كنت ومازلت ممن يؤمنون بأن القبيلة شاركت بشكل أو بآخر في تعزيز بعض أشكال الفساد والمحسوبية خلال العقود الماضية عندما سمح لها نظام الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح بالتأثير سلبا على القرار السياسي والإداري في البلد، إلا أن الفجور في الخصومة وتحميل القبيلة وتحديدا المحيطة بصنعاء مسؤولية سقوط العاصمة بيد جماعة الحوثي أمر غير منصف ولا يخدم جهود انتزاع اليمن من براثن الانقلاب الامامي الحوثي.
يلومون القبائل ويحملونها مسؤولية سقوط صنعاء بيد جماعة الحوثي. وعندما تعلن بعض الشخصيات القبلية تأييدها للشرعية والجيش الوطني، يسخر ذات الأشخاص من ذلك ويقولون بأن موقف القبيلة يتحول دائماً "مع من غلب". السؤال هنا: ما هو الدور الذي كان يجب على القبيلة أن تقوم به وهي تشاهد الدولة بمختلف مؤسساتها وعلى رأسها الجيش والأمن يسلمون صنعاء لجماعة الحوثي؟
ما الذي تريده من القبيلي الساكن حول صنعاء وهو يشاهد معسكرات الدولة تُسلّم للحوثيين وقيادات الجيش المحترمة تُسحل في معسكرات الدولة؟ في الوقت الذي يجتمع فيه وزير الدفاع مع قيادات الانقلاب ويأمر بصرف البطانيات والغذاء للمليشيات التابعة لها..!!
هل كنتم تريدون للقبيلة أن تقاتل بدلا عن عبدربه ووزير الدفاع؟! بدلا عن الجيش؟ تابعت القبيلة مشاهد احتلال جماعة الحوثي لعمران بدقة، وفهمت بأن الدولة بنفسها تعمل على تسليم عمران للحوثيين. أذكر بأن أحد القيادات العسكرية وهو من أبناء عمران أكد لي والحرب على اشدها بأن الطيران ينفذ طلعات جوية ليضرب في مناطق بعيدة تماما عن تواجد الحوثيين وأحيانا يضرب قوات الجيش وهذا ما جعل أبناء عمران يؤمنون بأن المعركة ستنتهي لصالح الحوثيين لأن هناك من يريد ذلك.
من يجب أن يُلام أولا؟ الدولة أم القبيلة المحيطة بصنعاء؟ في نهاية المطاف ليس أمام القبيلة إلا أن تخضع لمن يملك قوة الدولة لأنها إن قاومت وحدها فستتحمل تكلفة المقاومة منفردة وستخسر في نهاية المطاف، فجماعة الحوثي كانت تتسلم سلاح الدولة وتقوم بدورها.
أين كان هؤلاء في بداية 2014 عندما كانت قبيلة حاشد تصرخ وتطالب الدولة بالتدخل لمنع الحوثي من تجاوز صعدة والسيطرة على عمران؟ ألم يكونوا وقتها مبتهجين لأن الحوثيين يحاربون آل الأحمر؟ أين كانوا عندما كنا نحذر ونقول بأن سقوط حاشد بيد جماعة الحوثي يعني سقوط صنعاء؟ أين كانوا عندما كنا نطالبهم بالتخلي عن الأحقاد من أجل حماية الجمهورية وأن آل الآحمر خطأ يمكن تصحيحه بينما الحوثيين والامامة خطر سيلتهم الجميع؟!
الذي حدث أن الحوثيين اشتروا وخدعوا المثقفين والحداثيين لـ "يطبّلوا" لجماعة الحوثي عبر بعض الوسائل كرها في حزب الاصلاح وشخصيات قبلية حاشدية بارزة أمثال آل الأحمر وقبيلة حاشد نفسها الأمر الذي اتخذته مليشيات الحوثيين كحصان طرواده لتكتسح به الجماعة المحافظات حتى وصلت عدن. واليوم يحملون القبائل المحيطة بصنعاء مسؤولية سقوط صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014.
بالتأكيد، من المفترض أن يكون للقبيلة دور في الحفاظ على العاصمة، لكن عندما تفعل الدولة ذلك أولا لأن ذلك واجبها الأساسي حتى تقاتل القبيلة إلى جانبها، لا أن تُترك لوحدها في مواجهة جماعة قاتلت النظام وجيشه الجرار لسنوات طوال.
من الحكمة أن يؤمن الجميع بأن أغلب القبائل المحيطة بصنعاء تعاطت مع جماعة الحوثي وأيدتها مرغمة وليس برضاها بعد أن سيطرت الجماعة على كل شيء ولم يعد أمامها أي وسيلة فعالة يمكنها أن تعيد الأمور إلى نصابها. ومن المجحف اتهامها بالتواطؤ والارتزاق والتقليل من قدرتها على تحرير مناطقهم والعاصمة صنعاء من سيطرة الحوثيين من أجل مستقبلهم ومجتمعاتهم.
لا أنكر هنا أن لبعض الرموز القبلية دوراً في اكتساح الحوثيين مناطقهم، وثمة أسماء وشخصيات قبلية شاركت بفاعلية بالقتال والحشد والتمويل والقتل والتدمير، وهذه قيادات يجب أن تُحاسب على ما اقترفته. لكن أن يتم اتهام المكون القبلي بإطاره العام بالتخاذل والخيانة فهذا أمر غير منصف. و الحقيقة، أن الجميع اشتركوا في صناعة الحوثي كما صنعوا صنم المخلوع، وعلى الجميع أن يتوب عما تسببوا به لهذا الشعب الطيب، وأن يقيّم ما قام به خلال السنوات الماضية، وأقصد بالجميع هنا، الدولة والقبيلة والنخبة المثقفة من كتاب وصحفيين ومدونين وادباء وحقوقيين.