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الحوثيين هم من يمتلكون قرار الحرب والسلم وليس صالح ..


وجد الكثيرون من ابناء الشمال أنهم امام خيارين، إما انتظار مستقبل مجهول سيتشكل في خضم الحرب، ويبدو انه لن يكون لصالحهم، أو الرهان على الحوثيين والذهاب معهم مهما كانت الاثمان والنتائج، الى طريق يبدو أقل خطرا عليهم، ولم يكن ذلك الاختيار حبا في صالح، أو ولاء له بقدر ما هو الوقوف في المكان الذي يمكنهم من خلاله الحفاظ على مصالحهم والهروب من مستقبل مجهول. 
لقد ساهمت أسباب عديدة في صنع هالة من الأكاذيب والقناعات الزائفة حول دهاء صالح وساعدته في البقاء رقما مؤثرا في معادلة السلطة وتحت الاضواء وسحرها الطاغي. 


باندلاع «عاصفة الحزم» تبددت آخر أمنيات صالح في العودة الى السلطة وتبعثرت في غبار الحرب خطط التوريث .منذ بداية «عاصفة الحزم» وفي كل خطاب او ظهور له كان يدعو ويناشد الاطراف المتقاتلة بمن فيهم الجيش لوقف الحرب الداخلية، لكن لم يكن هناك من ينصت له فضراوة النار قد تصنع النصر الذي يمكن ان تضيعه نداءات السلام.. أيضا قال إنه سيتعاطى مع قرارات مجلس الأمن بإيجابية وطالب الحوثيين بالقبول بها، لكن لم يكن هناك من هو مستعد لسماعه في غير الدور المرسوم له كغطاء شرعي لشن الحرب ضد الحوثيين والملتحقين بهم في على خطوط النار. 


.القوى التي تتصادم اليوم على رقعه الشطرنج في اليمن جعلت من صالح مجرد بيدق يتحرك وفق رغباتها وطموحاتها في النصر والتتويج..


من يشاهد الفضائيات التي تبث من صنعاء وبيروت ويقرأ الصحف الرسمية ويتابع قرارات ومواقف حكام صنعاء الحقيقيين سيدرك ان صالح مجرد حجة يرددها أمراء الحرب وسادتها ويصدقها البسطاء ..


وماذا عن قدرة صالح على العزف على وتر الارهاب لابتزاز امريكا وبعض الدول المجاورة؟ قبل سقوط صالح وفي أوج الثورة عليه ذكرت صحيفة «الديلي تليغراف» البريطانية، انه كان يلتقي في القصر الجمهوري بصنعاء بأحد قادة تنظيم «القاعدة» (سامي ديان) ليسلم لهم محافظة ابين بعد اخلائها من الجيش، وكانت الولايات المتحدة على معرفة بطبيعة ذلك اللقاء.


لقد حل موسم الخريف بزمن صالح عام 2011 فتساقطت أوراقة ولم يتبق له سوى ورقة الاموال التي بدأت بالاصفرار بفعل الحرب والحصار والعقوبات الدولية..

نسعد بمشاركتك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص