قام الطموح الصفوي الشيعي تاريخياً على مبدأين أساسيين: الأول ديني تاريخي وهو المظلومية والاضطهاد الذي حل بآل البيت كما يزعمون، فعززوه بطقوس التطبير ونحوه مما لم يُعهد من قبل، ومبدأ آخر حداثي ظهر بظهور الثورة الخمينية، ركبوه ووظفوه خدمة لأجنداتهم الإيرانية وهو مبدأ المقاومة والممانعة ومعاداة الشيطان الأكبر أميركا وإسرائيل، لكن الوقائع على الأرض اليوم نسفت هذه النظرية، وقصقصت جناحيها التي حلقت بهما سابقاً.
لم تعد نظرية المظلومية والاضطهاد التي تشرّبتها أجيالهم مُقنعة اليوم والكل يرى تلذذهم بسادية تتقازم أمام فعلهم النظرية الأساسية نفسها، إن كان بكتابتهم على أجساد أهل السنة بالعراق بسكاكينهم المسمومة القذرة، أو بتفخيخ مساجد أهل السنة في المقدادية، أو بالحصار الذي يمارسونه في مناطق أهل السنة بمضايا والزبداني والمعضمية ودير الزور وتعز باليمن وغيرها، بل ويصل الانحطاط الخُلقي والإنساني بنخب إعلامية وحزبية في لبنان أن تنشر صور مأكولات إيغالاً بالتشفي بمن يقضي جوعاً.
وقبل أن ينبري علينا أحدهم بالقول إن داعش تقوم بالأسوأ نقول له ومن قال لكم إن داعش تمثل أهل السنة، ألم تقاتلها الفصائل الجهادية والثورية في الشام ومنها جبهة النصرة قبل أن يقاتلها النظام وأسياده، بينما من يقوم على الطرف الآخر بهذه الممارسات دول وتنظيمات تتشدق بشعارات تدوسها يومياً.
الجناح الآخر الذي تم نتفه أيضاً هو شعار المتاجرة بالمقاومة والممانعة والعداء مع الشيطان الأكبر، لكن تم فضحه بعد الاتفاق الأميركي- الإيراني، وأظهر كيف تتناغم استراتيجيتهما وسياساتهما حتى مع الروس في تدمير هذه البلدان، بل ويتلقى حزب الله الأسلحة المتطورة من روسيا لقتل ما تبقى من شاميين، بالمقابل يتبجح نائب أمين عام الحزب نعيم قاسم بأنهم هم من يعطون الإحداثيات للطيران الروسي، هذا الطيران الذي ينسق مع إسرائيل ليس عسكرياً كما أعلنوا فقط، وإنما حتى سياسياً في تحديد مستقبل سوريا.
بالفعل سقط القناع أمام أعين من كان يُحسن الظن بهذا الحزب الإجرامي الإرهابي وسقط القناع عن دول مجرمة وإرهابية بامتياز مثل إيران وروسيا، فما قتلته هاتان الدولتان لا يشكل واحدا بالمائة مما قتلته داعش، ومع هذا يعلن بعضهم عن حرب عالمية ثالثة على الأخيرة، أية مهزلة.
فرض الحلول الخارجية على الداخل كما حصل قبل مائة عام في اتفاق سايكس بيكو التي انتهت صلاحيتها اليوم بعد أن تجاوزت عمرها الافتراضي لن يُفلح، ففي تلك الآونة كانت النخب متماهية المصالح والأهداف مع الاستعمار الخارجي ولذلك كتب لها القبول، أما اليوم فنحن نرى الشعب المنتفض وغالبية نخبه في هذه الدول المظلومة متماهية مع الشعوب برفض الاحتلال والاستبداد؛ ما يجعل فرض الحلول مستحيلاً.
أخيراً ماذا تبقى من مظلومية عاش عليها هؤلاء لقرون، ألا يرى أتباعهم مَن المظلوم ومَن الظالم؟، فهل هذا مدعاة لنبش التاريخ ليُعلم من كان المظلوم ومن الظالم، فمن الذي دعا الحسين رضي الله عنه ليخذله كما خَذَلَ من قبله والده علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فالظالم هو من ظلمهما بالتخلي عنهما، ممعناً في مسيرته اليوم بالفجور ظلماً وإجراماً بخيرية الأجناد التي بشّر بها نبينا عليه السلام، لم يتبق شيء من نسغ حياة بقائهم سياسياً وفرقياً فلكل هويته وهوية المظلومية، افتضحت بعد أن فجروا وأجرموا بدول خير الأجناد.