البنك المركزي عدن- رويترز

الأزمة المالية في اليمن تعصف بواردات الغذاء مع انقسام البنك المركزي

عدن/لندن (رويترز) - قالت مصادر مطلعة لرويترز إن البنك المركزي اليمني، الذي انقسم إلى مقرين متنافسين في بلد مزقته الحرب، بطيء في تمويل واردات الغذاء الضرورية لمواجهة الجوع المتفشي على نطاق واسع.

ووافقت السعودية في يوليو تموز على تقديم قرض تبلغ قيمته ملياري دولار إلى البنك المركزي اليمني الكائن بمدينة عدن الساحلية في جنوب البلاد، وهي مقر الحكومة التي تدعمها الرياض، للمساعدة في تمويل واردات السلع الأساسية.

ومن شأن هذا القرض أن يتيح للمستوردين تغيير الريال اليمني بالدولار لشراء الغذاء لبلد أدى فيه انهيار العملة إلى عجز الكثيرين عن شراء المواد الغذائية الأساسية.

لكن وثيقة أصدرها البنك المركزي في عدن جرى توزيعها في نوفمبر تشرين الثاني واطلعت عليها رويترز وأكدها اثنان من المصادر أوضحت أنه جرت الموافقة على تخصيص ما يزيد قليلا على 170 مليون دولار فقط.

وقال شكيب حبيشي نائب محافظ البنك المركزي للصحفيين في الأسبوع الماضي إن إجمالي المخصصات زاد إلى 340 مليون دولار، لكن لم يتضح حجم المبالغ التي وصلت إلى الشركات التي تريد استيراد الأغذية.

وأضاف حبيشي في مكتبه بالبنك المركزي في عدن أنه كانت هناك الكثير من اللوائح التي يتعين استكمالها، لكن البنك تخطى ذلك. وعلى سطح مبنى يقع في الجهة المقابلة من الشارع، ثمة قناص يربض للحراسة.

ولم يتلق مقر البنك المركزي المنافس في العاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي التي تحارب تحالفا تقوده السعودية منذ نحو أربعة أعوام، أي أموال من القرض السعودي.

وكان هذا متوقعا نظرا لملابسات الحرب. لكن مع ذهاب القرض السعودي إلى عدن، جري توجيه الأموال بعيدا عن المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في الشمال حيث تصل معظم واردات الغذاء.

ويسارع التجار الذين كانوا يتعاملون من قبل مع البنك المركزي في صنعاء إلى العمل الآن من خلال البنك الكائن في عدن، في تحول أدى لمزيد من التأخيرات ومشكلات في السداد.

* صعوبات

وقال مسؤول كبير بالبنك المركزي في عدن، طلب عدم ذكر اسمه، إن البنك يواجه صعوبات.

وأضاف ”هناك حالة من الارتباك على مستوى البنك المركزي... ما من أحد على دراية كاملة بالمشهد... هذا يحدث لعدم وجود جهة إشراف أو قيادة عليا“.

ويقول بعض التجار إن مقر البنك في عدن يفضل المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. وينفي حبيشي ذلك، قائلا إنه ليس من الوارد أن يصدر البنك خطابات ائتمان لمن يعملون في بعض مناطق البلاد دون غيرهم.

كما شكك حبيشي في وضع البنك المركزي في صنعاء. وقال ”لا توجد حاجة اسمها توحيد البنك المركزي، البنك المركزي موجود وتم نقله.. نقل عملياته إلى عدن كبنك مركزي وكمقر رئيسي للبنك المركزي“.

ونقلت الحكومة البنك المركزي إلى عدن في عام 2016 واتهمت الحوثيين بتبديد أربعة مليارات دولار من احتياطيات البنك خلال الصراع. ويقول الحوثيون إن هذه الأموال استخدمت لتمويل واردات الغذاء والدواء. ولم يتسن الوصول إلى متحدث باسم الحوثيين للإدلاء بتعليق.

وقال محمد السياني، وهو أكبر مسؤول بالبنك المركزي في صنعاء، لرويترز إن اللوائح التنظيمية التي أصدرتها البنك في عدن في يونيو حزيران جعلت من شبه المستحيل على تجار الأغذية في صنعاء أن يستفيدوا من القرض السعودي، وزادت من التكلفة عليهم.

وأشار إلى أن اللوائح التنظيمية تتضمن ضرورة حصول التجار على خطابات ائتمان في عدن وضمان وصول سلعهم إلى هناك.

وأضاف أن حوالي 80 بالمئة من هؤلاء التجار يتخذون من صنعاء مقرا لهم، ومن ثم فإن هذا انحياز ونوع من الحرب الاقتصادية لأهداف سياسية، قائلا إن كل بنيتهم التحتية مثل الصوامع وغيرها توجد في موانئ الحديدة والصليف.

* هدنة مصحوبة بالأمل

في خطوة قد تسهل جلب الغذاء، اتفق الجانبان خلال محادثات سلام بوساطة الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي على هدنة في مدينة الحديدة الساحلية التي يسيطر عليها الحوثيون وكذلك سحب جميع القوات منها.

وقال مسؤول في الأمم المتحدة لرويترز إن فتح ميناء الحديدة يمثل نقطة انطلاق حيوية لتدفق الواردات.

وقال عبد السلام ولد أحمد مساعد المدير العام والممثل الإقليمي لمنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) ”نحتاج بعد ذلك لحل المشكلات الأخرى مثل الحصول على العملة من البنك المركزي على وجه الخصوص“.

ويمر 70 بالمئة من واردات اليمن من السلع التجارية والمساعدات عبر ميناء الحديدة، الذي يمثل شريان حياة لنحو 15.9 مليون شخص يواجهون الجوع الشديد في البلد الفقير الذي يبلغ عدد سكانه 30 مليون نسمة.

وقال برنامج الأغذية العالمي إن الهدنة تسمح بالوصول إلى 51 ألف طن من مخزونات القمح التابعة له يتعذر الوصول إليها منذ سبتمبر أيلول بسبب القتال.

وقال أحد المستوردين الكبار، طالبا عدم ذكر اسمه، إنه لا يمكن نقل أي شحنات قمح جديدة إلى مينائي الحديدة والصليف بسبب عدم السداد. ومازال المستورد في انتظار أكثر من 50 مليون دولار من العملة الأجنبية.

ولا يزال مستورد ثان للحبوب في انتظار تلقي نحو 20 مليون دولار من العملة الأجنبية وأوقف الشحنات الجديدة.

وقال المصدر التجاري الثاني ”يتعين على تجار القطاع الخاص سداد ثمن البضائع قبل حتى أن يجري شحنها. لذلك، يفتقرون بالفعل إلى الأموال“.

* تراجع الاحتياطيات

قالت الأمم المتحدة إن اليمن يحتاج مساعدات خارجية بمليارات الدولارات لتجنب انهيار جديد للعملة.

ويواجه البنك المركزي صعوبة في دفع أجور القطاع العام في ظل تراجع شديد في احتياطيات النقد الأجنبي. ويمكن للمركزي الاستفادة من حساب في مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) بقيمة 200 مليون دولار، بينما يوجد مبلغ قدره 87 مليون جنيه استرليني مجمد في حساب ببنك انجلترا المركزي. وامتنع بنك انجلترا عن التعليق.

وحاولت السلطات تعزيز السيولة في العام الماضي عن طريق طباعة نقود. ومنذ ذلك الحين فقد الريال نصف قيمته.

وتعمل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي على إعادة توحيد البنكين المركزيين المتنافسين.

وقال محمد علوي أمزربه مدير ميناء عدن إن نحو 85 بالمئة من السلع التي تصل إلى عدن يمكن أن تصل إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. لكن في اليوم التالي تم إلغاء احتفال في موقع يبعد ساعتين عن عدن لافتتاح طريق ينقل السلع باتجاه الشمال لدواع أمنية.

ومشكلات اليمن أكبر بكثير من استيراد الغذاء. وفي سوق للأسماك في عدن، هلل الحاضرون بينما كان أحد الصيادين يستعرض سمكة قرش صغيرة اصطادها، لكن المشترين كانوا قلة.

وقال موظف في وزارة الثروة السمكية يدعى ناصر بريك ناصر ”من قبل، كان بإمكانك شراء هذا القرش مقابل ألفي ريال. أما الآن، فتحتاج إلى سبعة آلاف ريال“.