سبوتنيك
لم يكتب أحد عن القاهرة ما كتبه نجيب محفوظ، كتب بإخلاص عن كل ما فيها، عن حواريها وشوارعها وأزقتها، عن أفراحها وأحزانها وعادات ومهن ناسها، كتب عن سكانها الغلابة والفتوات، كتب عن القاهرة ورسم ملامحها كفنان وهب عمره للوحة واحدة.
يقول البعض أن ما كتبه نجيب معجزة يقترب من معجزات الأولياء، تلك التي يتحول فيها التراب إلى ذهب، هكذا فعل نجيب في "القاهرة الجديدة" (1945)، و"زقاق المدق" (1947)، و"بداية ونهاية" (1949)، و"أولاد حارتنا" (1959)، و"اللص والكلاب" (1961)، و"الشحاذ" (1965)، و"ثرثرة فوق النيل" (1966)، و"ملحمة الحرافيش" (1977)، و"ليالي ألف ليلة" (1982)، وغيرها من الأعمال التي كتبها الأديب العربي الوحيد الذي حصل على جائزة نوبل للأداب.
مثل هذا اليوم منذ 107 أعوام صرخت امرأة حامل بأن الموت يقترب منها، إنها ولادة متعثرة، استعانت الأسرة بطبيب قبطي فاستطاع أن ينقذ الأم والجنين، وإكراما له كتبوا الطفل على اسم الطبيب، نجيب.
كبر الطفل وعرف طريقه مبكرا، وبدأ مشواره الأدبي عام 1930، كان عمره وقتها 19 عاما، عندما نشر أول قصة أدبية له في "المجلة الجديدة" التي كان يترأس تحريرها سلامة موسى في 3 أغسطس 1934 بعنوان "ثمن الضعف".
واستمر في إنتاجه الأدبي حتى عام 1994 وأنتج أكثر من 50 كتاباً ما بين روايات طويلة ومجموعات قصصية ومسرحيات، ومقالات ودراسات ومذكرات وتحليلات سياسية، وترجمت أعماله إلى أكثر من لغة.
عٌرف عن نجيب عدم ميله إلى الدخول في أي صراع مع أي شخص أو جهة إلا أن الجماعات الإرهابية اعتبرته مسيئا للدين الإسلامي ومتطاولا عليه، في رواياته، واتخذته هدفا لعملياتها الإرهابية إذ طعنه أحد أعضاء الجماعات الإسلامية في عنقه عام 1994، في محاولة فاشلة لاغتياله.
لم يشف نجيب تماما من أثار هذه المحاولة، وأثرت على أعصاب الرقبة، وكان لهذا تأثيرا سلبيا على عمله حيث أنه لم يعد قادرا على الكتابة سوى لبضع دقائق يوميا، وأعلن خبر وفاة صاحب "الثلاثية" الذي غير شكل الرواية العربية في 30 أغسطس/ آب 2006، وأقيمت لها جنازتان الأولى شعبية من مسجد الحسين، والثانية جنازة عسكرية حضرها رئيس الجمهورية وقتها، محمد حسني مبارك.
غير أن الجدل حول هاتين الجنازتين لازال مستمرا حتى الآن، خاصة بعدما نشر الصحفي المصري محمد شعير مقالا في 2017 كشف فيه عن مفاجأة مدوية.
كتب شعير، وهو صاحب كتاب "أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة"، أنه "منذ أحد عشر عاماً، اقتحم رجال أمن الرئاسة مستشفى الشرطة، وصادروا جثمان نجيب محفوظ. أصبح الجثمان تحت (الرعاية) الكاملة لخبراء المفرقعات في رئاسة الجمهورية، منذ تلك اللحظة أصبحوا مسؤولين عن كافة تفاصيل الجنازة، من غسل وتكفين، بل مسؤولين أيضاً عن تفتيش أفراد العائلة والأصدقاء تفتيشاً دقيقاً، حرصاً على سلامة الرئيس الذي سيشارك في تشييع أديب مصر".
وأضاف شعير "بعد كل هذه الإجراءات كان لابد من تمرير الجثمان في أجهزة كشف المفرقعات، وحراسة الجثمان بعد ذلك ومنع أي أحد من الاقتراب حتى موعد الجنازة. لم يتحقق حلم محفوظ بأن تخرج جنازته الشعبية من (سيدنا الحسين) كما تمنى. فقد كانت المفاجأة أن النعش الذي حمل إلي مسجد الحسين كان فارغاً، حيث نقل جثمان محفوظ مباشرة إلي مسجد آل رشدان حيث الرئيس والجنرالات في الانتظار.. لم يتحمل الرئيس السير في الجنازة سوى دقائق، لم تتجاوز ثلاث دقائق، فقط من أجل التصوير أمام الكاميرات، انسحب مع مرافقيه، وحراسه تاركين الجثمان".