فاجعة عدن

ما حدث في مدينة عدن أمس الاول الجمعة من جريمة مروعة بحق عدد من المسنين الذين يحتويهم دار العجزة أمر مخيف ومرعب؛ فال«غزوة» التي نفذها أربعة أشخاص من المحسوبين على متشددين أزهقت أرواح أناس أبرياء كانوا بحاجة إلى مساعدة ورفق بهم لا الإقدام على قتلهم.
العملية شملت كذلك قتل ممرضات هنديات كن يقمن برعاية المسنين منذ عدة سنوات، حيث قامت العناصر المهاجمة باعتقال عدد منهن ومن ثم التخلص منهن بدم بارد، وهم بذلك يسددون ضربة قوية لسلمية أبناء عدن، الذين يرفضون مثل هذه العمليات الإرهابية التي تزايدت في الفترة الأخيرة بشكل لافت للانتباه وبدأت تثير قلقاً من استفحالها.
السؤال هو: ما السر وراء تزايد العمليات الإرهابية في المدينة، بعد أشهر من تحريرها من قبضة ميليشيات الحوثي وصالح؟ متى يمكن للحكومة أن تستعيد زمام المبادرة وتبدأ بتأسيس نظام أمني حازم يمنع انهيار الجانب الأمني ويساعد على استعادة الأمن والاستقرار، وهي الحاجة المطلوبة والملحة في المدينة بعد أشهر من الفوضى التي تسببت فيها الحروب الداخلية من قبل الحوثيين وأنصار الرئيس السابق؟
يجب الفصل بين الأوضاع في المناطق الجنوبية، التي استعادتها الشرعية منذ أشهر وبين الأوضاع المشتعلة في المناطق الشمالية من البلاد في الوقت الحاضر، فالجنوب توفرت له وسائل الأمان والاستقرار أكثر، بخاصة مع وجود قوات من التحالف العربي، الذي تقوده المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وعززت السودان القوات الموجودة في عدن بمئات من جنودها بهدف تثبيت الأمن أكثر وأكثر، لكن يبدو أن قيادة محافظة عدن بمختلف درجاتها لم تنجح في الامتحان الذي وجدت نفسها فيه، وبدا وكأنها لم تحقق شيئاً، بخاصة منذ عملية اغتيال محافظ عدن السابق جعفر محمد سعد، التي تبناها تنظيم «القاعدة» قبل عدة أشهر.
الأمر جلل، فلم يعد هناك شك في أن تنظيم «القاعدة» عزز حضوره في المدينة خلال الفترة الماضية، في وقت انشغلت فيه القيادات المحلية والحكومة في سجالات لا معنى لها حول طبيعة أداء كل جهة في حفظ الأمن والاستقرار في المدينة.
من الواضح أن «القاعدة» أحسن استغلال الترهل الذي أصاب الحكومة بسبب غيابها على أرض الميدان، فرئيس الحكومة خالد بحاح يزور المدينة بين فترة وأخرى من دون ترك بصمة واضحة في المدينة، ومعظم أعضاء الحكومة لا يتواجدون في وزاراتهم، ما أتاح الفرصة للمنظمات والجماعات الإرهابية لفرض أجندتها متفوقة على المهام التي يجب على الحكومة تنفيذها.
وإذا ما استمرت الأمور على ما هي عليها من دون حل سريع وعلاج جذري؛ فإن المخاوف ستتعاظم بشأن قدرة الحكومة على الإمساك بزمام الأمور في مدينة لديها الكثير من الأسس لتقديم نموذج مميز لمرحلة ما بعد التحرير، وسيتعزز دور الإرهاب أكثر وأكثر وسيكون من الصعوبة بمكان استرداد هيبة الدولة التي فقدت في الأحداث الأخيرة.
ينبغي على الحكومة أن تعد خطة محكمة للحضور الفعلي وليس الشكلي في المدينة، حضور يعود بالفائدة على المواطن الذي بدأ يتسرب إليه القلق من أن الحكومة تفقد السيطرة شيئاً فشيئاً على الأوضاع.

نسعد بمشاركتك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص