زاد الحديث مؤخراً حول سعي الإمارات العربية المتحدة لشقّ اليمن ودعم انفصال جنوبه عن شماله، وعن تحكّمها سياسياً وعسكرياً في محافظة عدن العاصمة الاقتصادية للبلد الأشد فقراً في الجزيرة العربية، ومنعها وصول المعدات العسكرية إلى مدينة تعز لتحريرها من جماعة الحوثي الممولة إيرانياً، إلى جانب مساندتها نائب الرئيس خالد بحاح في إدارة البلد - كما يُشاع - بدلاً من الرئيس عبد ربه منصور هادي، قبل أن يطيح الأخير بالأول بعد أن شعر، بطبخة تحضّر لانقلابٍ ناعمٍ.
الحقيقة التاريخية تقول إن الإمارات لم تكن في الماضي سيئة مع اليمن، كما أنه لم يكن لها عداوة مع أهله، لكن مشروعها في منطقة استراتيجية تتربع على أحد أهم ممرات التجارة العالمية غامض، وهذا الغموض أوجد قلقاً جعل تكهنات الانفصال تتسع وتنتشر وتنمو لتصبح خوفاً يقضّ مضاجع مئات الآلاف من اليمنيين من أبناء الشمال الذين ارتبطوا بمصالحهم التجارية مع جنوب اليمن، بل وأصبحوا مع أسرهم سكاناً فيه منذ سنوات ليست قليلة، أضف إلى ذلك أن الغالبية العظمى من الأيدي العاملة في الجنوب شمالية.
للإمارات حساسية حول ميناء عدن ذي الموقع المهم، ولا تريد أن يكون منافساً لميناء دبي، أو هكذا يُشاع عنها وعن سرّ اختيارها مدينة عدن للعب دور مؤثرٍ فيها منذ انطلاق عاصفة الحزم والتحالف العربي في مارس/آذار من العام الماضي؛ لتهشيم المشروع الإيراني الذي تقوده أقلية تسعى لحكم اليمن بقوة السلاح والعقيدة الطائفية.
لا أحد ينكر دور الإمارات إلى جانب قوات التحالف في تخليص سكان عدن من الحوثيين، لكن حديث الناس حول منعها تحرير تعز جعلها محل شكٍّ عند يمنيين ساخطين على ممارسات السلطات الرسمية في عدن ضد الشماليين، ويرون أن أبوظبي تريد الاستحواذ على عدن فقط؛ كي تؤخر نهضة مينائها، الذي إن وُجد في ظل استقرار أمني وسياسي سيُنهي أي أهمية لميناء دبي؛ كونه يقع على مضيق باب المندب وخط التجارة العالمية.
قد يتساءل القارئ: ما موقف المملكة العربية السعودية من خطط الإمارات في اليمن؟ السعودية التي تقود تحالفاً عربياً لا يمكن أن تحمل مشروعاً لتجزئة اليمن، بل إنها ومنذ وصول الملك سلمان إلى سدة الحكم تسعى لإيجاد يمنٍ لا يسمح للمشروع الإيراني بأن يسيطر، خاصة أن فصل جنوب اليمن سيكون مفيداً لجماعة الحوثيين. كما أن المملكة تعمل على مساندة اليمنيين جميعاً اقتصادياً؛ إذ يعمل فيها الملايين، كما أنها تموّل الخزينة العامة للدولة ولا زالت ودائعها في البنك المركزي موجودة حتى اليوم.
ومثلها أيضاً ساندت الإمارات اليمنيين منذ عهد الراحل الشيخ زايد بن سلطان الذي يحظى بحب اليمنيين، لكن في الآونة الأخيرة يعتقد سكان اليمن السعيد أن بعض رجالات الدولة في الإمارات يقومون بخطوات لا تتلاءم مع خطة التحالف العربي.
وباعتقادي أن الإمارات التي تتميز بحنكة قادتها قادرة على مراجعة وتقييم مرحلة تواجدها في اليمن، فليس من صالحها خسارة سمعتها الطيبة شمال اليمن، حيث يرى ملايين اليمنيين في الإمارات قدوةً في التنمية والازدهار، طالما تمنوا نقل تجربتها إليهم.
على السعوديين والإماراتيين إدراك أن اتفاقهم حول مشروع واحد في اليمن هو السبيل لإنهاء التواجد الإيراني الذي تريد دولٌ عظمى بقاءه قرب دول الخليج.
كما أن المزاج الشعبي اليمني ليس كما يروّج له الإعلام.. فهو يختلف كثيراً وبحاجة إلى خطة حكيمة.
لفتة
الكثير من أصدقائي العرب يحدثونني عن الإمارات ودبي المذهلة ومبانيها التي تناطح السحاب، أتمنى زيارتها، لكن جواز سفري يمني، وسيبقى كنبض قلبي يمنياً.
لقلوبنا نحن اليمنيين أحلامٌ حسانٌ، لا تميلوا بوجوهكم عنّا. مثلما أحببنا تميّز الإمارات الاتحادية التي أصبحت ضمن أجمل وأحدث دول العالم رخاءً وتنظيماً وتطوراً، وبقاء دبي ونظيراتها الأخرى ضمن دولة الإمارات، نتمنى أن تبقى عدن.. يمنية.