إذا لم تحدث مفاجأة إيجابية تدفع نحو التسريع بعجلة الحوار القائم في الكويت بين ممثلي الحكومة الشرعية اليمنية والانقلابيين الحوثيين، فإن الأيام السابقة من الحوار لا تبشر بعودة الاستقرار طالما بقي السلاح الثقيل الذي نهبه الحوثيون من معسكرات الدولة اليمنية بأيديهم. وهذه هي النقطة الجوهرية التي يسعى الحوثيون للتهرب من البدء بمناقشتها، بل إنهم لجأوا إلى المماطلة والعبث بالوقت والتراجع عن مسار التفاوض وجدول أعماله.
هذا التسويف والتردد الذي يهدف من ورائه الحوثيون إلى نسف أمل اليمنيين في مشاورات الكويت، دفع بسمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد للتدخل شخصياً للتوفيق بين طرفي الحوار، سعياً للخروج بنتائج مثمرة، ولربط الحوار الدائر في الكويت بإعادة الأمل إلى الشعب اليمني الشقيق، وهو أمر ملح تسعى إليه دول مجلس التعاون منذ قيام الحوثيين بانقلابهم الأسود ضد الحكومة اليمنية الشرعية. وبانقلابهم دشنوا عاماً كاملاً من العنف والخراب والانهيار الاقتصادي والمعاناة وانتشار الجماعات الإرهابية التي استخدموها بالتعاون مع حليفهم المخلوع "صالح"لإرهاب الشعب اليمني وتقديم أنفسهم كبديل، وقد انكشفت خيوط كثيرة بعد تحرير مدينة المكلا من أيدي تنظيم "القاعدة"، واتضحت العلاقات الوثيقة بين الانقلابيين وحليفهم من جهة وبين "القاعدة" التي جعلت تحركاتها لخدمة المتمردين. كما أن الوسط الاجتماعي اليمني أبدى معارضة شديدة للحوثيين، الذين مارسوا ومنذ أول يوم لانقلابهم سلوك عصابات الإجرام والنهب واقتحموا مؤسسات الدولة ومعسكراتها.
كان هدف جماعة الحوثي من الانقلاب البحث عن دور سياسي بالقوة ومحاولة الظهور على المسرح، لكنه ظهور لمصلحة إيران، أما جماعتهم فإنها فقيرة سياسياً ولا تجيد سوى المماطلة وانتظار الأوامر من طهران، رغم أن الأخيرة تستخدمهم بانتهازية ومن دون أي رحمة أو حسابات أخلاقية لمعاناة المدنيين الذين حولهم الحوثيون إلى دروع بشرية، كما استهدفوا سكان المدن بالقصف والاعتقالات والاغتيالات.
التدخل المباشر من قبل أمير الكويت هدف إلى إعادة طرفي الحوار إلى طاولة المشاورات والقبول بتحديد أجندة للتشاور. وبدوره قام المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد بجهود ماراثونية، ودعمه سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وتخلل ذلك صدور بيان من المجلس شدد على ضرورة الحل السلمي في اليمن ووضع آليات للوصول إلى تسوية شاملة تنهي الانقلاب وفقاً لجدول زمني محدد.
الآن، وبعد أكثر من أسبوع على بدء مشاورات الكويت بين وفدي الشرعية والتمرد، استمر الحوثيون في المماطلة والتهرب من القبول بتثبيت جدول أعمال المشاورات، وظلت جهود القيادة الكويتية والمبعوث الأممي تصب في اتجاه إقرار جدول المفاوضات، على أساس مضمون القرار الدولي 2216 الذي ينص على أولوية الانسحاب من صنعاء وبقية المدن وتسليم الأسلحة والمقرات، ومن ثم الانتقال لبحث الإطار السياسي للحل المستقبلي.
ومن الواضح أن فشل الانقلابيين في تحقيق أهدافهم ميدانياً في اليمن دفعهم إلى السعي لتحقيق مكاسب سياسية عبر المفاوضات لتعويض خسائرهم، ومن أجل الحصول على مشروعية بعد أن أصبحوا منبوذين داخل اليمن، نتيجة لأعمال العنف التي ارتكبوها ضد المدنيين.
ومعروف أن ذهاب المتمردين إلى الكويت تم بعد موافقتهم المسبقة على جدول المشاورات، كما أن أي مفاوضات تنعقد بين أي طرفين لا تبدأ إلا وفق جدول أعمال محدد ومتفق عليه من قبل أطراف الحوار، وهو أمر تم بالفعل وسبق الترتيب لحوار الكويت على أساسه، لكن الحوثيين تراجعوا عن قبولهم بالتراتبية المنطقية للقضايا محل التفاوض.
ويبدو أن الهواية المفضلة للحوثيين هي صناعة الفوضى وإيصال الأوضاع باستمرار إلى حالة الانسداد وتفويت أي فرصة ملائمة لفتح آفاق للخروج من الأزمة التي تسببوا فيها، وأصبحت أزمة الانقلاب على الشرعية تحاصرهم، بينما يعجزون عن التعاطي مع المشهد برؤية سياسية، مثل كل الجماعات المسلحة التي تنشأ بالصدفة وتبقى مرتهنة للعنف والسلاح.