مع تزايد أخطاء الهجمات الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن زادت المطالب بفرض قيودٍ أكثر على صادرات الأسلحة للسعودية وجاء قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي ليرفع من وتيرة المطالبة رغم أن الرئيس الأميركي لا يفكر بذلك ويرى أن صفقاته مع الرياض مربحة وسيقف معها.
حسب تقرير شبكة CNN كانت الدنمارك وفنلندا الخميس 22 نوفمبر/تشرين الثاني آخر بلدين يُعلِّقان عقد صفقات أسلحة جديدة مع السعودية. فقالت وزارة الخارجية الدنماركية إنَّها ستُجمِّد عقد أية صفقات جديدة على خلفية حادثة خاشقجي وحرب اليمن، بينما أتت وزارة الخارجية الفنلندية على ذكر اليمن فحسب ضمن أسبابها. منعت فنلندا كذلك مبيعات الأسلحة الجديدة للإمارات، وهي عضوة ضمن التحالف الذي تقوده السعودية في الصراع الدائر باليمن.
جاء إعلان الدولتين بعد يومين فقط من تصريح ألمانيا بأنَّها ستُوقِف كل عمليات تسليم الأسلحة إلى المملكة.
ليست الدنمارك ولا فنلندا مورِّدتين رئيسيتين للأسلحة إلى السعودية، لكنَّ ألمانيا تحظى بهذه المنزلة بالتأكيد. وكانت ألمانيا أوقفت بالفعل عقد أي صفقات أسلحةٍ جديدة مع السعودية، لكنَّها مدَّت قرار الحظر ليشمل تسليم الأسلحة المُتَّفق عليها بموجب صفقاتٍ سارية بالفعل.
إذن من أين تحصل السعودية على الأسلحة؟
غالباً ما تُبرَم صفقات الأسلحة بتكتُّم أو بحدٍ أدنى من العلانية. ويحاول معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام تتبُّع الصفقات التي تتضمَّن أسلحةً كُبرى، وتُبيِّن قاعدة بياناتٍ لواردات السلاح السعودية خلال الأعوام العشرة الماضية أنَّ أكبر دولة مُورِّدة للأسلحة لها هي الولايات المتحدة، تليها المملكة المتحدة، وفرنسا، وإسبانيا، ثُمَّ ألمانياً.
لكنَّ الكثير من المُصدِّرين المُستمرين ببيع الأسلحة للسعوديين قلَّصوا بصورة كبيرة من إمداداتهم للمملكة في السنوات الأخيرة. فوفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام صدَّرت المملكة المتحدة على سبيل المثال للسعودية أسلحةً تُقدَّر قيمتها بـ843 مليون دولار عام 2016، لكنَّها قلَّصت حجم صادراتها تلك إلى النصف تقريباً وبلغت قيمتها 436 مليون دولار العام الماضي 2017. (تستخدم قاعدة بيانات المعهد قيماً تُحسَب بأسعار عام 1990 للتخلُّص من تأثيرات تقلُّبات أسعار العملة والتضخُّم).
بلغت قيمة الصادرات الفرنسية من الأسلحة الرئيسية إلى السعودية ما قيمته 174 مليون دولار في عام 2015، لكنَّها تراجعت حتى بلغت 91 مليون دولار فقط عام 2016، ثم 27 مليون دولار العام الماضي.
وفقاً لتقارير، تراجع أيضاً حجم صادرات الأسلحة الإسبانية للسعودية بصورة كبيرة خلال تلك الفترة، لكنَّ الحكومة الإسبانية أكَّدت هذه السنة 2018 أنَّها ستمضي قدماً في إجراء صفقات الأسلحة التي كانت قد ألمحت من قبل أنَّها ستجمدها، خاضعةً بذلك لضغط مُصنِّعي الأسلحة الإسبان.
الولايات المتحدة تطغى على باقي المُصدِّرين
رغم التراجع المذكور، فالواقع أنَّ القيمة الكلية لواردات الأسلحة السعودية ازدادت بنسبة 37% بين عاميّ 2016 و2017.
يرجع هذا بشكلٍ كامل تقريباً إلى الزيادة الضخمة التي شهدتها واردات الأسلحة من الولايات المتحدة، التي ضاعفت تقريباً قيمة صادراتها إلى المملكة، من 1.8 مليار دولار إلى 3.4 مليار دولار خلال تلك الفترة. كذلك ضاعفت ألمانيا صادراتها من 14 مليوناً إلى 105 ملايين دولار، ولو أنَّه يُتوقَّع انخفاضها بشكلٍ ملحوظ هذا العام بعد قرار التعليق.
مَن أكبر المورِّدين؟
عموماً، لا دولة تكاد حتى تقترب من مستوى واردات الولايات المتحدة من الأسلحة الكبرى إلى السعودية. على سبيل المثال، مثَّلت الولايات المتحدة على مدار الأعوام الخمسة الماضية 61% من حجم صفقات الأسلحة الكبرى مع السعودين، وحلَّت المملكة المتحدة في المركز الثاني بفارقٍ كبير بحصةٍ بلغت 23%، فيما حلَّت فرنسا في المركز الثالث بنسبة 4% لا أكثر.
وفي بيانٍ أصدره الرئيس ترامب الثلاثاء 20 نوفمبر/تشرين الثاني، قال إنَّه سيكون مِن الحماقة إلغاء عقود تصدير الأسلحة الكبرى المُبرَمة مع السعوديين، وإنَّ «روسيا والصين ستكونان أكبر المستفيدين» إذا ما أوقفت الولايات المتحدة مبيعاتها.
وتُبيِّن بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أنَّ الصين تورِّد قدراً لا يُذكَر من الأسلحة الكبرى إلى السعودية، لكنَّه في ازدياد. في حين أنَّ حجم صادرات الأسلحة الروسية إلى السعودية ضئيلٌ لدرجة أنَّه لم يُدرَج في قاعدة بيانات المعهد.
قال بيتر ويزمان، وهو باحثٌ أول ببرنامج الأسلحة والإنفاق العسكري بمعهد ستوكهولم: «حاولت روسيا بجهدٍ على مدار الـ10 إلى 15 عاماً الماضية الدخول إلى سوق الأسلحة السعودية، لكنَّها لم تنجح بذلك. استوردت السعودية بنادق روسية وربما اشترت أسلحةً أخرى، لكنَّ حجم تلك الصفقات كان ضئيلاً جداً».
وقال ويزمان: «أحرزت الصين تقدماً أبرز في دخولها سوق الأسلحة السعودية، وخاصةً ببيعها طائرات مسلحة دون طيار إلى المملكة».
وأضاف: «يُغلِّف الغموض تفاصيل تلك الصفقات، ومن المحتمل للغاية أن نكون استخففنا بدور الصين بصفتها مُصدِّرة للأسلحة إلى السعودية. لكنَّ حجم الصادرات الصينية للسعودية لا يقترب من صادرات الولايات المتحدة، أو المملكة المتحدة، أو حتى فرنسا. مع ذلك، النُقطَة المهم ذكرها هُنا هيَ أنَّ السعودية استكشفت احتمالية تنويع قاعدة مورِّدي الأسلحة إليها».