أصبح أحد أحجار الهرم الأكبر في مصر محلَّ صراعٍ دبلوماسيٍّ، بعد أن تقرَّر عرضه في المتحف القومي الأسكتلندي، وقالت الحكومة المصرية إن الحجر ربما قد هُرِّب بطريقةٍ غير شرعيةٍ إلى خارج البلاد.
وتواصَل مسؤولون من السفارة المصرية مع المتحف القومي الأسكتلندي في إدنبرة للمطالبة بتقديم برهانٍ على شرعية ملكيتهم لهذا الأثر النادر، بحسب صحيفة The Daily Mail البريطانية.
وجاء الحجر الخارجي من هرم الجيزة الأكبر، وسيُعرَض للمرة الأولى في المتحف منذ قدومه إلى إدنبرة عام 1872.
وسيكون الحجر الخارجي الوحيد المعروض من الهرم في أي مكانٍ في العالم عدا مصر.
مصر تطالب بإعادة الحجر العتيق إلى القاهرة
وقد أعلن المتحف عرضه في الشهر المقبل احتفالاً بالذكرى المئوية الثانية لميلاد الرجل الذي رتَّب إحضار الحجر إلى بريطانيا، الفلكي الملكي السابق تشارلز بيازي سميث.
إلا أن وزارة الآثار المصرية أعلنت من جانبها أنها ستطالب بإعادة الحجر إلى مصر في حال لم يستطع المتحف تقديم وثائق تثبت نقله بطريقةٍ شرعيةٍ إلى داخل البلد.
يعدُّ هذا القالب الكبير من الحجارة الجيرية البيضاء الفاخرة واحداً من الحجارة الخارجية القليلة المتبقية من الهرم الأكبر والتي تكوَّنت منها الأسطح الخارجية للأهرام.
ومن المقرر أن يمثِّل القطعة المركزية للمعرض الجديد، «إعادة اكتشاف مصر القديمة»، بدءاً من يوم 8 فبراير/شباط المقبل.
بُنِي هرم الجيزة الأكبر بأمر من الملك خوفو، ويعود تاريخ بنائه إلى ما بين 2589 و2566 قبل الميلاد، وهو أقدم الأهرامات الثلاثة وأكبرها.
وكان مكسواً بحجارةٍ جيريةٍ مصقولةٍ ناصعة البياض أُحضِرَت من أحد مقالع الحجارة في طرة، على بعد أكثر من 14 كم جنوباً بمحاذاة نهر النيل.
وشكَّلت الحجارة السطح الخارجي للأهرامات وتمتاز بأوجهها المنحدرة المثلثة.
وتقول الصحيفة البريطانية إن هيئة المتاحف القومية الأسكتلندية تدرس في الوقت الراهن ردَّها على طلب الحكومة المصرية.
وقالوا إن الحجر قد اكتُشِف بين حطامٍ متفكِّكٍ عند قاعدة الهرم عام 1869، وأحضره إلى بريطانيا بعد ثلاثة أعوامٍ مهندسٌ إنكليزيٌّ يُدعى واينمان دكسون.
وكان دكسون يقوم بتحرياتٍ في الجيزة لصالح سميث، الذي كان حينئذ الفلكي الملكي لأسكتلندا.
وكان سميث مهتماً بأبعاد الهرم الأكبر والحجر الذي أُعيد إليه من إدنبرة.
في الأصل، كان الحجر معروضاً بمنزله في إدنبرة موضوعاً بصندوقٍ زجاجيٍّ مصنوعٍ خصيصاً.
وقد تبرع به المرصد الفلكي عام 1955 إلى هيئة المتاحف القومية.
ماذا فعلت القاهرة لاسترداد الحجر؟
وتعليقاً على الأمر، أصدرت وزارة الآثار المصرية بياناً ورد فيه: «لقد راسلنا وزارة الخارجية المصرية لاتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للتواصل مع السلطات الأسكتلندية والمتحف القومي الأسكتلندي لإرسال وثائق ملكية الكتلة الحجرية وشهادات تصديرها، وطريقة إخراجها من مصر وتاريخ الحصول عليها».
وتابع البيان: «إن القانون المصري الحالي لحماية الآثار يحرِّم الاتجار في الآثار. لا يُسمَح بتصديرها وتُعتَبَر مالاً عاماً. وإذا ثبت أن هذه الكتلة أو أية آثارٍ أخرى قد نُقِلَت بطريقةٍ غير شرعيةٍ، ستُتَّخذ جميع الإجراءات اللازمة لأجل استعادتها».
على الجانب الآخر، صرَّحت ممثلةٌ عن المتاحف القومية الأسكتلندية قائلةً: «لدينا في مجموعاتنا الأثرية حجرٌ خارجيٌّ من هرم الجيزة الأكبر اكتُشِف من بين حطامٍ متفكِّكٍ عند قاعدة الهرم الأكبر عام 1869. وأحضره إلى بريطانيا المهندس الإنكليزي واينمان دكسون عام 1872».
وأضافت: «لقد تلقينا خطاباً من سفارة جمهورية مصر العربية بشأن هذه المسألة. وندرس فحواها وسنردُّ عليها في الوقت المناسب».
ليست هذه المرة الأولى: النزاع القديم حول «رخامات إلغين»
يذكِّرنا النزاع حول الحجر الخارجي بالصراع المستمر منذ 200 سنةٍ بين اليونان وبريطانيا حول تماثيل البارثينون، الشهيرة باسم «رخامات إلغين»، التي زيَّنت ذات مرةٍ معبد البارثينون في أثينا، وتوجد الآن بالمتحف البريطاني.
وتُعدُّ هذه القضية بشأن الأعمال الفنية الراجعة إلى القرن الخامس قبل الميلاد واحداً من أطول نزاعات التراث الثقافي في العالم.
رخامات إلغين هي مجموعةٌ من تماثيل رخاميةٍ، وكتاباتٍ، وأجزاء معماريةٍ إغريقيةٍ كلاسيكيةٍ، صنع معظمَها النحات الإغريقي فيدياس ومساعدوه.
وقد أمر الإيرل السابع لمدينة إلغين الأسكتلندية، توماس بروس، بإزالة رخامات البارثينون من هضبة أكروبوليس في أثينا أثناء توليه منصب السفير البريطاني إلى الدولة العثمانية من 1799 حتى 1803.
في عام 1801، زعم الإيرل حصوله على إذنٍ من السلطات العثمانية، التي كانت آنذاك هي القوة الحاكمة في الدولة، بنقل بعض القطع من البارثينون.
وبما أن هضبة أكروبوليس كانت لا تزال حصناً عسكرياً تابعاً للعثمانيين، طلبت إلغين الإذن بدخول الموقع.
ثم أزال عملاء الإيرل نصف التماثيل المتبقية، بالإضافة إلى أجزاء معمارية ومنحوتات من بوابة بروبيليا ومعبد أرخثيون.
وانتهت عملية التنقيب والنقل في عام 1812، وكانت تكلفتها الشخصية نحو 70 ألف جنيه إسترليني (90 ألف دولار تقريباً).
وشُحِنَت التماثيل إلى بريطانيا، ولكن في اليونان، اتُّهم الأرستقراطي الأسكتلندي بالنهب والتخريب.
ووضعتها الحكومة البريطانية عام 1816 في المتحف البريطاني. وما زالت موجودةً بمعرض دوفين المبنيِّ خصيصاً بغرض عرضها.
وقد سعت اليونان لاستعادتها من المتحف البريطاني على مرِّ السنين، دون جدوى.
وهناك شكوكٌ عريضةٌ في صحة الإذن الذي حصلت عليه إلغين بإزالة التماثيل من البارثينون، لا سيما أن الوثيقة الأصلية مفقودةٌ. ويزعم الكثيرون أنه لم يكن قانونياً.
إلا أن الفريق الآخر يجادل بأن حقَّهم في الآثار شرعيٌّ ومعترفٌ به، بما أن العثمانيين كانوا يحكمون أثينا منذ عام 1460.
وفي متحفٍ حديث البناء في أكروبوليس بأثينا، وُضِعَت تماثيل البارثينون الباقية في أثينا جنباً إلى جنبٍ مع نسخٍ طبق الأصل من مجموعة التماثيل لدى المتحف البريطاني.
لقد دمَّرت الأمطار الحمضية والتلوث في اليونان المجموعة الإغريقية وشوَّهتها، وقد أصبحت كثيرٌ من التماثيل الآن مجرد كتلٍ حجريةٍ عديمة الشكل.
ولكن المجموعة البريطانية لا تزال محفوظةً بدرجةٍ كافيةٍ لتمييز التخطيطات العضلية على السيقان القوية للقناطير المنحوتة منذ 2500 سنةٍ.
وفي عام 2014، قدَّمت المحامية أمل كلوني، زوجة نجم هوليوود جورج كلوني، مشورةً إلى الحكومة اليونانية بشأن خططٍ للصراع من أجل إعادة التماثيل إلى أرض الوطن.
وأعطت محامية حقوق الإنسان الشهيرة للحكومة اليونانية تقريراً من 150 صفحة تحثُّهم فيه على مقاضاة بريطانيا أمام المحكمة الجنائية الدولية مطالبةً بإرجاع تماثيل القرن الخامس قبل الميلاد، ولكن اعترض وزير الثقافة اليوناني نيكوس كسيداكيس، قائلاً: «لا يمكننا اللجوء إلى المحكمة بشأن أية مشكلةٍ، إلى جانب أن الناتج في المحاكم الدولية غير مضمون».