قبل أن تصل السوخوي الروسية إلى اليمن!

بعد انطلاق الثورة السورية، وفي أشد حالات ارتباك وتضعضع النظام السوري، لم يكن أشد المؤيدين للنظام وأكثر المناوئين للمعارضة يتوقع أن يتدخل الروس بقواتهم في الحرب الدائرة في سوريا.

لكنهم فعلوها، وها هم الآن يحمون نظام بشار ويوفرون الغطاء الجوي الكثيف لجنوده، الذين يتقدمون في أكثر من موقع.

أين مجلس الأمن؟ وأين هيئة الأمم المتحدة؟ وأين جامعة الدول العربية؟ وأين منظمة التعاون الإسلامي؟ وأين ذهبت المصالح التي تربط داعمي الثوار في سوريا مع روسيا؟

إنه منطق القوة الروسي الذي جاء بضوء أخضر أمريكي وأصبح أمراً واقعاً، وغيَّر قواعد اللعبة.

الروس وجدوا فراغاً مفيدا،ً نظراً لخلافات داعمي الثوار واستقطاباتهم وتوجسهم من بعضهم، فأخذ الروس زمام المبادرة، وفرضوا رؤيتهم للحل في سوريا، وهو الحل الذي لن يكون في صالح السعودية أو تركيا أو قطر.

حصل كل هذا بموافقة أمريكية لم تعد سريةً، فلقد أدرك العالم برمته– باستثناء المصابون بقصر النظر- أن هناك تحالفاً أمريكياً روسياً في سوريا ترعى بموجبه روسيا المفاوضات بين النظام والمعارضة بالطريقة التي تراها مناسبة، ويؤدي إلى الحل المتفق عليه سلفاً بين روسيا وأمريكا، والذي يحفظ حقوق كلا البلدين وأمن إسرائيل في المنطقة.

دخول روسيا كانت القشة التي تعلق بها نظام بشَّار الغريق، لكنها كانت أيضاً القشة التي قصمت ظهر الثورة.

 أمريكا تمنع السعودية وتركيا وقطر من إدخال أي سلاح نوعي للثوار السوريين. لكنها سمحت بدخول جيش روسي تحت سمع وبصر السعودية وتركيا وقطر. ولم تمنع عشرات الألوف من جنود الميليشيات الشيعية الآتية من إيران والعراق ولبنان وأفغانستان. ولم تمنع دخول السلاح الإيراني الصاروخي. ومع هذا ما زالت السعودية وتركيا وقطر يستمعون لوجهة النظر الأمريكية ويتقيدون بها.

فأمن الخليج لم يعد أولوية أمريكية، فأولوية الحكومة الأمريكية اليوم، هي الوقوف في وجه تمدد المارد الصيني. ولذا فأمريكا لا تريد توسيخ يديها في سوريا، فأوكلت تلك المهمة إلى روسيا، وكي تخرج أيضاً ولو بشكل مسرحي مكشوف لتقول لدول الخليج: "لقد قلت لكم إن عليكم أن تتحركوا، لكنكم لم تفعلوا، وها هي روسيا قد تدخلت!".

يبدو أن الثلاثي يدرك أن أمريكا لم تعد حليفاً موثوقاً، لكنه لا يعرف ماذا يفعل بهذا الصدد.

اليوم هناك واقع جديد. سواء أحببناه أو كرهناه. روسيا تسرح وتمرح في سوريا وتستهدف الجماعات الثورية، وعلى الأخص تلك التي تدعمها السعودية وتركيا وقطر. هذا الاستهداف قوَّى نظام بشَّار وجعله يقف على قدميه، وها هم جنوده يتقدمون بسرعة حتى باتوا على وشك محاصرة حلب.

رغم هذا التسارع الكبير ظلَّت الدول الثلاثة مرتبكة!

لنذهب للمستقبل قليلاً..

لنفترض أن روسيا استطاعت إخضاع الثوار، وهو أمر محتمل، في ضوء التعاون الأمريكي الأوربي الروسي الإسرائيلي الإيراني.

ما الذي سيمنع روسيا من محاولة التحرش بالسعودية في اليمن بعد السيطرة على سوريا؟، أخذاً في الاعتبار أن الحليف الأمريكي غير معني كثيراً بما يجري في اليمن، وأخذاً في الاعتبار أيضاً أن الروس باتوا على دراية كاملة بأن أوباما لن يتحرك للقيام بأي مواجهة في سنته الرئاسية الأخيرة، خصوصاً في الخليج الذي لم يعد يمثل أولوية بالنسبة للأمريكان؟

قد يقول البعض إن التحالف العربي قد أخذ قراراً من مجلس الأمن. لكن منْ مِن الدول الخمس دائمة العضوية على استعداد لأخذ موقف رافض للوجود الروسي القادم في اليمن، ومن سيتحرك منهم عسكرياً؟!

مجلس الأمن، هو في حقيقته مجلس لإدارة الخلافات وفض المنازعات وتقاسم النفوذ بين هذه الدول الخمس. وليس مجلسًا حقوقيًا أو عدليًا.

ذهبت أمريكا لغزو العراق دون قرار من مجلس الأمن، فهل منعها أحد، وهل أرسلت دولة واحدة من الدول دائمة العضوية جندياً أو حرَّكت قطعة بحرية صغيرة ضد الإرادة الأمريكية؟!

الجواب هو: لا.. هذه الدول لا تعترف بمجلس الأمن- رغم أنَّه محتكَرٌ عليها- حين يصدر قراراً يخالف مصالحها. إنَّه مجلس الضرار.

حسناً لنتقدم خطوة، لنفترض أن طائرة روسية عسكرية اقتحمت المجال الجوي اليمني، هل ستسقطها طائرات التحالف كما فعلت تركيا، فتدفع ثمناً غالياً كالذي دفعته تركيا؟

الجواب: لا.. لن تفعل. وأرجوكم دعونا لا نقحم الحماس والوطنية هنا، لأن المبحث جدي وليس الوقت وقت شعارات عاطفية.

قد يقول قائلٌ: ما مصلحة روسيا في التدخل في اليمن؟

الجواب: مصالح روسيا في اليمن أكثر بكثير من مصالحها في سوريا، التي تنحصر في قاعدتها العسكرية. في اليمن تستطيع روسيا إغلاق باب المندب، وتستطيع الضغط على السعودية لرفع أسعار النفط التي يئن الاقتصاد الروسي تحت وطأة انخفاضها، وتستطيع الضغط للحصول على صفقات عسكرية حقيقية بمئات المليارات، بل وتستطيع أيضاً الحصول على صفقة ممتازة من حليفتها إيران، بعد رفع التجميد عن أرصدتها.

هل داعمو الثوار في ورطة؟

نعم.. هم في ورطة. تأخروا في دعم الثوار حتى تدخلت روسيا. واليوم يقفون متفرجين على روسيا وهي تغير كفة المعادلة في سوريا، وتعيد إيران وكلابها من الباب بعد أن أخرجها الثوَّار من النافذة.

عليهم أن يعترفوا أن الوضع خطير جداً، وكل يوم يتأخرون فيه يزيد ورطتهم ويفاقم أزمتهم.

ما الحل؟

تقول العرب: من أمِن العقوبة أساء الأدب. وهذا يصح أيضاً في السياسة.

على السعودية وتركيا وقطر تجاهل القرار الأمريكي، والبدء بإرسال مضادات الطيران للثوار. ماذا ستفعل روسيا؟ هل ستقصف الدول الثلاث فتغامر بتدخل الأحلاف التي ينتمون إليها وخصوصاً حلف الناتو؟ لا أعتقد أن هذا احتمال وارد، لأنه قد يحرك العالم الإسلامي والتجمعات الإسلامية في شرق العالم وغربه ضد روسيا. ولاحظ هنا أن المواجهة الثلاثية لروسيا في سوريا تعني أن حلف الناتو سيصبح معنياً، نظراً للوجود التركي كطرف في المواجهة المباشرة، على العكس مما لو كانت المواجهة في اليمن، حيث ستكون السعودية وحلفها العربي وحدهم في مواجهة روسيا!

الأمر الآخر الذي ينبغي على الدول الثلاث التلويح به في وجه الغطرسة الروسية، هو تحريك مجاميع الفتوى الإسلامية لاستصدار فتاوى تهدد التواجد الروسي في سوريا، وتعتبره محارباً للمسلمين، وبالتالي يجوز مهاجمته فوق كل أرض وتحت كل سماء، لأن كونه محارباً يعني أن المواجهة معه مفتوحة...

لا بد من تصعيب الأمر على روسيا ما دامت في سوريا، كي لا تفكر في تكرار المغامرة في اليمن أو في أي بلد آخر، وهذا لن يكون ممكناً ما لم تتجاهل الدول الثلاث وجهة النظر الأمريكية بعدم إرسال مضادات الطيران للثوار.

كيف يمكن فعل ذلك؟

الأمر ليس بالهين، لكنه أيضاً ليس بالمستحيل. ولعل مبرر صنع منطقة آمنة في الشمال يكفي لأن يثير غضب الروس، ويدفعهم لارتكاب حماقة ما كقصف المنطقة الآمنة تبرر للثلاثي، وخصوصاً لتركيا، إرسال مضادات الطيران.

وهنا يمكن الاستعانة بالتحالف الإسلامي الذي صنعته السعودية كي يشارك تركيا تحت غطاء عربي وإسلامي في عمل المنطقة الآمنة، أو بدعوى الحرب على داعش.

هناك أكثر من طريقة، والروس من النوع الذي يسهل استفزازه كي يرتكب الأخطاء. لكن ينبغي أن تعض على أسنانك في حال استقبلت ردة فعلهم الأولية.

الروس في ورطة اقتصادية، وورطة أوكرانيا العسكرية. وحصار أوروبا. وفقدهم لاتفاق الغاز مع تركيا سيصعب أوضاعهم أكثر. ووضعهم في سوريا سيء، فهم قد جاءوا ظانين أن المعركة ستكون نزهة، وأن حليفهم سيكسب الحرب خلال شهر أو اثنين من تدخلهم، وها هم يكتشفون صعوبة المعركة وجبن جنود بشَّار وميليشيات إيران، وخطورة المستنقع الذي دفعهم إليه الأمريكان للقيام بالأعمال الوسخة نيابةً عنهم.

إن توفير مضاد الطيران سيؤدي إلى إغراق روسيا أكثر فأكثر في المستنقع السوري، وإلى إسقاط نظام بشَّار، وخسارة إيران لسوريا ولبنان.

كما أنّه يعني ما هو أكثر بالنسبة للسعودية. حيث سيؤدي إسقاط نظام بشَّار إلى جعل سوريا الجديدة سكيناً في خاصرة النظام العراقي التابع لإيران، الأمر الذي سيمنع إيران وحلفاءها من بسط سيطرتهم على العراق، والاستفادة من مخزونه النفطي الضخم. ليس هذا فقط بل سيجبر إيران على صرف الكثير من مخزونها النقدي الذي تم رفع التجميد عنه في العراق، بدلاً من استثماره في التمدد أكثر فأكثر في المنطقة العربية.

ما زلنا في زمن الإمكان. وما زال في الوقت متسع لإحداث تغييرات جدية تحمي المنطقة من التفتيت والفوضى والإرهاب، الذي تدعمه روسيا وإيران، وتغطيه أمريكا.

الأفكار كثيرة، والأماني أكثر. واللحظة تاريخية. والكبار هم فقط من يصنعون التاريخ. وأما الصغار فيقرؤونه. وأما المترددون فيبكون على النفوذ المسكوب.

نسعد بمشاركتك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص