لا حديث يدور في أذهان اليمنيين، هذه الأيام، سوى عن وضع بلدهم المحتقن، ومآلات مستقبله، وما تحمله لهم الأيام في جوفها، من تخوفات وشكوك، في ظل حرب طاحنة، حصدت آلاف الأرواح في شمال اليمن وجنوبه، وزرعت الفتن والبغضاء والكراهية، بين أبناء الوطن الواحد، ومع انهيار مؤسسات الدولة، والتكوين السياسي المعقد للبلاد، ومع غياب العمل السياسي الموحد للعمل الوطني، والافتقار لوحدة الهدف والمصير والأساليب بين القوى السياسية، مما يسفر عن مآزق مستمرة ومتتابعة، على نطاق غير مسبوق، ومناخ دائم الاحتقان والتوتر، واستقطابات أو انشقاقات رأسية وأفقية حادة.
لكل من المخلوع صالح والحوثيين، في تحالفهما ضد مخرجات الحوار الوطني ومسودة الدستور اليمني الجديد، أسبابه الخاصة به، لكنهما يتفقان في قضية واحدة، هي رفض أي فكرة، من شأنها أن تحدث تغييرا، على صعيد الأرض والسلطة؛ ولذلك زعم الحوثيون وحليفهم المخلوع صالح، أن حربهم ليست إلا حربا دفاعية؛ لمنع تفكيك الجغرافية اليمنية، فوقفوا ضد فكرة الأقاليم، وتحويل اليمن لدولة اتحادية؛ لأن ذلك سيفقدهم النفوذ والسيطرة على اليمن بأكمله، وسيفكك شبكة المصالح غير المشروعة، التي بناها المخلوع صالح طوال فترة حكمه، والتي يعتقد الحوثيون أنها ستؤول إليهم ذات يوم.
الحرب الدائرة في اليمن ببعديها الداخلي والخارجي، أزاحت الستار عن حزمة من الحقائق الجديدة، والأوضاع التي كانت في طور التخلُّق، قبل أن تندلع هذه الحرب بسنوات، والتي يبدو أن مسارها، يتجه لتشكيل يمن جديد، أكثر قبولا لدى غالبية اليمنيين، يمن اتحادي مكون من ستة أقاليم، أمامه تحديات كبيرة، لا سيما استعادة الدولة والوحدة الوطنية، عقب حرب، أحدثت تصدعات خطيرة في النسيج الاجتماعي، وفتحت الباب لدعوات التمزق والشتات، وإنكار وحدة شعب موجودة وقائمة منذ آلاف السنين..
وإذا كانت دول الخليج منذ 26 مارس/آذار 2015م، أصبحت شريكة ومسؤولة بدرجة رئيسية، عن كل ما يجري في اليمن، حاضرا ومستقبلا لسنوات طويلة، فإنه بمجرد توقف الحرب، ستبدأ ملفات شائكة في الظهور، لذا سيكون من المهم لدول الخليج والسلطة الشرعية، التفكير في التالي لما بعد الحرب، بقدر كبير من الحكمة والعدل والحزم، وسيكون عليها رعاية حوار سياسي وطني، يضع الصراعات في سياقها الحقيقي ومسارها الصحيح، إضافة لصياغة عملية سياسية متوازنة، لا تسمح بتجاوز أي مكون سياسي يمني، عدا التي لا تلتزم بالعمل السياسي وقواعده المتعارف عليها، من نبذ للعنف وإيمان بالدولة والديمقراطية وحقوق الإنسان.
ستنتهي الحرب، لكن هناك أشياء، ينبغي القيام بها، على صعيد استعادة مؤسسات الدولة، وبنائها على أسس وطنية، وفي مقدمتها الجيش والأمن والقضاء، ناهيك عن إعادة الإعمار ومعالجة الوضع الاقتصادي، ومن المؤكد أن العملية السياسية، سيطلق لها العنان، بمجرد انتهاء الحرب، والتي قد تثير غضب البعض، ممن لديه نزوع للانتقام، وهو ما يجب التيقظ له من الآن، فالثأرات السياسية ستعيد البلاد للخراب والفوضى، ولن يحافظ على استقرار ووحدة اليمن، إلا أن يتم التحول للمسار الديمقراطي، الذي يفضي للانتقال من هيمنة الفرد، أوالحزب الواحد، أو المنطقة الجغرافية الواحدة، إلى التعددية السياسية، في دولة مواطنة يمنية، تحمي الحقوق والحريات، وتحترم التنوع، وترعى مصالح جميع اليمنيين.