جاء إعلان الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي تعيين اللوء على محسن الأحمر نائباً للقائد الاعلي للقوات المسلحة اليمنية في 22 فبراير 2016، ليفتح الباب أمام التكهنات عن قرب نهاية المعركة في اليمن لصالح التحالف العربي بقيادة الرياض، وكذلك أعطى دلالة على نوع من التقارب بين حزب التجمع اليمني للاصلاح وبين السعودية التي تأخرت كثيرا في هذا التقارب لحاجتها الماسة لإخوان اليمن الذين لديهم دراية كبيرة بالأوضاع الميدانية في البلاد.
إذاً فما هي دوافع السعودية للاقدام على هذه الخطوة رغم تأخرها؟، وما هي دلالات هذا القرار؟، وما هي انعكاسات القرار على المشهد في اليمن والإقليم؟
أولاً: دوافع السعودية:
1ـ إطالة الحرب في اليمن:
في مارس 2015، بدأت العمليات العسكرية والضربات الجوية التي شنتها طائرات التحالف العربي بقيادة الرياض على المدن الواقعة تحت سيطرة الحوثي ولم تتوقف هذه العمليات على النحو التالي، ورغم ذلك لم يتم حسم المعركة ولم تُحقق السعودية وحلفاؤها الأهداف الأساسية التي تم وضعها قبل عملية عاصفة الحزم وهي القضاء على التمرد الحوثي وعودة الشرعية للرئيس عبدربه منصور هادي، مما جعل الوضع في اليمن بالنسبة للرياض ورطة جديدة أثرت بالسلب بلا شك على بعض قواها الناعمة، خاصة فيما يتعلق بالملف الانساني فدائما ما تخطئ ضربات سلاح الجو أهدافها، وتسبب ذلك في سقوط المئات من اليمنيين العزل، إما بسبب وجودهم بالقرب من معسكر للحوثي أو لان عناصر الحوثي في بعض الأوقات يندسون بين المدنيين، مما دفع المنظمات الدولية الحقوقية، بالتهام السعودية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في اليمن، مما نتج عنه موافقة البرلمان الأوروبي على حظر بيع السلاح للسعودية.
ومن أجل ذلك حاولت الرياض الدفع بالجنرال على محسن الأحمر للإسراع في انهاء المعركة او على الأقل إعادة السيطرة على العاصمة صنعاء والتي تمثل رمزية كبيرة في الملف اليمني، والتفرغ للملف السوري الذي ألقت الرياض فيه بكل ثقلها.
2ـ غياب البديل:
ثمة تساؤل حول لماذا تُقدم الرياض على التقارب مع محسن الأحمر المحسوب على حزب الإصلاح والقريب من السلطة في اليمن لأكثر من عقدين. ربما تكمن الاجابة في لجوء السعودية لأساليب تكتيكية في الملف اليمني فهي تعلم تماماً أن محسن الأحمر هو رجل حزب الاصلاح الذي ترى فيه الرياض حتى الآن خصماً استراتيجياً وتُحذر منه بشكل كبير، لكن الوضع الراهن في اليمن أجبرها على ذلك ولا بديل عن الأحمر ورجاله لتحسين صورة السعودية التي تدهورت بسبب هذه المعركة.
فمنذ دخول الحوثيين إلى صنعاء ولجوء الأحمر إلى سفارة الرياض في صنعاء التي أمَّنت خروجه إلى السعودية، وهي تعتبر الجنرال اليمني ورقه مهمة يمكن الاستعانة بها في أي وقت، وربما جاء هذا الوقت، كما ترى السعودية بعد تردي الأوضاع الميدانية وعدم القدرة على الحسم رغم مرور نحو عام، وكذلك بات من المستحيل أن تتجاهل الرياض حزب الاصلاح وما يقوم به رجاله في ميدان المعركة، ومن هنا جاءت الرغبة في التقارب مع الاسلاميين عبر الأحمر، حتى ولو تقارباً تكيكياً.
3ـ اقترب الحوثيين من مدن الجنوب السعودي:
خلال الأشهر الماضية حاول الحوثيون أكثر من مرة التسلل إلى السعودية عبر محافظات اليمن الشمالي مثل الجوف والتي أصبح لهم فيها تواجداً كبيراً، كما أن هذه المحافظات دائماً ما تستغلها المليشيات الحوثية في اطلاق الصورايخ البالستية على القواعد العسكرية السعودية المتواجدة في مدن الجنوب في جازان ونجران، بسبب تغاضي بعض القبائل اليمنية عن تواجدهم، وهو ما دفع الرياض إلى الاستعانة بمحسن الأحمر الذي تربطه علاقات وثيقة مع بعض القبائل في هذه المدن من أجل حث أبنائها على الانضمام للقاومة الشعبية ومن ثم يقضي بشكل كبير على التواجد الحوثي في هذه المدن ومحاصرتهم2.
4ـ السيطرة على صنعاء:
تمثل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء حتى الآن دلالة كبيرة على أن الحوثيين لازالوا يفرضون قوتهم على اليمن، وهو ما يُعد نقطة ضعف كبيرة في المعسكر السعودي، فإلى الآن لازالت الحكومة اليمنية التي تسعى دول التحالف العربي إلى إعادة الشرعية لها تمارس مهامها من عدن التي لا تزال مهددة من قبل تنظيم الدولة الاسلامية وكذلك أتباع على عبدالله صالح، ولازالت قوات التحالف يعصى عليها اختراق أيا من المدن المحيطة بصنعاء، لذا كان لابد من بذل الجهود للسيطرة على صنعاء وعودة حكومة هادي لها لممارسة مهامها وهذه العملية تتطلب وجود قيادة عسكرية قوية لديها نفوذ بين القبائل التي في صنعاء، وهذا ما يتمتع به إلى حد كبير الجنرال على محسن الأحمر.
ثانياً: دلالات تعيين الأحمر:
1ـ انقسام سعودي إماراتي:
رغم ما يعلنه الجانبان الإماراتي والسعودي حول تطابق وجهات النظر في اليمن، لكن الوضع ميدانياً ربما يخالف هذه التصريحات، فمنذ اليوم الأول للمعركة والإمارات ترفض بشكل كبير حدوث أي تقارب سعودي مع الاصلاحيين بحجة أنهم امتداد لجماعة الإخوان المسلمين التي تعتبرها أبوظبي والرياض جماعة إرهابية، ومن ثم تعيين هادي للأحمر رجل الاصلاح في الجيش اليمني كما يطلق عليه برغبة سعودية، يعطي دلالة بأن الرياض فرضت أجندتها على أبوظبي في الوضع في اليمن، بعدما شعرت بأنها باتت في ورطة كبيرة بسبب تأخر الحسم حتى الأن، وتحملها وحدها نتيجة تلك الحرب خاصة بعدما سحبت الإمارات عدداً كبيراً من جنودها في اليمن واستبدلتهم بقوات متعددة الجنسيات، تعمل كمرتزقة، بعدما خسرت عدداً من جنودها في عدن ومواقع أخرى، فأرادت الرياض بسط سيطرتها بقوة على المشهد اليمني لصالحها وتهميش رجل أبوظبي الأول "خالد بحاح" الذي أصبح الآن، رغم بقائه في منصبه كنائب للرئيس اليمني، مهمشاً بشكل كبير لصالح إعادة هادي وتحسين صورته مرة أخرى بعدما شعرت الرياض بأن أبوظبي تريد فرض أجندتها في اليمن من تحت أقدامها.
2ـ تغيير سياسة الرياض تجاه إخوان اليمن:
منذ وصول الملك سلمان للحكم (يناير 2015) وهناك حالة من تجميد الموقف مع جماعة الإخوان المسلمين من قبل الملك الجديد بعكس سلفه الراحل عبدالله الذي اتخذ اجراءات أكثر صرامة حيال الجماعة وأفرادها في الداخل السعودي وخارجه، حتى تم تصنيفها كجماعة إرهابية، والحالة الجديدة باتت مؤشراً على تقارب النظام السعودي الجديد من الإخوان المسلمين، خاصة في اليمن بسبب حاجته الملحة والضرورية للاصلاح الذي بات اللاعب الأهم في الساحة اليمنية بعد سيطرة الحوثي على البلاد في سبتمبر 2014.
وجاء التغير في المشهد اليمني لصالح الاسلاميين ليدفع الرياض إلى التقارب التكتيكي معهم، لعدم وجود البديل الجاهز والقادر على تغيير ميزان القوى في الداخل اليمني، فباتت تتعامل معهم بشكل مختلف عن ذي قبل، والآن تغض الرياض الطرف على مئات الاصلاحيين الذين فروا من مطاردة الحوثيين ودخلوا السعودية، كما استضافت عدد من القيادات الاسلامية اليمنية التي كان في بعض الأوقات ممنوعة من دخلولها مثل الشيخ عبدالمجيد الزنداني أحد مؤسسي جماعة الاخوان المسلمين باليمن، وغيره3.
3ـ الحسم العسكري:
يأتي تعيين الأحمر لرغبة النظام السعودي في الحسم العسكري بشكل سريع، وكسب خطوة في الصراع الإقليمي بينها وبين وطهران لصالحها، خاصة بعد التصرحات التي أدلى بها علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، أن إيران ستتدخل في اليمن بدعم روسي "على غرار ما حدث من تعاون روسي إيراني في سوريا والعراق، مما يربك المشهد الاقليمي ويتم تدويل اليمن على غرار سوريا4، فأرادت الرياض كسب الوقت وتغيير الوضع لصالحها في اليمن لمحاصرة المشروع الايراني.
أيضا تعتبر السعودية محسن الأحمر قادراً على أن يعيد ترتيب الوضع العسكري واستمالة عدد كبير من القبائل التي تقف على الحياد بسبب علاقاته الوطيدة بزعماء هذه القبائل للمكانة القبلية التي يتمتع بها آل الأحمر في اليمن، ومن ثم تضمن المملكة انضمام شريحة كبيرة لشرعية هادي وإعادة تشكيل الجيش اليمني تحت هيمنة الرياض5.
4ـ التفرغ للملف السوري:
منذ اندلاع الثورة السورية في 2011، والرياض ألقت بثقلها خلف المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، في إطار الصراع الاقليمي بينها وبين إيران، وزادت رغبة الرياض في وجود موطئ قدم لها في سوريا الجديدة على غرار لبنان، بعدما تطابقت وجهة نظرها مع مصالح تركيا، التي تولي هي الأخرى للأزمة السورية أولوية كبيرة في سياستها الخارجية.
وخلال شهر فبراير 2016، تأزم الوضع بشكل كبير في سوريا نتيجة التدخل الروسي الميداني الذي تسبب في تغير المشهد بشكل كبير لصالح قوات نظام بشار الأسد، هذه التغييرات أجبرت الرياض عن الاعلان عن عملية عسكرية في سوريا، اعتبرها مستشار وزير الدفاع العميد "أحمد عسيري" قراراً لا رجعة فيه6، وجاءت هذه التصريحات لتعطي مؤشراً على أنه لا يمكن للسعودية أن تقود معارك في أكثر من اتجاه، وبهذا التصريح يبدو أنها فوضت أحداً غيرها في ملف اليمن ولو إلى حين، وربما يعكس تعيين الأحمر رغبة السعودية في ترك الملف لرجل لديه هذه الخلفيات وفي نفس الوقت لا يمكن أن ينقلب عليها في داخل اليمن.
ثالثاً: انعكاسات تعيين الأحمر:
تعيين الأحمر الذي اعتبره البعض قراراً "حكيماً" و"استراتيجياً" و"جاء في وقته" يمكن أن تكون له انعكاساته على المشهد الاقليمي والداخلي في اليمن، ومن صور هذه الانعكاسات:
1ـ تغيير الخريطة السياسية في اليمن لصالح الاسلاميين:
يمكن أن ينعكس تعيين الأحمر على المشهد الداخلي في اليمن، وعلى الخريطة السياسية، فقدوم هذا الرجل صاحب الخلفية الاسلامية إلى قيادة المشهد العسكري يعني أن النظام السعودي أوكل الملف العسكري للإخوان، وهذه تعد الخطوة الأهم في علاقة حزب الاصلاح بالنظام السعودي، والتي سيترتب عليها وضعاً جديدا في المستقبل سيصب في صالح الاخوان هناك خاصة اذا ما نجح الأحمر في التخلص من الحوثيين.
2ـ تقارب سعودي مع الإخوان:
هذا التطور الكبير في العلاقة بين حزب الاصلاح وبين النظام السعودي، سيعد باباً للتقارب بين جماعة الإخوان المسلمين وبين المملكة، إذا ما نجح الإصلاح في اختبار النوايا الذي وضعته السعودية له، وهو العمل كحزب يمني تحت جناح الرياض وليس كحركة عالمية منافسة لها، وربما هذا التقارب لن يكون الآن ولكن بلا شك سيكون في الوقت القريب، لعدة أمور أبرزها أنه يُثَّبِت لدى الرياض قناعة مهمة وهي أنها لا يمكن أن تتجاهل الحركات الاسلامية المعتدلة لاسيما بعد ظهور الفكر المتشدد الذي أصبح يهدد السعودية بشكل كبير خاصة في الفترة الأخيرة عن طريق العمليات الانتحارية التي يقوم بها منتمون لتنظيم الدولة الإسلامية، فهي بلا شك ستحتاج إلى ملء الفراغ الديني الذي تعيشه أغلب دول المنطقة ولن يقوم به إلا الإخوان، أيضا في معركتها المذهبية التي تخوضها الرياض ضد طهران ستحتاج إلى ظهير اسلامي قوي عابر للدول وهو المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين.
ثالثاً: توتر العلاقة السعودية الإماراتية:
لا شك أن هذا التغيير في الاستراتيجية السعودية حيال ملف اليمن بالاعتماد على محسن الأحمر لحسم الملف العسكري والذي كانت ترفضه الإمارات منذ بدء عملية عاصفة الحزم، سيغير في علاقة أبوظبي بالرياض مستقبلاً، نظراً لإبعاد رجالها من المشهد مثل خالد بحاح الذي كانت ابوظبي تعده كخلفاً لهادي، لكن في الفترة الأخيرة عاد اسم هادي بقوة للمشهد اليمني، وايضاً قدوم الأحمر مرة أخرى للمشهد سسيعزز من قوة هادي رجل السعودية الأول، لذلك من المحتمل بشكل كبير خلال الفترة المقبلة، أن تصطدم السياسة السعودية بطموحات الامارات في المنطقة والتي يعتبرها كثيرون تخدم المصالح الإيرانية رغم محاولة الامارات إثبات عكس ذلك7.
خاتمة:
في إطار هذه الاعتبارات يمكن القول إن تعيين على محسن الأحمر إلى القيادة العسكرية في اليمن في برغبة السعودية قد منح الإصلاح اليمني ومن خلفه الحركة الإسلامية مؤشراً على تقارب سعودي جديد مع الحركات الاسلامية السياسية والتي ظل الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز في عداء شديد معها.
كما أن التغيرات الاقليمية التي تعيشها المنطقة العربية وضعت الرياض أمام خيارات صعبة عليها الاختيار بينها: إما القبول بالتغول الايراني في اليمن وتحقيق فوز إقليمي جديد لطهران على حساب الرياض، وإما التقارب مع الإسلاميين الأقل خطورة معها في الوقت الراهن، كتقارب تكتيكي وليس استراتيجي لوقف نفوذ طهران والتخلص من الحوثيين الذين باتوا يقلقوا الداخل السعودي.
وفي هذا السياق يمكن القول كذلك أن جماعة الإخوان المسلمين الآن أمام انفراجة جديد لوضعها المتأزم إقليمياً، في ظل حاجة الكثير من الأطراف الإقليمية لدعهما السياسي والمعنوي في سوريا واليمن، من ناحية، ومواجهة الحركات الإسلامية المتشددة التي أصبحت تهيمن على أفكار شريحة كبيرة من الإسلاميين منذ الانتكاسة التي مني بها الربيع العربي جراء مؤامرات الخارج، وقلة خبرة المتصدرين للمشهد السياسي، من ناحية ثانية.