عام من القبح والكارثة
مضى عام كامل حتى اليوم، منذ أن سقطت صنعاء، في 21 سبتمبر/ أيلول جرت أشياءٌ كثيرةٌ في النهر، حتى أن هذا النهر جف تماماً من الماء، وامتلأ بالدماء التي تسيل اليوم دون توقف من أجساد اليمنيين الأبرياء.
في لحظة أنانية مفرطة غلبت على تفكير المجتمع الدولي، تمكنت المليشيا من تقديم نفسها معول هدم لما يراه التفكير الغربي التهديد الأكبر لأمنه واستقراره، وأعني به "الإرهاب"، كان العالم في لحظة الأنانية تلك، يولِّدُ موجةً جديدةً وعنيفة من الإرهاب، وجهت كل عنفها ورصاصها وقبحها وحقدها على الشعب اليمني وحده، الذي كان قد قطع شوطاً مهماً على خط الانتقال السياسي إلى الدولة الاتحادية.
فيما كان مؤتمر الحوار ينعقد في موفنبيك ويتجاوز عقباتٍ عديدةً وضعها تحالفُ المخلوع صالح والحوثي، اندلعت معركة في دماج، كانت هي المفتاح لطريق مختلف تماماً سلكه المتطرفون من دعاة السلطة والتسلط، ليكون بديلاً عن طريق التسوية السياسية.
أسقطوا دماج وشردوا سكانها ثم انتقلوا إلى حاشد وسيطروا عليها، ووصلوا عمران وخاضوا معركة طويلة هناك حتى استطاعوا إسقاطها. من كان هؤلاء بحق السماء؟! بالتأكيد ليسوا مليشيا الحوثي فحسب، بل كانوا الجيش، وبالتحديد أولوية الحرس الجمهوري التي ظلت تقاوم الهيكلة وتتجمع في انساق خفية، وتوظف كل الإمكانيات الموجودة في مخازن الجيش والقوات المسلحة لإنجاح الثورة المضادة التي خطط لها المخلوع جيداً مع حليفه اللدود عبد الملك الحوثي وشبكة التأييد العنقودية التابعة له المبثوثة في كيان الدولة اليمنية كالسرطان.
مخطط إسقاط ثورة الحادي عشر من فبراير رُسم قبل أن يوقع المخلوع على توقيع انتقال السلطة في الرياض في الثالث والعشرين من نوفمبر 2011، وكان واضحاً أن عمود الثورة المضادة وأداتها القوية هو الحرس الجمهوري الذي انبرت رموز محسوبة على الحوثي في إعلان معارضتها إعادة هيكلته.
كانت قوى التغيير التي ساندت ثورة الحادي عشر من فبراير 2011 ولم تني بحملها الثقيل جداً، هدف الثورة المضادة، وكان هذا يحلو لمزاج دول وقوى في الإقليم والعالم، جرى استسهال المعركة إلى هذا الحد، إذ لم يبق في هذا العالم من خطر سوى "الإخوان المسلمين".
سرعان ما انحرفت مسار المعركة منذ اللحظة الأولى لسقوط صنعاء التي لم تسقط من الخارج، وليس الحشد المراوغ الذي تجمع في بضع خيام بمحيط صنعاء هو من أسقطها، السقوط تم من الداخل ومن القوام الهائل للجيش والأمن الذي يتمركز في العاصمة ويضع يده على معظم ترسانة الدولة من الأسلحة الثقيلة والاستراتيجية.
لم يكن الرئيس هادي رغم ممالأته لما حدث يمتلك القدرة على تغيير مجرى الأحداث، حتى بعد أن تبرع بإظهار إسقاط عمران وكأنه عملة طبيعية استعادت من خلالها الدولة نفوذها وسيادتها على المحافظة. لم يكن يمتلك نفوذا على الجيش، كان فقط يثق بالتطمينات التي تأتيه من الخارج، ولم يكن يمتلك حق الاعتراض على هذه التطمينات أو مناقشتها.
لكن يحسب لهادي أنه كان أول من نبه إلى خطورة المخطط الإيراني، حينها لم يتفاعل معه الخارج ولا حتى الداخل، فاضطر إلى ممالأة مشروع إجهاض الثورة، لأنه في حقيقة الأمر لم يكن جزءا من الثورة، على الرغم من أن رئاسته كانت نتاج تلك الثورة وتعبيراً عن إرادة مخلصة من الثوار.
تنبه الثوار إلى المخطط وقرروا إفشاله، وفي تلك اللحظة تكشفت ملامح المشروع الخطير الذي لم يكن يستهدف قوى الثورة في اليمن بقدر ما يستهدف الأمن الاستراتيجي للإقليم ويستهدف بدرجة أساسية وملحة أمن واستقرار المملكة العربية السعودية.
انكشف الحوثيون كما لم ينكشفوا من قبل حينما تورطوا في قتال اليمنيين، وبرز مخطط السيطرة على الدولة عبر توسع يعتمد بدرجة أساسية على إسناد الجيش وقيادات الدولة والسلطة المحلية في المحافظات التي تنتمي إلى المؤتمر الشعبي العام.
قدم الحوثيون أنفسهم قوة إرهابية غاشمة، تضاءل أمامها إرهاب القاعدة، وكانت اللافت أن الإرهاب الأخير أفسح المجال تماماً للإرهاب الحوثي ولم يقاومه أبداً، وتبين حينها أن الحوثي والقاعدة أداتان متوازيتان في يد مشروع هدم الدولة.
في البدء كان الهدف إسقاط الجرعة، لكن الذي سقط هو الحلم في دولة يمنية ديمقراطية اتحادية، وفي وطن يتشاركه الجميع وينعم في ظله الجميع بالاستقرار والازدهار، سقط حق الناس في المواطنة والعيش الحر الكريم، فيما بقيت الجرعة شامخة شموخ الجبال ثقيلة كالحديد على كاهل الناس، ومعها بقي مؤشر الخوف مرتفع جداً جداً وانحسرت مظلة الأمان عن ربوع الوطن.
يا لها من كارثة يا لها من فاجعة.
نسعد بمشاركتك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص