أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة في اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، وهو الوسيط في محادثات السلام اليمنية الجارية في الكويت، والتي بدأت رسمياً في الثامن عشر من إبريل/ نيسان الفائت، أن سبع نساء يمنيات وصلن إلى الكويت للمشاركة في هذه المحادثات المتعثرة. وذلك بعد أكثر من أسبوعين من تعنت أطراف النزاع في إيجاد مخرج للحرب الدائرة في اليمن، والمستمرة منذ أكثر من عام، وتسببت، وما زالت، بكوارث إنسانية ومادية ودمار للبنى التحتية، ووضعت البلاد على حافة مجاعة إنسانية. ومثل غيره من أخبار الحرب والسلم في اليمن، أحدث خبر مشاركة النساء اليمنيات الضجيج في أوساط اليمنيين، بين مؤيدٍ ومستخفٍّ ومشككٍ في فعالية دورهن في العملية المعقدة بأبعادها المحلية والإقليمية. لكن، بعيداً عن الضجيج وطحينه، يتطلب الأمر نظرة ناقدة وواعية، بحيث ينتج عن إشراك هؤلاء النسوة دور ضاغط ودافع نحو "السلام" الفوري.
ليست المشاركة النسائية في محادثات الكويت دعوة عفوية، بل هي تطبيق لقراري مجلس الأمن 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن و2122، واللذين يطالبان بإشراك المرأة "عنصراً فاعلاً في منع نشوب النزاعات، وإيجاد حلول لها، بالإضافة إلى دورها في مفاوضات السلام، بناء السلام وحفظ السلام". وقد انتزعت هذه القرارات من مجلس الأمن، بعد حملات تعبئة من الحراك النسوي الدولي، فبالتالي، ليست هذه المشاركة تفضلاً من الأمم المتحدة وأطراف النزاع، بل هي حق للمرأة.
على الرغم من إعلان تبني هذه القرارات الدولية، منذ تسعينات القرن الماضي، إلا أن المرأة مازلت تواجه تحديات كثيرة في زمن الحروب وعمليات السلام والأمن. ومن أكبر هذه التحديات التي تعيق إيجاد المرأة دوراً مؤثراً لها في سبيل السلم، هو اختصارهن المتكرّر في صورة المستضعفة، العاجزة عن التهديد، و"الضحية". ولا يتجلى هذا التصوير فقط في فترة النزاعات العسكرية، بل حتى في زمن ما بعد النزاع. وعلى الرغم من حقيقة هذا التصوير، من حيث سقوط نساءٍ كثيرات وأسرهن ضحايا لتداعيات الحرب ووحشيتها، إلا أن التكرار المستمر لهذه الصورة تضرّ أكثر مما تنفع، لأن المؤسسات الدولية والإقليمية، وحتى المحلية، بوعي أو بدونه، تسقط في فخ الصورة النمطية. وبالتالي، لا تأخذ دور المرأة على محمل الجد، خصوصاً في مفاوضات السلام، لأنها لا تتجاوز أن تكون الضحية التي تحتاج للرعاية والحماية. وبما أن صناع الحروب هم غالباً رجال، ووسطاء السلام غالباً ما يكونون رجالاً أيضاً، يتم استدعاء مشاركة المرأة في عمليات السلام في مراحل متأخرة ومعقدة من المحادثات، وبذلك تصبح قدرتهن (النساء) على التأثير ضئيلة، إن لم تكن مستحيلة. وقد أثبتت ذلك دراسات بحثية متعددة، حيث ينتقد المراقبون والمراقبات العادة السيئة في تغييب إشراك المرأة وتأجيله، ي مراحل مبكرة من مفاوضات السلام، ما يؤدي إلى اعتبار مشاركة الرأي العام المتأخرة مجرد ورقة لحفظ ماء الوجه الدولي وقرارت مجلس الأمن الملزمة. لكن هذا لا يعني أن النساء لن، ولم، يكونوا قادرين على قلب معادلة الحرب، والدفع بعجلة السلم عبر السنوات الأخيرة، بل على العكس؛ يمكن أن يحدث ذلك، كما قد حدث في النموذج الليبيري (ليبيريا) في القارة الإفريقية، حيث كان للنساء دور تاريخي في تغيير مسار العنف، وإجبار المتنازعين على الإنهاء الفوري للقتال. ويجب استذكار هذا النموذج الناجح بعد حرب أهلية طاحنة، ويُستلهم، مرجعية عمل وإعادة تطبيق لبعض جوانبه.
أعي تماماً أن النسوة اليمنيات المشاركات يأتين من خلفيات سياسية ومدنية مختلفة، لكن الرابط المشترك، والذي تمت على أساسه دعوتهن، هو النوع الاجتماعي: امرأة. هوية المرأة هي الأساس الذي تنطلق منه هذه المشاركة. ولذلك، من المهم التركيز على محورين أساسيين، السلام وحقوق المرأة. أما في سبيل المحور الأول، فيتطلب من المشاركات أن يضعن حقائبهن السياسية، ومواقفهن من الخصوم، جانباً في هذه المرحلة الدقيقة، وأن يكون الهدف الوحيد الذي ينشدن تحقيقه هو "السلام" فقط. بمعنى توقيع اتفاقيةٍ ملزمة، لإنهاء الاقتتال والالتزام بوقف فوري لإطلاق النار. السعي إلى انتزاع هذا السلام "المحدّد" واقعي، وذو أهمية عالية في هذه المرحلة. لذلك، لا بد من الاصطفاف خلف هذا الهدف. وغني عن القول إن هذا هو أكثر ما يحتاجه اليمن، في هذه اللحظة الحرجة من تاريخه، وفي ظل معاناة اليمنيين اليومية.
.. لكَوني امرأة، مشاركتكن تمثلني، سواء خُيرت أو لم أختر، أو سواء أتفق مع حمولتكن الاجتماعية والسياسية، أو أختلف معها. لذلك، من المهم أن لا تتحول داعيات سلام إلى جزء من المشكلة نفسها، ويدخلن في المفاوضات السياسية في هذه المرحلة، ويتلوثن بمنطق الحرب. والأهم أن لا تختلفوا على أسس عقائدية ودغمائية، وأن يكون ولاؤكم الأول والأخير هو الإنسان اليمني الذي انتهكت إنسانيته بكل الأشكال من مافيا الحرب. وللوصول إلى ذلك البر، لابدّ من تضافر جهودكم، لتبني أساليب ضغط مباشرة على أطراف النزاع، وإن تطلب الأمر منع الخصوم من الخروج من بوابة غرف الاجتماع إلا بوثيقةٍ تُلزم بإنهاء العداء، كما فعلت النساء في ليبيريا. لابد من تبني الفعل المباشر الذي يتجاوز الجلوس على المقاعد واحتساء الشاي، بينما تسيل الدماء. لا يحتمل اليمن مزيداً من العرائض التي أنهكت أرواحنا، ونحن نُوقِعها، ولا أمل لنا في سياسيين يقتاتون ويبنون عروشهم من الموت. هذه فرصتكن التاريخية في تفكيك صورة الضحية التي تستجدي الرحمة من مليشيات الحرب، ومن حكومةٍ غير مسؤولة، وتضغطُ في سبيل السلم بأساليب وطرق مدنية فعالة وخلاقة. سيتجاوز تأثير الدور الذي ستقمن به في الكويت إلى ما بعد النزاع، وسيُحدث فرصةً لمشاركةٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ متكافئة للمرأة اليمنية. وبذلك، تخدمن المحور الثاني من المهمة.
أرجوكن، لا تجعلن من محادثات (أو مفاوضات) الكويت محطةً لترسيخ الصورة النمطية عن المرأة "المسكينة"، بل فرصة لتفكيكها، وإعادة تركيب صورةٍ عن ذواتكن، تستندن بها للدفاع عن حقوقكن في المستقبل. في سبيلنا، حاولوا، ولو قليلاً، أن تنتزعن الحق من أجل الحياة من ثغر آلة "الموت". إذا منحتمونا هذا الوعد، أعدكن، في المقابل، أن أعتصم خلفكن، ومن أجلكن، برفقة نساء يمنيات من كل حدب وصوب، داعمين مهمتكن في منح اليمن فرصة الأمل في السلام.