مطلع خريف ٢٠١٤ شن الحوثيون، مسنودين بالحرس الجمهوري والقبائل، هجوماً كاسحاً على العاصمة صنعاء. كانت حرباً من طرف واحد، فلم يجدوا في طريقهم عدواً مسلحاً، وجدوا الدولة الرثة فسووها بالتراب.
وحتى نهاية ربيع ٢٠١٥، على مدار ثلاثة فصول، خرجت حروب الحوثيين من صنعاء وشُنت في كل الجهات.
كانت تلك هي الحرب. كانت تلك هي المعركة. وكان ذلك هو العدوان: كتائب مسلحة لا تخضع لأي مرجعية قانونية أو دستورية..
استغرق الأمر عشرة أعوام حتى يصل الحوثيون من صعدة إلى صنعاء، ثم أقل من تسعة أشهر حتى يكملوا الاستحواذ على الجمهورية اليمنية.
اليمن مجتمع غير متجانس، بالمعنى الديني والثقافي والاجتماعي. هو مجتمع قطاعات. ففي حين تبدو القبيلة في أعالي اليمن هي التعبير الأسمى والأجلى للمجتمع، تتلاشى تلك الظاهرة الاجتماعية في اليمن الأوسط، ثم تختفي بالقرب من البحر في جنوب غرب اليمن. في اليمن الجبل يسود مذهب ديني ذو طبيعة سياسية، مذهب يدعو إلى أن "يسارع الإمام إلى السيف كما يسارع إلى القلم"، كما تقول كلمات المؤسس.
وأنت تهبط من الهضبة في اتجاه اليمن الأدنى تجد مذهباً آخر لا علاقة له بالسيف، ولا يخوض كثيراً في جدل الحكم، لا يحرض ولا يدعو إلى الاستسلام. ذلك الغذاء الأخلاقي شارك على مدى مئات السنين في تطبيع سيكولوجية المجتمع في اليمن الأدنى ومنح الذاكرة الجماعية سكينة وهدوءاً. فلا يوجد ما يثير القلق والتوجس أكثر من الحديث عن "الخروج" و"السيف" على مر الأيام. وهو الغذاء الملغوم الذي جعل "عمالقة الشمال" على مر الأيام قلقين ومثيرين للقلق في آن.
في أقصى الشرق كان الرجل، حتى مطلع الألفية الراهنة، يضع عوداً صغيراً ليفصل بين أرضه وأرض الآخر. بينما يقتل من قبيلة واحدة في يمن الهضبة/ الجبل مئات البشر في نزاع حول قطعة أرض لا تساوي قيمتها أربعة آلاف دولار.
الفروق العميقة، على المستوى الأفقي، تجعل من سعي "قِطاع" من المجتمع إلى الهيمنة على باقي القطاعات فعلاً شبيهاً بالاستعمار، وبمقدوره أن يستفز فيهم كل ظواهر العنف والممانعة الخشنة.
وذلك هو العدوان، تلك هي الحرب.
بينما كان اليمنيون في الداخل والخارج يخوضون جدلاً موسعاً حول أيهما أفضل: الحكم المحلي كامل الصلاحيات، أم الفيدرالية .. غزت حشود مسلحة العاصمة وكانت ترفع شعار "حيا بداعي الموت حيا"...
وكانت تلك هي الحرب، كان ذلك هو العدوان.
في السادس والعشرين من مارس، بينما كانت قوات الحوثيين وصالح تسحق أحياء عدن ولحج بالدبابات، أغار طيران يتبع دولاً عربية عديدة على قوات الحوثيين وصالح.
دخلت الحرب، وكانت قائمة منذ شهور، طوراً جديداً. حصل ضحايا الحوثي على السلاح، وفقد الحوثي يده القوية. الشعب في عدن وتعز صفق لذلك الدعم الخارجي. أما الشعب في عمران وصعدة فأسماه عدواناً. لا توجد من منطقة وسطى بين "العون" و"العدوان". هما نقيضان على كل المستويات، وتلك هي القطيعة الرهيبة التي خلقها الحوثي ثم لا يكترث لها.
مع مرور الأيام، بينما طيران العون/العدوان يدك دروعه، صار يرسل مقاتليه إلى الجبهات في سيارات الهايلوكس. وكان قد بدأ تلك الحرب عبر استعراض مهيب لحشوده العسكرية وهي تجتاح تعز تحت حراسة المروحيات. أشير هُنا إلى الصور المهيبة التي التقطها الصحفي الراحل عبد الله قابل بينما كانت الحشود العسكرية الضخمة تمر عبر مدينته ذمار في طريقها إلى تعز، وكانت الطوافات في الأعلى تدخل الرهبة إلى النفوس.
كانت تلك هي الحرب، وكان ذلك هو العدوان.
بعد أكثر من أربعين ألف غارة فقد صالح والحوثي الترسانة العسكرية الضخمة واضطروا إلى الفرار من عدد من المحافظات. وحتى منازل صالح وممتلكاته صارت جزءاً من الماضي. أما الحوثي فأدرك، أخيراً، أنه لن يحكم اليمن، ولا نصف اليمن، ولا ثلثه. صار يتساءل عما إذا كان بمقدوره أن يستمر كقطاع في المجتمع، مع المجتمع لا فوقه. وفي لحظات مريرة بدت تلك الأمنية بعيدة المنال. فقد ضرب عليه بسور من العزلة الدولية، وترك بمفرده يواجه مصيره جاراً معه مصير اليمن كله.
وحتى الصديق المُحتمل "روسيا" فقد حيدت بعقود مليارية ضخمة وقعتها دول الخليج، تجاوزت ال ٢٠ مليار دولار حتى الآن. ليس ذلك بغريب على روسيا، بالنظر إلى وضعها الاقتصادي المتصدع حالياً مع انهيار أسعار النفط. فلا تزال ذاكرة العالم تحتفظ بجملة "طارق عزيز" وهو ينظر إلى الخلف منه ويرى أعلاماً أجنبية في بغداد:
"لقد باعنا غورباتشوف بأربعة مليارات دولار"
أما كونداليزا رايس فقد كتبت قبل أيام مقالاً مشتركاً مع وزير الدفاع السابق "غيتس" تقول افتتاحيته: بآلة عسكرية من الدرجة الثانية واقتصاد متهاو يخوض بوتين حرباً في سوريا.
روسيا ليس بمقدورها أن تخوض صراعاً ونزاعاً في كل أرض، ولا أن تخسر مليارات الخليج لأجل أن يستمر صالح الصماد في كتابة بوستاته التي تنفخ بروستات القارئ الذكر.
الآلة العسكرية التي خسرها صالح هي تلك الآلة التي أنفق عليها اليمن من مخصصات الصحة والتعليم والبنية التحتية خلال نصف قرن. لأسباب معقدة، يمكن تخمين الكثير منها، انحاز الجيش اليمني بآلته تلك إلى العصابات وسلم الوطن للشيخ الديني القادم من الجغرافيا واللهجة والمذهب.
لنتذكر كلاماً لأحد أعضاء فريق الدفاع والأمن في الحوار الوطني: حوالي ١١٧ ألف ضابط وعسكري ينتمون إلى محافظة ذمار، مقابل ٥٤ "حضرمياً" التحقوا بالجيش خلال عشر سنوات!
كانت بذرة العنف الأهلي واللااستقرار قد زرعت منذ زمن. ما يجري الآن هو تجليات تلك البذور القذرة، هو أغصانها وأوراقها، حصادها المُر.
الحصاد السام للبذور اللعينة
كانت تلك هي الحرب، وكان ذلك العدوان .. ومنذ زمن مبكر. وكان صالح هو خالقه الفريد.
بعد سقوط صنعاء نشر المصدر أونلاين لياسين س. نعمان مقالة ينظر فيها الرجل لزمن "تساوي القوى" بعد دخول الحوثيين صنعاء. كما لو أن الرجل كان يتخيل، على نحو ميكانكي صرف، المقص الحوثي وهو يسعى لإزالة الأجزاء الزائدة من حزب الإصلاح حتى يصبح بنفس طول حزبه.
الحقيقة أن اليمنيين غرقوا في مستنقع لزج من الكراهية الغبية وخسروا بلدهم في وضح النهار، فاتحين الأبواب لشيخ ديني متطرف وبلا خيال للانقضاض على دالة تاريخية كبيرة بحجم الجمهورية اليمنية.
تنبيهان خطيران قرأتهما في الأيام الماضية:
ما كتبه مدير قناة العربية، عبد الرحمن الراشد، في خطاب إلى اليمنيين. حذر الرجل السياسيين اليمنيين من يوم يغلق فيه موظفو الأمم المتحدة هواتفهم ويكفون عن الرد على تلفونات اليمنيين. أن يبقى اليمنيون في حربهم وحيدين حتى تغرق وديانهم بالدم.
وما قرأته قبل يومين لريتشارد هاس، أحد كبار رجال بوش الابن، في مقالة بعنوان "اختبار نوايا بوتين في سوريا". في ملاحظاته يقول هاس صراحة إن سوريا الكبيرة والمستقرة لم تعد موضوعاً يشغل اهتمامات روسيا ولا أميركا ولا أوروبا، وإن ثمة وضعاً مثالياً يمكن أن تنجزه سوريا حالياً بمساعدة المجتمع الدولي: أن تقسم إلى كانتونات صغيرة متجاورة ومتعايشة. ذلك أفضل ما يمكن أن يحدث لسوريا حالياً، يقول هاس.
كريم الخياطي، الصحفي في الجزيرة، التقط بالأمس خيطاً مهماً: ماذا لو انشغل التحالف باليمن الذي يهمه وتجاهل اليمن الذي لا يهمه. كان الخياطي يشير، بالفعل، إلى انشغال الإمارات بالاستحواذ على ميناء عدن وترك تعز للجوع والوحشية والأمراض. كذلك: انشغال السعودية بجزر المندب وترك الحوثيين يعيثون في إب والحديدة فساداً ورعباً.
... احتفل الخليج بتحرير باب المندب، وعرض ذلك النصر على العالم كله. لم يقل الخليج للعالم ولا العالم للخليج إن تحرير تعز هو نجاح يستحق العناء. هل تنتمي تعز إلى "اليمن الذي لا يهم"؟. يجري السؤال كذلك على إب.
قبل سنين كثيرةً جاء الإنجليز إلى الإمام، حاكم اليمن، وطلبوا منه أن يضم الضالع إلى حوزته. وجه الإمام سؤاله إلى رئيس الوفد "الضالع هذي بتدي خراج؟". عبر ترجمة دقيقة حصل الإمام على الإجابة "لا، الضالع فقيرة وتحتاج إلى دعم". فقال الإمام للوفد على نحو قاطع وبلا تردد: جروها.
أي خذوها لكم.
كانت الضالع واقعة ، في ذلك الحين، ضمن اليمن الذي لا يهم الإمام ولا يهم الإنجليز.
الواقع أن الحرب في طورها الجديد، دخول التحالف العربي، جعلت الحل ممكناً ومستحيلاً في آن. كان الخيار، قبل عاصفة الحزم، أن يحكم الحوثيون وصالح اليمن بشرعية النصر العسكري. أبدوا استعداهم لأن يشكلوا أجهزة بيروقراطية لا علاقة لها بالسياسة، على أن تبقى الشؤون العليا، الوطن الحقيقي، مسألة تخص عبد الملك الحوثي. وذلك نقيض كلي لفكرة الاستقلال الوطني وانقلاب شامل على مكتسبات الحركة الوطنية اليمنية في الشمال والجنوب على مدى ثلثي قرن من الزمن. كان الرجل، الحوثي، قد انزلق عشرات المرات في خطاباته إلى استخدام ضمير المتكلم في "سنفعل، سنعطيكم، سنقيم، سنساعد". كانت خطاباته واضحة: ملك يعد شعبه.
ولم يعجز عن فهم مُراد الحوثي سوى أولئك الذين تنقعوا في الكراهية العمياء والحمق اللاإرادي.
ولم يكن يمتلك من شرعية أخلاقية ولا قانونية سوى ما حصل عليه من القوة وما حصل عليه بالقوة. وفي تعز يصف الفلاحون الطريقة التي سيطر بها الحوثي على البلد ب"من تعلى هدش". لم يمر سوى وقت قصير حتى جاء العرب و"تعلوا وهدشوا". كانت تلك هي الطريقة التي ابتكرها الحوثي: من يملك المدفعية عليه أن يسوي الأرض كلها لصالحه.
قالت له السعودية: اتفقنا.
وراح يعوي.
الآن ..
وقد سوت هذه الحرب الحقيرة كل شيء بالأرض، وشققت كل شيء، الجبال والأنفس.. أوقفوا هذه الحرب بحق كل المقدسات.
. يملك حسن نصر الله ترسانة عسكرية تمكنه من احتلال لبنان، لكنه لا يفعل. يحفظ نصر الله، مثل باقي اللبنانيين، جملة "تنذكر ما تنعاد". فقد أدخلت الحرب الأهلية اللبنانية الموت والعذابات إلى كل دار. حسن نصر الله لا يمانع من أن تخوض شعوب أخرى التجربة نفسها، وقد كانت نصائحه المباشرة سبباً لما يجري في اليمن . مؤخراً اعترف محمد عبد السلام بذلك. أبعد من ذلك، فقد عرض الحوثيون على نصر الله خططهم وباركها، يقول عبد السلام.
"تنذكر ما تنعاد" هي الأغنية التي على اليمنيين أن يسمعوها الآن، وأن يعودوا إلى الحياة.
وبدلاً عن مباركته للخطط الحربية كان من المفترض على نصر الله أن يقص على وفد الحوثيين عذابات الحرب الأهلية اللبنانية، وما أحدثته من خراب سحيق في لبنان. وكيف أنها سحقت لبنان ولم ينتصر فيها أحد، بينما ضربت الخسارات عظام كل الجهات.
. لا يمكن القضاء على الحوثيين فخلف كل مقاتل حوثي هناك عشرات المواطنين يدعون له بالنصر ويباركون معركته. المحارب الحوثي مجرم قانونياً لأنه يخوض حرباً بلا مرجعية قانونية ولا أخلاقية. هذه الجماعة الإجرامية الكبيرة تتمتع بحضور اجتماعي يبارك ذلك الإجرام، وهذه ظاهرة فريدة. فالعصابات كانت، على مر التاريخ، بروزات ناتئة من المجتمع يكفي أن تقطعها وينتهي أمرها. نحن بإزاء جماعة إجرامية هي الذراع الفتاكة لجزء من المجتمع سيطرت عليه الضلالات وتحكمت في سويته وقياساته. إننا بإزاء قطاع من المجتمع يحرض ميليشياته على القتل والقتال والنهب والاستحواذ ويدعو لهم في صلاته. لا يمكن للحرب لوحدها أن تضع حداً لهذا الجنون الأخلاقي المريع. النازية فعلت ذلك، طوعت المجتمع لمنطق قاتل وتدميري، وراح المجتمع يصفق لها بينما كانت تطلق المدفعية وتحرق أجساد الأغيار. وعندما انهار كل شيء، ألمانيا مثالاً، أدرك من نجا من المجتمع حجم الكارثة.
لا بد من عامل آخر: الزمن.
والزمن بحاجة إلى هدوء، وسيرمم هذه المصيبة التاريخية. ففي لقاء صحيفة بيلد الألمانية مع شمعون بيريز قال بيريز إن سلام الأعداء ممكن على الدوام. أضاف: الذين عاشوا زمن الحرب العالمية الثانية لن يصدقوا أن ألمانيا وفرنسا صارتا معاً تقودان أوروبا.
هنا:
على أي مشروع للسلام أن يعترف بالحقيقة تلك وأن ينجز تسوية قابلة للحياة. لن تقوم التسوية القابلة للحياة إلا بعزل القطاعات عن بعض، أولاً، وبوجود رعاة خارجيين "قوات عربية متعددة الجنسيات. فمن الصعب إعادة دمج صعدة وتعز في وحدة إدارية أو حتى سياسية واحدة. لا يوجد مقاتل واحد من تعز على حدود صعدة، بينما قناصوا ومدفعجيو صعدة يدكون بيوت تعز من كل الجهات منذ أشهر طويلة!
الفيدرالية الكاملة بديلاً للحرب. كان الحوثي قد اختار الحرب بديلاً للفيدرالية!
على أن تكون تعز، على سبيل المثال، إقليماً مستقلاً بالنظر إلى كونها محافظة تضم ٢٠ ـ ٢٥ ٪ من السكان. ذلك أقل ما يمكن أن تقبل به محافظة تعرضت لعملية إجرامية بشعة وقصفت بكل أنواع السلاح، خلف السلاح وقف مواطنون يمنيون ينتمون إلى أكثر من عشر محافظات! تعز لا تريد منكم الآن سوى أن تغربوا عن وجهها، أنتم كلكم.
نظام برلماني، لا رئاسي. القطاعات المتحاربة لا يمكنها أن تعيش سلاماً في ظل نظام رئاسي. قد ينتج القطاع الأكبر سكاناً رئيساً، وذلك سيعود لتعزيز قطاعه الذي أوصله إلى المقدمة، ويتحرك الحلزون الخبيث من جديد!
لا لعودة هادي رئيساً، لا لعودة صالح زعيماً، لا لعودة عبد الملك الحوثي قائداً ولا سياسياً. هذه اللاءات الثلاثة لا بد أن تكون جوهرية في أي مشروع للسلام.
من أنتجوا هذا الدمار عليهم أن يغادروا أزمنتنا كلياً.
الجنوب وحدة كاملة، إقليم واحد، يتمتع بكافة الامتيازات التي تجعل منه ذاتي الحكم، مع علمه الخاص. خلال عشرة أعوام حدثت هذه الكارثة مرتين:
فتح اليمني الجنوبي باب منزله في الصباح وتفاجأ بعشرات الآلاف من المسلحين الهمجيين يقتحمون الأحياء والمنازل ويطلقون النار في كل الاتجاهات. كانوا قادمين من أعالي جبال اليمن. لم يغادر اليمني الجنوبي منزله قبل ذلك، ولم يحمل السلاح في مواجهة أحد.
الهروب من المعالجات الجوهرية، تلك التي تحدث تسوية مع الماضي وتلغي عوامل استمرار الحرب أو عودتها، سيجعل اليمن يراوح مكانه وسيتخلى عنه العالم بعد ذلك..
نعم،
أعلنت تأييدي لتدخل القوات العربية لمواجهة جحافل مسلحة لا تمثل أي قانون، ولا نعرف من يحركها ولا لماذا. تماماً كما فعل مثقفو البلقان وهم يناشدون الناتو ليضع حداً لهمجية ميلوسيفيتش. حتى القاضي الشهير غولدستون راح يحقق في تلك الحرب وتوصل إلى استنتاجه الشهير "حرب غير قانونية لكنها مشروعة". ثم مشروعية أخلاقية للإقليم، أوروبا مثالاً، في أن تحاول إيقاف الكارثة وأن تتدخل بقسوة وصلابة لنسف المشاريع النازية/ الفاشية المدمرة.
كانت جحافل عسكرية ضخمة تتبع عبد الملك الحوثي قد انطلقت من كل مكان وبدأت في إطلاق النار على كل من يقف في الطريق ويسألها "من أنتم؟".
أشعل الحوثي الحرب الأهلية، والحرب القطاعية، والحرب المذهبية استناداً إلى ما لديه من القوة.
وكانت تلك هي الحرب، كان ذلك هو العدوان.
وأعلنت، شخصياً، تأييدي لقوة خارجية تأتي مسنودة بأقل قدر من الشرعية الدولية "جامعة الدول العربية وقرار الرئاسة ونداءات المجتمع في وسط اليمن وجنوبه". على أن تعمل تلك القوة على تخريب السلاح الذي بيد المجرمين عبد الملك الحوثي وعلي عبد الله صالح.
البديل عن ذلك أن ندخل في حقبة ممتدة من جمهورية الخوف، ونعود إلى غابر الأزمان تحت حكم فاشست ديني منحط وموهوم، مسنود بالقبيلة المرتزقة.
كانت الخيارات واضحة: الأسود، أو الأسود منه.
ولم تقع خياراتنا بين الأبيض والأسود.
الآن، وقد صار كل شيء هباءاً منثوراً جيش صالح وحياتنا، لنوقف هذه الحرب.
لم يعد صالح يطمح للعودة سلطاناً، ولن يقدر. لم يعد الحوثي يطمح لمملكة من الجبل إلى البحر، ولن يقدر.
أما جماعة صالح، وهم البارونات الأثرياء والمرتزقة، فقد أرهقتهم هذه الحرب ويريدون الخروج من مخبئهم والعودة إلى الحياة. لقد تخلوا عن الأوهام السوداء، وبالكاد يريدون النجاة.
الأسرة الهاشمية التي رقصت على مزمار رجل الكهف أدركت الآن حجم خساراتها. نفق أولادها في الجبال والنجوع مثل القطط، وخسرت أموالها. كانت الهاشمية في صنعاء هي الطبقة البورجوازية بالتعريف الماركسي "تلك التي تحصل على الأموال بسبب وجودها إلى جوار النظام أو دورانها بالقرب منه"...
تساوينا في الآلام أخيراً، واشتعلت النار في أجسادنا جميعاً بعد أن اعتقد الحوثي أنه هيمن على مشهد النيران وتحكم بها، وأنه في مأمن.
كنا ضحاياه، ثم صار ضحية أوهامه. خسر الحوثي خسارة مرة، وفوق كل هذا صار اسم الحوثي أكثر الأسماء إثارة للاشمئزاز. إذ صار يكفي أن تقول عن جثة رجل إنها جثة حوثي حتى ينصرف عنها المارة أو يركلونها بأقدامهم.
خسر الحوثي سمعته ومصداقيته وبدا لجزء كبير من اليمنيين ليس أكثر من مثير للحروب والنزاعات، الأحمق الذي يورد المهالك.
أما بالنسبة لأصحابه فصاروا، أكثر من ذي قبل، يتشككون في جدوى الحروب التي ينادي بها. وعدهم بانتصارات سهلة وفتح مؤزر، بالغنيمة والمجد، فعادوا في التوابيت.
يحتاج اليمن الآن إلى الراحة، وأن يوضع على جهاز للتنفس..
وآن أن توقفوا هذه الحرب.
فقد تعلم اليمنيون، المجانين والطيبون ـ القوادون والمحترمون، منها درساً للتاريخ.
و"تنذكر ما تنعاد".