ترد في الشعر وفي بعض الأمثال والمقولات العربيّة عبارات تعزّز مفهوم الخيبة نتيجة التضارب في الجمع بين متناقضين. ويصدق في هذا المجال مثل شعبي شامي على حال ملالي "إيران" الذين حاولوا معاندة التاريخ والجغرافيا وهم يرسلون ويجنّدون المرتزقة في دمشق وصنعاء فانطبق عليهم المثل القائل "لا طال بلح الشام ولا عنب اليمن".
وعلى الرغم من الحلف المخاتل بين "بوتين" والملالي إلا أن صفقة تقاسم المصالح بينهما في سورية تسير من خيبة إلى أخرى. وسبب ذلك أن لكل واحد منهما سبباً معلناً وأسباباً مخفيّة في غلاف من المخاتلة وانتهازيّة "الاعدقاء" frenemies. عبر وسائل الإعلام يظهرّ سبب روسيا وإيران المعلن بأنّه حماية النظام الحليف القديم للدولتين ولتعزيز العلاقات التي بدأت نشطة وحميميّة منذ زيارة "بوتين" لطهران وهو يحمل مخطوط مصحف "عثمان" هديّة للمرشد علي خامنئي في نوفمبر 2015. ومن الأسباب التي تطفو على السطح هو النكاية المشتركة بالأميركيين والغرب الذين قادوا بقيّة دول العالم -رغبة ورهبة- لعزل الدولتين ردحاً من الزمن.
وللروس أسباب أخرى في سورية مع عودة الروح "القيصريّة" في سلوك "بوتين" الذي أراد تأكيد حضور بلاده في الشرق كراعية للكنيسة الشرقيّة بعد جموح "علمانيّة" أوروبا وانحسار الدور الأميركي في المنطقة. ويأتي الحضور العسكري الروسي في سورية مدعوماً ببركات الكنيسة الأرثوذكسيّة في روسيا التي وصفت قتال الجيش الروسي في روسيا بأنه "معركة مقدسة". والكنيسة التي غابت عقوداً طويلة أصبحت في عهد "بوتين" شريكاً حاضراً في حياة المجتمع الروسي بقناعة "بوتين" نفسه ضمن سياسة تبادل المنافع. وكيف لا وبطريرك موسكو وعموم روسيا كان قد وصف "بوتين" أثناء حملته الانتخابيّة لفترة رئاسيّة ثالثة بأنه "معجزة الرب". ومن جهة أخرى فلازال حلم "روسيا العظمى" متضخماً في ذهن العسكريّة الروسيّة ولهذا فإن تموضعها في ميناء "طرطوس" السوري قد يحقق رضا معنوياً بوصفه الميناء الوحيد الذي تتحكم به روسيا خارج جزيرة القرم.
أما الدعم السياسي الروسي لنظام الأسد فقد سبق الدعم العسكري وقد كان واضحاً منذ الأيام الأولى لاندلاع الاحتجاجات في المدن السوريّة حيث استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) أربع مرات (أكتوبر 2011 وفبراير 2012 ويوليو 2012 ومايو 2014) لمنع مجلس الأمن الدولي من إدانة حكومة بشّار. ويلتقي الإيرانيون مع الروس في الكثير من الأسباب غير المعلنة ولكن للإيرانيين أيضاً أسبابهم الخاصة. وأول هذه الأسباب هو دعم نظام تابع في عاصمة "الأمويين" المتصلة ببغداد عاصمة "الرشيد" التي وسموها بوسومهم وسمومهم. وفي الوجود الإيراني في سورية أيضا دعم مباشر للحليف القريب "نصر الله" الشريك ومتعهّد صناعة الموت في سورية ولبنان بنشاطه الكبير في حفلات الدم والدمار.
ومع تكاثر أعداد الضحايا الإيرانيين إلا أن من الأسباب الإيرانيّة الخاصة للتمسك بدمشق، ولو في ذيل "بوتين" هو تخفيف آثار الكابوس المقلق في اليمن الذي سبّبته "عاصفة الحزم". ربما أدرك الإيرانيون أن المبرر الأفضل بعد "العاصفة" هو الادعاء بأن عنب اليمن "حامض" ويمكن تعويضه ببعض "بلح الشام" حتى ولو شابه شيء من "مرارة" الصلف الروسي.
قال ومضى:
العظماء يصنعون التاريخ والفاشلون يتساءلون أين كانوا وقتها.