اعتبرت ليندا بيري Lynda Barry رسّامة الكرتون الأمريكيّة الشّهيرة أنّ الهواتف الذّكيّة أعطتنا الكثير ولكنّها أخذت منّا ثلاثة عناصر مهمّة وأساسيّة للابتكار، وهي الملل، والوحدة والفراغ وقالت إنّها لطالما كانت مصدر جُلّ الأفكار الإبداعيّة. و لكن مع وجود التّكنولوجيا في عصرنا الحاليّ فالأمر أصبح مختلفا بالنّسبة إليها.
ربيع 2016، قامت رسّامة الكرتون و القصص المصوّرة الشّهيرة الأمريكيّة Lynda Barry هي كاتبة كذلك وأستاذة جامعيّة، قامت بطلبٍ ملفت لطلبتها قبل أن تقدّم محاضرةفي مركز Goddard لرحلات الفضاء و هو تابع للنّاسا، إذ أنّها طلبت من جميع الموجودين التّخلّي عن هواتفهم الذّكيّة ¤و جميع أجهزتهما لالكترونيّة و تركها جانبا حتّى نهاية المحاضرة وشمل ذلك حتّى حواسيبهم المحمولة لأنّها اشترطت أن يكتب الجميع بأيديهم أي بالورقة والقلم.
وفي هذا الخصوص لدى Lynda Barry وجهة نظر حيث أنّها تعتبر أنّ "زرّ الحذف أو المحو" في الأجهزة الالكترونيّة يجعل من السّهل إلغاء أيّ فكرة يحوم حولها أيّ نوع من الشّك فيتمّ إلغاؤها وتعويضها سريعا، بينما الكتابة باليد حسب قولها ليس فيها رجوع إلى الخلف فحتّى إن لم نكن راضين عن تعبير معيّن في الجملة قبل أنّ نذهب إلى الشّطبأو رمي الورقة، قد يأخذنا الموقف لابتكار صياغة أخرى للجملة ننقذ بها المعنى و هكذا تكون الكتابة باليد قد قامت بتحفيز فكرنا و ابتكارنا أكثر.
Barry تحدّثت كذلك عن المواقف المملّة الّتي كانت في السّابق تشجّع المرء على الإبداع، فذكرت مثلا الانتظار في قاعة جلوس قبل موعد ما و قالت أنّه في السّابق كان النّشاط الطّاغي هو مطالعة كتاب، الشّيءالّذي كان ينمّي فكرنا و ثقافتنا و يصقل حتّى مهارات كتابتنا و ذكرت كذلك مثال اجتماع طويل و مملّ قد يعمد الأشخاص الحاضرون فيه على "الخربشة"و رسم أشكال مختلفة على الورق حتّى إن لم يكونوا أشخاصا يجيدون الرّسم، الشّيء تعتبره Barry فنًّا لأنّها تقول أنّ في الأمر استجابة عصبيّة للملل و كنتيجة لذلك نفرز إبداعًا.
حالة الممل و الضّجر لـBarry إذًا محرّك أساسيّ للإبداع و لكنّها أكّدت أنّ ما يقوم به كثيرون من خربشة قد لا يمحو حالة الملل تمامًا و لكن قد يجعلها على الأقلّ مقدورًا عليها و وضعت تشبيها طريفا للأمر حيث شبّهت اجتماعا مملّا دون فعل شيء بعمليّة فرك مبشرة على الوجه بينما اعتبرت حضور الاجتماع مع القيام بالخربشة كأنّه فرك للوجه لكن بليفة الصّحون، فبالتّالي هناك انزعاج في الحالتيْن لكن على الأقلّ الحالة الثّانية يمكن احتمالها لمدّة أطوَل.
Barry كذلك تحدّثت عن مثال مهمّ آخر، و هو الملل في القطار أو المتروو قالت أنّه قبل سنوات حتّى وإن لم يتوفّر كتاب بحوزة المسافرين، فالنّاس كانوا يلجؤون للحديث مع بعضهم لتقصير مدّة الرّحلة الأمر الّذي كان يصقل المهارات الاجتماعيّة للأشخاص.
خلاصة القول أنّ حالة الملل كانت نعمةً تعود علينا بالفائدة على أكثر من مستوى و كانت أساسا محفّزا كبيراللابتكار و الإبداع. أمّا الآن وجود هذه الحالة أصبح مهدَّدًا بوجود ألعابٍ على الهواتف مثل "كاندي كراش" و بوجود منشورات بلا معنى على مواقع التّواصل الاجتماعي.
الرّسّامة Barry قالت أنّها تدين بموهبتها لوالدَيها اللّذيْن كانا يتركانها وحيدة بالبيت عندما كانت صغيرة، فحينها كانت تأخذ ورقة و قلما و تقوم برسم شخصيّات كرتونيّة ثمّ تعطيهم أسماء و تتخيّل حوارات بينهم و من ثمّ حكايات تجمعهم حتّى أصبحت تنتج قصصا مصوّرة طويلة.
و Barry ليست بالوحيدة الّتي تعتبر أنّ مستقبل الإبداع البشري مهدّد بسبب تراجع مواقف الملل، إذ يشاركها في ذلك الفوتوغرافيّالأمريكيّ Eric Pickersgill الّذي ركّزت أعماله الفنّيّة على إفقاد الهواتف الذّكيّة لمتعة لحظات التّواصل الحقيقيّ بين الأشخاص، بروفيسور علوم الكمبيوتر كذلك Calvin Newport 4912 بدوره بتأليف كتاب عنوانه Deep Work جمع فيه نتائج أبحاثه الّتي توصّلت إلى انّنا نشهد ضياع فرصٍ إبداعيّة بسبب الوقت الّذي نمضيه في استعمال أجهزتنا الذّكيّة. كما نشير كذلك إلى خطاب الكاتبة و الصّحفيّة مانوش زمرّدي¤WA36 4912 السّنة الماضية في مؤتمر تيد و الّذي تحدّثت فيه عن أهمّيّة حالة الملل و الضّجر في حياة الفرد و كيف تفرز أفضل الأفكار الإبداعيّة.