يدور الآن حديث متواتر عن بلورة خطة جديدة لمقاربة الأزمة في اليمن اختاروا لها اسم الطريق الثالث.. ومن التسمية نستشف الفكرة من وراء إنشائها والتي تدور حول اختيار حل ثالث يقع في المنتصف بين مطالب الحوثيين وصالح من جانب وما يضعونه من حلول تعجيزية للتوصل إلى اتفاق إيقاف إطلاق النار، من جانب آخر ما تشترطه السلطة الشرعية وتحرص عليه وتطالب بتحقيقه. هذه هي الرؤية التي تبدو في ظاهرها بريئة ومتفائلة في حين تدور شكوك حول أهدافها الحقيقية.
قضينا بعض الوقت نتابع أخبار الطريق الثالث ونقرأ ما كتب حوله لاسيما بعض كبار الكتاب الخليجيين وبدا وكأنهم ينتظرون المزيد من المعلومات. ويتوقون لمعرفة المزيد عنها حذراً من الاندفاع لإصدار أحكام متسرعة وبحثاً عن المزيد من المعلومات.
فما هو إذاً الطريق الثالث ؟ وكيف مات في مهده؟ وكيف طفا على سطح الأحداث؟
النقاشات تصدرت صفحات الرأي في بعض الصحف، ولم يتسع صدر الداعي لها فأعلن على الملأ أنه أوقف العمل بمبادرته وقرر أن يغلق باب الدعوة إليها بذريعة أن النقد الموجه لها كان قاسياً، وخذل بذلك دعوته وخذل من فتحوا باب النقاش حولها.
وبرغم موتها فإن وضع مزيد من المعلومات من حولها لا يزال مطلوباً لأن مثل هذه الدعوات لا تموت موتاً مطلقاً وتظل تحت رعاية أصحابها في غرفة الإنعاش.
سمعنا عن الطريق الثالث في التاريخ السياسي العربي الحديث كثيراً وزعيمه الأول كان معمر القذافي فقد تفتق ذهنه ، رحمه الله ، عن نظرية جديدة رأى أنها هي الملاذ الأخير للجنس البشري. ولا أدري من أوحى له بهذه الفكرة، أي النظرية الثالثة والتي أعلن بعدها قيام الجماهيرية الليبية العظمى.
أما في اليمن فقد بدأ الحديث عن الطريق الثالث في مجلس للعميان كما يقول فيصل علي بسخرية وهو يصف اجتماعات عقدت في خيم الشباب المعتصم في ميدان التحرير في زمن الانتفاضة على صالح.. يقول إنه شارك في الحوار وخرج من الاجتماع فاقد البصر من كثافة الدخان والنيكوتين ولم يفهم شيئاً مما قاله المنظرون وانتهت الفكرة قبل الولادة على إثر وبعد انتهاء الاعتصام.
والطريق الثالث جربه أيضاً الفلسطينيون حين بادر سلام فياض وحنان عشراوي بالدعوة للطريق الثالث بين فتح وحماس. ووصلت الفكرة إلى طريق مسدود أيضاً بعد سيطرة حماس على القطاع وتولي فياض منصب رئيس الوزراء
والآن نضيف إلى هذه الطرق المسدود، الطريق اليمني الذي تبناه عدد من السياسيين والعسكريين الذين يعيشون في المنافي خارج اليمن، ورأى الكثير من المتابعين أن الفراغ القاتل الذي وجد فيه هؤلاء السادة أنفسهم لابد أن يكون من خلال فكرة الطريق الثالث لعله يؤدي إلى الحل ويفسح لهم الطريق للعودة إلى الأضواء.
لكننا لم نفصل الفكرة التي حملتها عبارة الطريق الثالث. هي في الواقع دعوة جديدة للحرب. ونستطيع أن نشير بثقة عالية إلى أن هذه المجموعة تتجانس في نزعة يمينية متطرفة ليس في كل المواقف السياسية ولكن على الأقل فيما يخص الوحدة. ذلك أنهم يشتركون في كونهم الحاقيين بامتياز.. ومصطلح إلحاقي أعني به ذلك النفر من الجزء الشمالي من دولة الوحدة الذي يرى إلحاق الجنوب بالأصل (وكأن الجنوب عديم الأصل) واعتباره قطعة من الأرض اليمنية التاريخية و أنه قد سلب وعاد إلى الأصل من دون النظر لوجهة نظر أهل الجنوب.
هذه المجموعة إذا عادت ووجدت طريقها للحكم فلن تترك الجنوب ينعم بما ينعم به الآن.. نأمل ألا يرى الطريق الثالث النور.