عندما دخلت هذه الشابة السورية للمرآب سرعان ما تعالت الضحكات، عندما رأى السائقون أن هناك امرأة تستعد لقيادة شاحنة، ولكن عليهم الآن أن يتعودوا على مشهد سائقات الشاحنات في سوريا الذي يبدو أنه سيتكرر كثيراً.
إذ تشهد البلاد تجربة جديدة في عدة مدن، قامت خلالها شركات حكومية بتوظيف فتيات ليصبحن أول سائقات الشاحنات في سوريا.
سمر التي تعيش في مدينة اللاذقية كانت واحدة من هؤلاء السائقات، ولم تأبه لضحكات زملائها السائقين الذكور، وقررت مواصلة التجربة، التي أطلقتها المؤسسة السورية للتجارة.
«عربي بوست» التقى بعدد من هؤلاء السيدات المكافحات، اللاتي يخضن تجربة فريدة بالنسبة للمجتمعات العربية، فكيف كان رد فعل المجتمع السوري، وخاصة السائقين الذين يرون مهنتهم تتعرض للغزو من قبل النساء.
المبادرة جاءت من مؤسسة حكومية
لا تختلف هذه الشاحنة الضخمة التي تسير في شوارع طرطوس عن غيرها، إلا في شيء واحد؛ أنَّ من يقودها امرأة وليس رجلاً.
الساعة السابعة والنصف بات موعداً ثابتاً لا يجوز التأخر عنه بالنسبة للفتاة السورية ديمة.
إذ تتواجد صباح كل يوم في مقر عملها الجديد، ليبدأ يومها مع شاحنتها الجديدة، ولتتجول في شوارع طرطوس، لتصبح من أوائل سائقات الشاحنات في سوريا.
فمنذ مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول 2018، باشرت ديمة المحمد عملها كواحد من ثلاث سائقات اختارتهن المؤسسة السورية للتجارة، ليكنّ أول فتيات يحصلن على وظيفة حكومية، يعملن سائقات للشاحنات في سوريا.
سائقات الشاحنات في سوريا.. إنها وظيفة واحدة تحقق حلمين معاً
لا تُخفي ديمة سعادتها في وظيفتها الجديدة، خاصة أنها باتت محط اهتمام الكثير من وسائل الإعلام ممن أجروا لقاءات معها أو قاموا بتصويرها، باعتبارها من أوائل سائقات الشاحنات في سوريا.
وأضاف ذلك الكثير لسعادتها بعملها الجديد كما تقول ديمة.
إذ تعتبر نفسها قد حققت حلمين معاً، فهي تمكنت من قيادة شاحنة، وأيضاً أصبحت موظفة حكومية في الوقت ذاته.
وتوضح ديمة ذات الـ33 سنة، وهي خريجة معهد صناعي وطالبة في كلية العلوم السياحية، أنها مارست مهنة تعليم قيادة السيارات لعدة سنوات، وقد التحقت في الأصل بهذا العمل بسبب حبها للقيادة واستمتاعها بها.
وهاهي الآن تتوج حبها للسيارات بأن أصبحت من أوائل سائقات الشاحنات في سوريا.
وهذا ما فعله السائقون عندما رأوها لأول مرة
بدت الدهشة على وجوه السائقين عندما رأوا زميلتهم الجديدة ديمة.
كان مشهداً غريباً بالنسبة لهم أن تقود سيدة إحدى هذه الشاحنات العملاقة.
ولكن سرعان ما رحبوا بديمة، بل إنهم شجعوها على العمل.
وقالت إن زملائها تعاونوا معها وساعدوها على حفظ الطرقات الجديدة، وكان تعاملهم جيداً، وإن لم يخل في البداية من الاستغراب، كونهم تفاجأوا من أن شابة تريد قيادة شاحنة ثقيلة.
كمأ أنها تلقت تشجيعاً من عائلتها للإقدام على هذه الخطوة، وأن تصبح واحدة من أوائل سائقات الشاحنات في سوريا.
أما في الشارع، فتقول «إنها تلمح الكثيرين وهم ينظرون لها باندهاش، غير أن بعضهم يحيّها ويشجعها».
وتضيف أن بعض الفتيات قلن لها إنها تمثل قدوة لهن، كونها دخلت مهنة جديدة تعتبر صعبة نوعاً ما بالنسبة للنساء.
أما الرجال فيعتبرونها خطوة شجاعة تستحق الاحترام، كونها تعمل بمهنة شريفة ولا تطلب العون من أحد.
وكيف تتعامل مع الأوضاع الأمنية في البلاد؟
يقتصر عمل ديمة حالياً على مدينة طرطوس على الساحل السوري.
إذ تنقل البضائع من مستودع المؤسسة إلى الفروع، ولكنها مستقبلاً ستنقل البضائع إلى القرى المحيطة بطرطوس، بعد تمكنها من حفظ جميع الطرقات.
ومما سهَّل الأمور على ديمة أن محافظة طرطوس تعتبر من المناطق الهادئة نسبياً، مقارنة بالعديد من المناطق السورية الأخرى حتى في ذروة الأزمة السورية.
عاشقة سيارات المازوت تواجه موقفاً سخيفاً في أول يوم عمل
وليس بعيداً عن طرطوس التحقت سمر العمر للعمل في المؤسسة ذاتها، ولكن في مدينة اللاذقية الواقعة على الساحل السوري أيضاً.
وباشرت سمر أول أيام عملها، بداية شهر ديسمبر/كانون الأول 2018، إلا أنها الآن لم تمارسه بشكل فعلي، ولم تتسلم بعد شاحنة كي تقودها.
وتقول لـ «عربي بوست» إنها تتشوق لقيادة الشاحنة أكثر من السيارات العادية، كونها كانت تملك بالأصل سيارة «فان» استخدمتها لسنوات، كما أنها عملت مدربةً لقيادة السيارات، وحاصلة على شهادة قيادة عمومية.
وتتحدث سمر بحماسة عن ولعها بالسيارات، والسعادة التي تعيشها وهي تقودها باختلاف أنواعها.
الغريب أنها تقول إنها تستمتع بالسيارات التي تعمل على المازوت أكثر من العاملة بالبنزين، وخاصة الكبيرة منها، لأنها تعطي إحساساً بالثبات أكثر على الأرض، وفي الوقت ذاته لها متعة خاصة.
ولكن لم يخل الأمر من بعض المواقف التي تعرّضت لها.
إذ تقول إنها في أول مرة دخلت إلى المرآب ضحك زملاؤها السائقون مستغربين من وجودها في هذا المكان الذي يعمل فيه في العادة الذكور.
تركت دراسة الحقوق إلى مجال السيارات
سمر تبلغ من العمر 35 سنة، وهي طالبة سابقة في كلية الحقوق، لكنها لم تستمر في الدراسة بها لظروف خاصة، وانتقلت للعمل في مجال التدريب على قيادة السيارات.
وحينما اطّلعت سمر على إعلان الشركة السورية للتجارة، الذي طرحته من حوالي العام، تشجعت كثيراً، وقرَّرت خوض التجربة كي تنال وظيفة حكومية ثابتة.
وكانت المفاجأة السعيدة بالنسبة لها أنه تم قبولها، وتؤكد أنها تلقت الدعم والتشجيع من عائلتها وزوجها.
وفي العاصمة.. دفعت الحرب هذه الأم إلى قيادة الشاحنات
في فرع دمشق، نجحت شابة اسمها عبير الذميمي في الحصول على وظيفة سائق في المؤسسة السورية للتجارة (التي أعلنت عن رغبتها في توفير فرص عمل جديدة للنساء أيضاً في دمشق).
وبذلك تكون عبير أول شابة تعمل بهذه المهنة في العاصمة، وواحدة من ثلاث شابات يعملن في وظيفة سائقات شاحنات في سوريا، بعد منافستها مع 11 شابة من مختلف المحافظات السورية.
وعبير سيدة متزوجة، لديها طفل عمره في حدود السنتين، وزوجها متقاعد بسبب تعرضه لإصابة حرب، وكان هو أكثر مَن شجعها على الالتحاق بهذه الوظيفة، التي تضمن لها راتباً ثابتاً ووظيفة حكومية.
لتنضم عبير لقافلة مرشحة للتزايد من سائقات الشاحنات في سوريا.
فلم يعد التحكم في مقود الشاحنات الضخمة حكراً على الرجال في البلاد بعد اليوم.
إذ أثبتت الأيدي النسائية أنها قادرة على تولي هذه الوظيفة، التي كانت يوماً للرجال فقط.