مرَّ عقدان فقط من القرن الـ21، ونشبت فيهما بالفعل 6 صراعات خلَّفت أكثر من 10 آلافٍ من الضحايا في الشرق الأوسط . وما يزيد من التهديدات التي تواجه هذه المنطقة الحرجة أنَّ العديد من المحللين يحذرون من احتمالية نشوب مزيدٍ من الصراعات، لكنَّها هذه المرة ستكون حرب على المياه .
إذ صرَّح هانز فان جينكل، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، بان «الحروب على المياه، سواءٌ كانت دوليةً أو أهلية، تهدد بأن تصبح مكوناً رئيسياً لمشهد القرن الـ21». وإذا لم يوضع حدٌّ لاحتمالية الصراع التي تلوح في الأفق، فسوف تُجَرُّ الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى حربٍ أخرى في الشرق الأوسط، حسب تقرير لمجلة The National Interest الأميركية.
أكثر المناطق عرضة للحروب بسبب ندرة المياه
تتعاظم ندرة الموارد وتنتشر في المناطق المعرضة لخطر نشوب الصراعات، مثل المنطقة الممتدة بطول نهر النيل والعراق واليمن في الشرق الأوسط . لكنَّ بلاداً أخرى مثل الصومال والسودان واجهت مؤخراً مجاعاتٍ أو جفافاً ارتبط بِقَطْع الطرق والصراع داخل الدولة.
غير أنَّ المنطقة التي تواجه احتماليةً أكثر إثارة للقلق لنشوب صراع بين الدول بسبب ندرة الموارد، وندرة المياه تحديداً، قد تكون منطقة حوض نهر الأردن في الشرق الأوسط .
لا تقتصر المسألة على كون الحوض أحد أكثر الأماكن التي تعاني نقص المياه على مستوى نصيب الفرد؛ بل إنَّها تضم أيضاً بلاداً لها تاريخ سابق من الصراعات: سوريا وإسرائيل وفلسطين ولبنان والأردن.
حتى منتصف القرن الـ20، كانت المياه مورداً وفيراً في حوض نهر الأردن. فقد ضمنت أنظمة القنوات والري استدامة توافر المياه حتى مع زيادة التعداد السكاني حول النهر، ومنعت الاتفاقيات الثنائية قدراً كبيراً من أحداث العنف.
لكنَّ المزيج الثنائي الحالي من انعدام استقرار المنطقة وتناقص إمدادات المياه يمكن أن يزعزع هذا السلام.
صراعات سابقة وتنبُّؤٌ حرب على المياه في الشرق الأوسط
وقع عنفٌ من قبلُ حول المياه في حوض نهر الأردن؛ إذ ذكر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أرييل شارون، أنَّه «في الواقع (حرب الأيام الستة) بدأت في اليوم الذي قررت فيه إسرائيل أضد تحويل مجرى (نهر) الأردن». (كانت جامعة الدول العربية تساعد في إمداد سوريا والأردن ولبنان بالمعرفة والموارد لتحويل مجرى نهر الأردن بعيداً عن إسرائيل).
وارتكبت كذلك جهاتٌ غير حكومية في منطقة الشرق الأوسط من قبلُ عنفاً متعلقاً بالمياه: ففي عام 1965، نفذت حركة التحرير الوطني الفلسطيني، التي عُرفت بعد ذلك بحركة فتح، هجماتٍ على نمط حرب العصابات، على مشروع المياه في إسرائيل، وهو مشروع لتأسيس بنية تحتية تجلب المياه من بحيرة طبريا إلى وسط وجنوب إسرائيل.
ومنذ الستينيات، وقع عددٌ من الصراعات والنزاعات الأقل شهرة بسبب المياه؛ إذ يشير معهد الأطلسي، الذي جمع قاعدة بيانات حول الصراعات المتعلقة بالمياه حول العالم، إلى وقوع 92 حادثاً متعلقاً بالمياه في الشرق الأوسط.
كانت أغلب هذه الحوادث منسوبة إلى الخلافات الإنمائية، أو الإرهاب، أو حوادث استُخدمت فيها المياه باعتبارها أداةً عسكرية أو هدفاً عسكرياً.
غير أنَّ الحرب على المياه ما تزال أقل من الصراعات حول الموارد الطبيعية الأخرى مثل النفط، على الرغم من تنبؤ بطرس بطرس غالي، الدبلوماسي المصري والأمين العام السابق للأمم المتحدة، بأنَّ «الحرب القادمة في الشرق الأوسط سوف تُخاض حول المياه، وليس السياسة».
خاصةً أن المستقبل متشائم من قدرة البلدان المعنيَّة على مواجهة الخصاص
وربما يُقوَّض ميزان القوى الحالي في منطقة حوض نهر الأردن بنقص الموارد الناجم عن التغير المناخي؛ إذ تتنبأ النماذج المناخية المتطورة بأنَّ نقص مياه بلاد الشام في القرن الـ21 يمكن أن يصل إلى مستوياتٍ كارثية ما يهدد باندلاع حرب على المياه في الشرق الأوسط .
ووفقاً لدراسةٍ أجراها في عام 2010 جيني ساورز وأفنر فينغوش وإريكا واينثل، سوف تشهد بلاد الشام نقصاً بنسبة 25% في كمية الأمطار التي تهطل سنوياً بحلول نهاية القرن الـ21.
واللافت للنظر أكثر هو ما ذُكر في مقالٍ يعود إلى عام 2007 كتبه موسى محسن، يشير فيه إلى أنَّه في حالة استمرار الاتجاهات الحالية، فإنَّ نصيب الفرد من إمدادات المياه سوف يقل أكثر من النصف.
وبعض البلاد، التي ضعفُت بالفعل من الحرب الأهلية وانعدام الاستقرار السياسي، ستتأثر بنقص المياه أكثر من بلادٍ أخرى. على سبيل المثال، يُتوقَّع أن تواجه سوريا شُحَّاً مائياً معيقاً، فضلاً عن موقفها السياسي المشحون بالأساس.
وتنبأ تقرير التنمية البشرية الذي يصدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي انخفاضاً في توافر المياه بسوريا بنسبة 50% بحلول عام 2025.
يعتبر موقف المياه في الشرق الأوسط معروفاً على نطاقٍ واسع؛ إذ إنَّ الاستقصاءات التي أُجريت على السكان المحليين توضح أنَّ أغلبية السكان تستوعب مدى السرعة التي تُستهلَك بها موارد المياه.
ووفقاً لما جاء في الدراسة الاستقصائية للمنتدى العربي للبيئة والتنمية والتي أجريت على بلاد العالم العربي، اعتقد 72% من المشاركين أنَّ التغير المناخي قد يؤثر على توافر مياه الشرب في بلادهم.
وحتى من دون أفلام هوليوود -مثل فيلم Quantum of Solace- التي تعمم احتمالية الحرمان من مياه الشرب، ثمة مجموعة وفيرة من الأمثلة الواضحة على انخفاض مستويات المياه في حوض نهر الأردن. تنخفض على سبيل المثال، مستويات المياه في البحر الميت متراً كل عام؛ بسبب الاستهلاك الكثيف في الأردن وإسرائيل لمياه الأنهار التي تصب في البحر.
لكن البعض يرى أن الأمر مبالَغ فيه
يدحض بعض الباحثين هذه الرواية التي تشير إلى اندلاع حرب على المياه . وتنظر حججهم في العموم إلى اعتبارين: الواردات والحلول البديلة.
تفترض إحدى هذه المدارس الفكرية أنَّ واردات السلع المستهلِكة للمياه بطبيعتها مثل الغذاء يمكن أن تشكل بديلاً عن السلع المحلية. غير أنَّ هذا الرأي يضع البلاد، ولا سيما هذه البلاد غير الساحلية في الشرق الأوسط ، تحت رحمة الموردين.
وتذكر المدرسة الثانية أنَّ تطور تكنولوجيا تحلية المياه يمكن أن يوفر المياه الضرورية لتلبية الطلب. على الرغم من هذا، تزيد محطات التحلية من ملوحة الموارد المائية الباقية، ما يمكن أن يثير مشكلاتٍ جديدة في النظام البيئي المحلي. الأكثر من هذا أنَّ الاعتماد على قفزاتٍ تكنولوجية غير أكيدة لا يشكل استراتيجية ينبغي للبلاد أن تراهن بمستقبلها عليها.
في المستقبل القريب، ستكون هناك حدودٌ لآفاق التحلية وبناء السدود. ومستويات المياه بحوض نهر الأردن تقل في الوقت الحالي، وستواصل انحسارها بمعدلاتٍ شديدة الانحدار. وفي ظل الفرضية التي تشير إلى إمكانية اندلاع حربٍ حول المياه بالشام، ينبغي للولايات المتحدة أن تتبع 3 مسارات عمل.
يجب عليها أن تتخذ السبيل الدبلوماسي لصياغة اتفاقاتٍ جديدة ثنائية ومتعددة الأطراف حول تشارُك الموارد، ويجب عليها إجراء استقصاءٍ وتحليلٍ حول لوجيستيات السلاسل الغذائية مع الشركاء في المنطقة، ويجب عليها أيضاً مساعدة حلفائها عسكرياً لتأمين البنى التحتية الحيوية للمياه.
وهذا ما هو مطلوب من واشنطن لمواجهة احتمالات نشوب حرب على المياه
أولاً، ينبغي للولايات المتحدة المساعدة في وضع اتفاقاتٍ جديدة لتشارُك المياه لتعويض قصور المعاهدات الحالية، بدلاً من مساعيها بالحرب الأهلية السورية.
تملك الولايات المتحدة سابقةً في المساعدة على اجتياز قضايا المياه بحوض نهر الأردن وتجنب حرب على المياه : فبعد الصراعات التي شهدها عام 1953 حول نهر اليرموك، أرسل الرئيس الأميركي أيزنهاور السفير إيريك جونسون لصياغة تسوية.
خَصَّصَت نسخةٌ من «اتفاقية جونسون»، التي لم يُصدَّق عليها مطلقاً، 60% من استهلاك مياه نهر الأردن للبنان وسوريا والأردن، وخصصت 40% من هذا الاستهلاك لإسرائيل.
وعلى الرغم من المعاهدات والاتفاقات الثنائية القائمة بين بعض الأطراف المعنيَّة في المنطقة، ما يزال الوصول إلى اتفاقٍ شامل متعدد الأطراف صعبَ المنال.
يتعلق الأمر الثاني بأنَّ المساعدة في تلبية مياه حوض نهر الأردن للاحتياجات لن يخفف من بعض الضغوط وحسب؛ بل إنَّه سوف يساعد أيضاً في دفع العجلة الإقليمية للنمو الاقتصادي.
ففي عام 2013، صاغت منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، بالشراكة مع المصرف الأوروبي لإعادة التعمير والتنمية، موجزاً تحليلياً للوجيستيات السلاسل الغذائية من منظور المياه في الأردن.
والبيانات المشابهة لتلك المعروضة في التقرير، الذي يتيح للبلاد تحسين استهداف القطاعات من أجل تنميتها، بإمكانها المساعدة في تقليل الطلب الكلي على المياه، وفي الوقت ذاته تحديد الأماكن التي يمكن الحصول على المياه منها واستيرادها.
الأمر الثالث أنَّ الولايات المتحدة ينبغي لها مساعدة حلفائها في تعزيز أمن البنى التحتية للمياه؛ إذ تعتبر البنى التحتية للمياه هدفاً ذا قيمةٍ كبيرة، سواءٌ لهجماتٍ من جهاتٍ غير حكومية أو هجمات عسكرية موجهة من الدول.
فالأمر مرتبط بالولايات المتحدة رغم بُعدها الجغرافي
ويمكن أن تشكل السدود أحد أشكال البنى التحتية المعرَّضة لخطرٍ كبير، ولا سيما لأنَّها ضرورية لازدهار البلاد، إضافةً إلى أنَّ إعادة بنائها تستغرق وقتاً طويلاً. وتوضح البيانات الجغرافية في «الفاو» وبرنامج DIVA-GIS مدى قرب العديد من سدود الأردن من الحدود المشتركة مع إسرائيل والضفة الغربية.
لن يقتصر تأثير اندلاع حرب على المياه أو حول نهر الأردن على البلاد التي تشارك فيها؛ بل يمكن أيضاً أن يمتد التأثير ليطول الولايات المتحدة. فنظراً إلى انتشار قواتها بالفعل في إسرائيل والأردن وسوريا، من المرجح أن تتحرك الولايات المتحدة عسكرياً لدعم حلفائها. بيد أنَّ الشروع في الاستعداد دبلوماسياً وعسكرياً الآن يمكن أن يقلل من فرصة وقوع مثل هذا الصراع.