ذكرت مصادر خاصة لـ «عربي بوست» أنّ السطات السعودية أوقفت حساب الداعية السعودي محمد العريفي وشطبته من على تويتر، وذلك على خلفية إثارة الرأي العام السعودي عبر مواقع وحسابات التواصل الاجتماعي لقضية نجله عبدالرحمن وتسريب خبر اعتقاله في السجون السعودية منذ نحو عام.
هذا الأمر دفع السلطات السعودية إلى اتخاذ قرار إيقاف الحساب كإجراء احترازي ووقائي، خشية أن يثير العريفي قضية نجله عبر حسابه الشخصي، سواء عبر مطالبة الجهات الرسمية بإطلاق سراحه أو إثارة الرأي العام ومحاولة استعطافه لصفه.
يأتي هذا الأمر بعد الجدل الواسع حول مصير العريفي، وبعد اختفاء حسابه على تويتر الذي بلغ عدد المتابعين عليه أكثر من 20 مليون متابع، إذ تساءل الكثيرون عن مصير الداعية السعودي، بعد مرور عدة أيام على اختفائه عن الظهور في مواقع التواصل الاجتماعي، وتوقف صفحاته على الشبكات الاجتماعية.
وذكرت المصادر نفسها – التي رفضت التصريح باسمها خشية الملاحقة الأمنية – أنّ العريفي يخضع لرقابة مشددة من قِبل السلطات السعودية، إذ تمّ منعه من كافة الأنشطة المتعلقة بالخطابة وإلقاء المحاضرات والدروس، إضافة إلى منعه من السفر والتواصل مع الجمهور واستقبالهم في منزله الشخصي، كما تمّ منع العريفي من إبداء آراء سياسية أو التغريد عبر حسابه الشخصي في وقت سابق.
وأوضحت المصادر أنّ العريفي لم يعتقل من قِبل سلطات بلاده، لكنّها أجبرته على حذف حسابه بعد هواجس ومخاوف أبدتها السلطات من إثارة قضية نجله عبدالرحمن.
السلطات السعودية لا تثق بالعريفي
مثل هذا الإجراء لم يكن مستغرباً من قِبل السعودية التي تفرض حملة رقابة شديدة على الدعاة والناشطين السعوديين الفاعلين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن العريفي له آراء ونشاطات سياسية تجاه الثورة السورية، خاصة بعد أن شارك في مؤتمر «الجهاد في سوريا» بمصر عام 2013، ودعوته العلنية والصارخة للشباب للالتحاق بالجهاد في سوريا ضد النظام السوري، لنصرة الشعب السوري، وذلك أثناء خطبته للجمعة بمسجد عمرو بن العاص.
كما دعا العريفي إلى دعم سوريا بالمال والسلاح أثناء مشاركته في مؤتمر «موقف علماء الأمة من القضية السورية» الذي انعقد في يونيو/حزيران 2013 بالقاهرة، وبمشاركة 76 رابطة ومنظمة إسلامية في اجتماع عقده المجلس التنسيقي الإسلامي العالمي؛ حيث تمّ تصنيف المجلس هو وعشرات المنظمات والجهات والشخصيات على قائمة إرهاب الدول الأربع (السعودية، الإمارات، مصر، البحرين) بعد الحصار المفروض على قطر.
وتشهد السعودية تحولات إقليمية وسياسية تجاه المنطقة والأزمة السورية التي كانت تعتبر على الدوام أنّه لا مستقبل لسوريا في ظل نظام بشار الأسد، لكن سرعان ما تراجعت هذه المطالبات وآثرت الرياض التعامل مع سياسة الأمر الواقع، بل وحتى عدم ممانعتها من عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية وإعادة فتح سفارتها السعودية في دمشق تيمناً بالموقف الإماراتي والبحريني إضافة إلى الكويتي.
وذكرت مصادر خاصة لـ «عربي بوست» أنّ الرياض اقتنعت ببقاء بشار الأسد، وضرورة التنسيق مع روسيا للوصول إلى تسوية وحل شامل للأزمة السورية، الأمر الذي سينعكس على طبيعة العلاقة بين الرياض ودمشق والتي ستحمل طابعاً جديداً.
السعودية استخدمتهم ثم أزاحتهم
هذا انعكس بالسلب على الدعاة الذين دعموا الثورة والمعارضة السورية بالفتاوى والدعم المادي كالداعية محمد العريفي وعدنان العرعور وغيرهما من الدعاة الداعمين للثورة السورية، حسب المصادر.
وهذا يعني أنّ السعودية كانت قد استخدمتهم كأداة وكورقة ضغط على النظام السوري، وبعد انتهاء الدور المطلوب منهم عملت على إزاحتهم وتغييبهم من تصدّر المشهد الديني والاجتماعي.
هذا وكانت السعودية قد سعت عام 2013 وأثناء الأزمة السورية الداعية إلى استدراج العريفي لإقناع المقاتلين السعوديين في سوريا بالعودة إلى بلادهم، إذ طلبت منه شخصياً التوجه إلى داخل الأراضي السورية، وتحديداً إلى مناطق الشمال، لأجل ثني الشباب السعودي المشارك في الساحة السورية عن القتال.
لكنّ العريفي رفض الأمر بسبب أنّه قد شعر أنّه قد يستخدم كورقة وكارت يتم التخلص منه فيما بعد، وهذا ما أكدته مصادر خاصة أيضاً لـ «عربي بوست».
السلطات السعودية وإصلاحات محمد بن سلمان
ولم تكتفِ السعودية بقيادة ولي عهدها الجديد محمد بن سلمان بمثل هذا الأمر، بل سعت إلى إقناع المشايخ والدعاة في السعودية برؤية وتوجهات ولي العهد.
فمنذ اعتلائه سدة الحكم بالسعودية، وتحديداً قبل ثلاثة أعوام، أصبح الرجل يضطلع بأدوار خارجة عن المألوف والنهج السعودي «التقليدي» الذي قامت عليه الدولة السعودية الأولى والثانية، بل وحتى الثالثة، الأمر الذي لم يرُق لكثير من الدعاة والمشايخ السعوديين.
وبهذا الخصوص كانت السلطات السعودية قد طلبت شخصياً من العديد من المشايخ والدعاة الموافقة على النهج والرؤية الجديدة التي يتبعها ولي العهد فيما يعرف بـ «التجديد» و «الإصلاح»، وكان من جملتهم العريفي الذي لم يقف عائقاً ضد توجهات ولي العهد الجديد المتعطش للتغيير، بل كان موافقاً عيلها كقيادة المرأة للسيارة وإنشاء هيئة عامة للترفيه وافتتاح دور للسينما وإقامة الحفلات الغنائية وتقويض صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لكنّ آخرين أبدوا اعتراضهم على هذا النهج كالداعية سلمان العودة وعوض القرني وسفر الحوالي وسلمان الدويش وعلي بادحدح وغيرهم، الأمر الذي أدى إلى اعتقالهم وسجنهم في السجون كعقاب رادع وجماعي على اعتراضهم على سياسة ورؤية محمد بن سلمان الجديدة.
ولي العهد لا يثق بالدعاة
وأوضح المستشار القانوني والعضو السابق في النيابة العامة بالرياض، محمد القحطاني، لـ «عربي بوست»، أنّ الحكومة والسلطات السعودية وحتى ولي العهد السعودي لا يثقون كثيراً بالدعاة والمشايخ، خاصة من التيار السلفي «الصحوي» حتى لو أنّهم أبدوا موافقتهم ومهادنتهم لولي العهد في كثير من المواقف والآراء.
ويوضح القحطاني أنّ محمد بن سلمان يرى أنّ الدعاة والمشايخ يقفون عقبة حقيقية ضد سياسته ومنهجيته الجديدة المخالفة أساساً للمنهج التقليدي الذي كانت تسير عليه الدولة السعودية منذ نشأتها في العهد الأول والثاني والثالث «الحالي».
هذا الأمر جعل ولي العهد يتحين الفرصة المناسبة للتخلص ممن يعتبره عقبة حقيقية في طريقه، مشيراً إلى أنّ الداعية العريفي لا يروق كثيراً للنظام السياسي بالسعودية، خاصة بعد أن دعا العريفي للجهاد في سوريا علانية، وهذا ما تعتبره السعودية تجاوزاً، وأنّه تسبب في التغرير والزج بمئات بل بالآلاف من الشباب السعودي في ساحات القتال بسوريا.
ويختم القحطاني حديثه قائلاً: «من الضروري معرفة أنّ السطات السعودية تضيق الخناق والرقابة على كثير من الدعاة والناشطين السعوديين، بل وحتى تقوم بمنعهم من السفر، والتحكم بحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بل وتطلب منهم صراحة نشر تغريدات وآراء على حساباتهم، وذلك لكثرة المتابعين لها ومعرفة مدى تأثيرها في المجتمع السعودي، ومن ضمنهم العريفي».