هل بدأ العد التنازلي للحرب في اليمن؟ أم أنه بعد ما يقارب السنة لا تلوح في الأفق أية بوادر لنهاية الحرب؟
هذا ما تثيره بعض التعاطيات مع ما يجري في اليمن، ومن ذلك تقرير مجموعة الأزمات الدولية الصادر في 9 فبراير/ شباط الحالي. تعيد المجموعة «جذور الانزلاق إلى الحرب الأهلية إلى عملية الانتقال السياسي بعد عام 2011م التي طغى عليها الاقتتال الداخلي بين نخب النظام القديم والمستويات المرتفعة من الفساد، وعدم قدرة مؤتمر الحوار الوطني (حجر الزاوية في خريطة العملية الانتقالية لعام 2011م) التوصل إلى توافق حول تقاسم السلطة وبنية الدولة، خصوصاً وضع جنوب اليمن حيث هناك رغبة قوية في الاستقلال».
ورأت المجموعة في تقديرها: «إن إنهاء الحرب يتطلب مفاوضات تفضي إلى تسوية مؤقتة»، وهي طالبت وأكدت في تقريرها أنه: «ينبغي أن تشمل ترتيبات أمنية تضمن انسحاب الميليشيات من المدن والعودة إلى العملية السياسية تطبيقاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (2216) والاتفاق على قيادة انتقالية».
لسنا بصدد مناقضة هذه الطروحات، بما في ذلك التوصيات في شأن الخطوات المطلوبة التي انصبت في مجملها في شأن نجاح المفاوضات بين الحكومة اليمنية والحوثيين وصالح.
ولكن هناك ما يستدعي التوقف أمامه من هذا التقرير، أولاً وما يرتبط بالأزمة اليمنية المتفجرة في طبيعتها، وفي ضمان الخروج من دوامتها الجهنمية ثانياً.
أولاً من بين توصيات مجموعة الأزمات الدولية التوصية السابعة التي نصت على: «تشجيع إجراء مشاورات مباشرة رفيعة المستوى بين السعودية وكتلة الحوثي/صالح من أجل تحسين فرص تحقيق تسوية سياسية دائمة».
في النظرة العامة تبدو هذه التوصية أو الدعوة مناسبة لجهة إخراج الأزمة من نفق الحرب المدمرة إلى أفق المعالجات الجادة لمجمل القضايا اليمنية المرتبطة بحياة الناس واستقرار البلاد واستعادة مسيرة بنائها.
بيد أن القراءة الدقيقة تظهر الخبث من هكذا دعوة، لأن لقاءات من هذا القبيل بين تحالف الانقلابيين على العملية السياسية والشرعية الدستورية إذا ما حدث على قاعدة طرفين، الأول التحالف الانقلابي والطرف الثاني المملكة العربية السعودية وفي الوضع الراهن الذي لا يزال الانقلاب بما ترتب عليه قائماً، فإن ذلك سيكون اعترافاً من المملكة العربية السعودية بهذا الانقلاب، بما يترتب على ذلك من تداعيات حول وجود التحالف العربي، ودوره، وأسباب وجوده.
نعم، مطلوب من حركة الحوثيين المبادرة بالتواصل مع المملكة العربية السعودية لا لتقديم الولاء والطاعة، ولكن لإزالة أسباب الريب والقلق من مواقف الحوثيين وعلاقاتهم الإقليمية التي لا تصب في مصلحة اليمن، وهو أمر ضروري لتعزيز علاقة الإخاء والتفاهم والتعاون.
ثم، هناك ضرورة التمسك بالمبادرة الخليجية، وما عرف بالعملية الانتقالية التي أجهز عليها الانقلابيون بعدما حققت، رغم العثرات، إنجازات غير عادية، أبرزها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي مثلت خريطة طريق المستقبل اليمني والوصول إلى إعداد مسودة الدستور.
وكما كانت المملكة العربية السعودية محطة إطلاق المبادرة الخليجية في شأن اليمن، فإن دول الخليج العربي باتت تدرك أن ما يجري في اليمن يهمها في أمنها واستقرارها، وفي شأن الأمن العربي، لذا فهي مدعوة الآن أن تعطي أهمية لدور القوى السياسية اليمنية في مجمل ما يجري في اليمن وهذا وحده الطريق الأمثل للوصول إلى تسوية سياسية دائمة.
أما ما هو جدير بالإشارة في شأن ما يسوق باسم الخيار الثالث، وهي أقرب إلى دعوة من أي شيء آخر، خصوصاً الدعوة إلى وقف الحرب والعودة إلى الحوار والسعي إلى مصالحة وطنية شاملة، وإجراء اتصالات بالمنظمات الإقليمية والدولية، والتواصل مع الدول المعنية بالأزمة اليمنية، فإن هذه العناوين تفتقد إلى الرؤى، وإلى الآلية التي يمكن البناء عليها كخيار، والأهم من ذلك أن جماعات الخيار الثالث قدمت رؤية رمادية للقضية الجنوبية التي هي قضية سياسية وحقوقية مرتبطة بخيارات الجنوبيين وإرادتهم.
في كل ما قدمته مجموعة الأزمات الدولية وما ينسب إلى ما تسمى جماعة الخيار الثالث هناك ما هو مشترك من جهتين، الأولى إغفال أن اليمن بعد الحرب ليست كما كانت قبلها، والثانية الظهور باستماتة لترميم الخرابة لا لتجاوز الأزمة.
لقد آن أوان تسمية الأشياء بأسمائها ومن دون ذلك ستبقى اليمن أسيرة دوامة الدمار العبثية.
في هذا الشأن يمكن التساؤل: ما تفسير قيام التحالف الإخواني وصالح عام 1994م والذي أدى إلى إجهاض وثيقة العهد والاتفاق والإجهاز على الوحدة من جهة؟ ومن جهة أخرى، قيام تحالف صالح والحوثيين الذي بدأ بالانقلاب على العملية السياسية والشرعية الدستورية وإجهاض نتائج مؤتمر الحوار الوطني بما تمثله من أهمية على المسيرة التاريخية في هذا البلد وفي الأبرز بناء الدولة المدنية والذي أدخل البلاد في حالة الحرب المدمرة؟ ولماذا لم ينشأ تحالف حوثي -إخواني؟ هنا يمكن القول إن أسباب الحرب في اليمن كثيرة وأطرافها عدة، لكن الأساس أن هذه الحرب إقليمية بواسطة جماعات محلية، وهي ليست حرباً يمنية- سعودية، ولا حرباً يمنية خليجية بل هي حرب مطامع إيرانية - تركية بدأت منذ مدة غير قصيرة وجرت في مناطق عدة، وكانت منطقة عمران أحد حلقاتها الرئيسية، وجرى ذلك مع تدفق السفن المحملة بالأسلحة المختلفة إيرانية وتركية.
هنا يصير التساؤل عن الأولوية المطلوبة لاستعادة العملية السياسية؟
مؤكد قد يكون إيقاف الحرب بداية، وهي ستوقف بالحسم أو الاتفاق، ولكن الأولوية لضمان عدم العودة إلى هذه الحالة الكارثية يتوقف على:
- فك ارتباط الوحدات العسكرية بصالح وإعادة تأهيلها وفق العقيدة الوطنية والعسكرية.
- نزع كامل السلاح من الإخوان بجماعاتهم الميليشاوية بمسمياتها العديدة ومنها القبلية، ومن ميليشيات الحوثي أينما وجدت.
-تشكيل قوة وتأهيلها لنزع أسلحة الجماعات المسلحة أياً كانت، ومنها الجماعات الإرهابية.
من دون هذه الأولوية يصير أي حديث عن حلول أقرب إلى استراحة لانفجار جولة جديدة من الحرب الجهنمية.
وهنا مسؤولية الأوساط اليمنية والأطراف المعنية وبخاصة دول الخليج العربي.