هل تعلم أن هناك دولاً اختفت من على الوجود وانمحت قوميتها، بعد أن كانت موجودة في السابق وتعج بالحياة؟
دول اختفت من على الوجود
وفق صحيفة The Daily Mail البريطانية، فإنه تم توثيق تلك البلدان الضائعة في كتابٍ رائعٍ عنوانه «Nowherelands: An Atlas of Vanished Countries 1840 – 1975″، للباحث والمهندس المعماري بيورن بيرغ.
وما يربط هذه البلدان جميعاً -من هليغولاند في بحر الشمال، إلى مملكة الحجاز بشبه الجزيرة العربية حيث جال لورانس العرب- هو أن كل واحدةٍ منها قد أصدرت طوابعها البريدية الخاصة، وهو ما يُعَدُّ دليلاً دامغاً على أنها كانت قائمةً في الماضي.
هليغولاند
منذ عام 1807 وحتى عام 1890، بلغ تعداد سكانها 2200 نسمة، ومساحتها 0.65 ميل مربع (1.68 كيلومتر مربع).
تشكَّلَت الدولة من جزيرتين صغيرتين تبعدان 45 ميلاً (72 كيلومتراً) عن الساحل الغربي لألمانيا.
وقد احتلَّتهما إنجلترا دون مقاومةٍ تُذكَر في عام 1807، بعدما كانتا تُستخدمان باعتبارهما قاعدةً للقراصنة، وكانت ملكيتهما تعودان لألمانيا والدنمارك.
في البدء كانتا تُستخدَمان باعتبارهما مركز قيادةٍ للتجسُّس على قوات نابليون، ثم منذ عام 1826 استُخدِمتا باعتبارهما منتجعاً ونادياً صحياً يرتاده الزوار الأثرياء من إنجلترا، وبروسيا، وبولندا، وروسيا.
حيث يتدفَّقون إليه للغوص في حمامات المياه المالحة الباردة، التي أعلن الأطباء البريطانيون أنها مفيدةٌ للصحة.
بحلول ذلك الوقت، كان هناك 2200 شخص يُعيشون على الجزيرتين.
ومنذ ستينيات القرن الـ19، بدأت هليغولاند إصدار الطوابع البريدية الخاصة بها، لكنها سُلِّمَت إلى ألمانيا عام 1890 في مقابل جزيرة زنجبار الواقعة على الساحل الشرقي لإفريقيا.
غيَّرَ الألمان اسم الجزيرتين إلى هليغولاند، واستخدمتهما كقاعدةٍ بَحريةٍ في الحربين العالميتين.
استعاد البريطانيون سيطرتهم على الجزيرتين عام 1945، لكنهما سُلِّمَتا إلى ألمانيا مرةً أخرى عام 1952.
وقال بيرغ في كتابه: «بحلول ذلك الوقت، كانت الجزيرتان قد فقدتا كل أثرٍ للتاريخ عدا فوهات المدافع».
وكانت الطوابع التي أصدرتها هليغولاند، على غير المعتاد، مكونةً دائماً من اللونين الأحمر والأخضر على ورقٍ أبيض. وقد رُسِمَت عليها الملكة فيكتوريا بالطبع.
جزيرة فان ديمن
منذ عام 1803 إلى عام 1856، تعداد سكانها 40 ألف نسمة، المساحة 26409 أميال مربعة (68399 كيلومتراً مربعاً).
خلال القرن الـ18، لم يكن هناك الكثير من الأماكن المُكتَشَفة في العالم التي يمكن اعتبارها أكثر غموضاً من جزيرة فان ديمن، الواقعة على الساحل الجنوبي الشرقي لأستراليا.
يشرح بيرغ في كتابه كيف أن نسبةً كبيرةً من ذلك الغموض كان سببها حقيقة أن الجزيرة كانت مسرحاً لأحداث كتاب رحلات غيليفر الصادر عام 1726، للكاتب جوناثان سويفت.
في ذلك الوقت، لم يدرك المستكشفون حتى أنها جزيرة.
لكن بانتهاء القرن الثامن عشر، كان البريطانيون قد أبحروا حولها، واكتشفوا أنها جزيرةٌ تبلغ مساحتها تقريباً مساحة أيرلندا نفسها، ثم حوَّلوها إلى مستعمرةٍ عقابيةٍ مهولةٍ.
كتب بيرغ: «من بين الأشخاص الـ12 ألفاً الذين كانوا على الجزيرة عام 1822، كان 60% منهم سجناء، ولحفظ الأمن والنظام كان المكان بأكمله منظَّماً كدولةٍ بوليسيةٍ».
كان أغلب السجناء من أيرلندا، وويلز، وأسكتلندا، وكانوا مُتَّهمين بالثورة على السلطات البريطانية.
أما حين وصل إليها البريطانيون، فكان يسكن الجزيرة ما بين 3000 و7000 نسمةٍ من السكان الأصليين، الذين كانوا يعيشون في الغالب على لحوم الكانغارو.
لكن في عام 1820، وبسبب شعورهم بالتهديد أحرقوا عدداً من المزارع، وقتلوا المحتلين.
كان رد البريطانيين عديم الرحمة، كما يقول بيرغ. وبحلول خمسينيات ذلك القرن، كانوا قد قتلوا كل السكان الأصليين عدا 16 فرداً، كثيرون منهم قضوا في معسكرات الاعتقال.
حصلت المستعمرة على أول طابعٍ لها في ذلك الوقت تقريباً، وقد ظهرت عليه الملكة فيكتوريا.
لكن بعد ذلك بقليل، وتحديداً في عام 1856، انتبه الحاكم ويليام دينيسون إلى أن اسم الجزيرة موصومٌ بتاريخها المليء بالقمع وسفك الدماء، فقرَّر تغيير الاسم إلى جزيرة تسمانيا.
وفي عام 1876، مات آخر رجلٍ من السكان الأصليين، وفي عام 1901 ضُمَّت الجزيرة إلى دولة أستراليا.
نيو برونزويك في كندا
منذ عام 1784 إلى عام 1867، تعداد سكانها 193 ألف نسمة، المساحة 28149 ميلاً مربعاً (72905 آلاف كيلومتر مربع).
اكتشف الفرنسيون كندا رسمياً عام 1534، بيد أن البريطانيين أرادوا المطالبة بحقهم في أجزاءٍ منها، وخاضوا حروباً عدةً معهم في القرنين الـ17 والـ18 على نوفا سكوشا (نيو أسكتلندا حالياً).
وقد سُمِّيَت هكذا نسبةً إلى السير ويليام ألكسندر الأسكتلندي عام 1632.
في نهاية المطاف انتصروا، وطردوا الفرنسيين، وأحلّوا السلام مع شعوب الميغماك، السكان الأصليين لكندا.
في ذلك الوقت كانت نيو برونزويك جزءاً من نوفا سكوتيا، لكنها قُسِّمَت لتُصبح مستعمرةً منفصلةً عام 1784.
يشرح بيرغ قائلاً إنها سُميت تيمُّناً بالدوق برونشفيغ في شمال ألمانيا، حيث عاش الملك البريطاني جورج الأول طفولته، وانشقَّت عن التاج البريطاني كمقاطعةٍ كنديةٍ عام 1867.
أصدرت نيو برونزويك خلال الفترة التي كانت فيها مستعمرةً بريطانيةً 11 طابعاً بريدياً، من بينها طابعٌ صدر عام 1860 يحمل، بشكلٍ فريدٍ، صورة سفينةٍ بخاريةٍ.
أغلب الظن أنها سفينة «إس إس هانغاريان»، وهي سفينة ركابٍ بريطانيةٍ تعمل عبر الأطلسي، تحطَّمت على الضفة الرملية الغادرة لجزيرة كيب سابل جنوب نوفا سكوتيا. لقي ركاب السفينة، البالغ عددهم 205 أفراد، حتفهم جميعاً.
كاريليا الشرقية
منذ عام 1922، تعداد سكانها 100 ألف نسمة، المساحة 19305 أميال مربعة (49999 كيلومتراً مربعاً تقريباً)
حازت كاريليا الشمالية طابعاً سارياً، والذي صُوّرت عليه صورة دب ضخم غاضب، لأسبوعين فقط، بدءاً من 31 يناير/كانون الثاني حتى 16 فبراير/شباط 1922.
كان يمكن العثور على هذه الدولة محصورةً بين فنلندا والاتحاد السوفييتي، وقد تشكَّلَت في أعقاب إعلان فنلندا استقلالها رسمياً في 6 ديسمبر/كانون الأول 1917.
ووُضِعَت حدودٌ جديدة بين فنلندا والاتحاد السوفييتي، ولكن كما يوضح بيرغ، فقد «تُرِكَت مناطق كبيرة يتحدَّث أهلها الفنلندية في كاريليا الشرقية على الجانب السوفييتي من الحدود، ومن ثم شعر سكانها بالخيانة فتمردوا».
مع ذلك، سُحِقَت الانتفاضة في نهاية المطاف على أيدي القوات السوفيتية وانهارت المقاومة في فبراير/شباط 1922.
وصارت كاريليا الشرقية الجمهورية الكاريليانية الاشتراكية السوفييتية ذاتية الحكم. أما اليوم، فهي تُشكِّل جزءاً من كاريليا، واحدة من جمهوريات روسيا الـ21.
مقاطعة إينيني
منذ عام 1931 حتى عام 1946، تعداد سكانها 5000 نسمة، المساحة 23166 ميلاً مربعاً (59999 كيلومتراً مربعاً تقريباً).
كتب بيرغ أن مقاطعة إينيني، الواقعة في أمريكا الجنوبية، كانت مساحتها ضعف مساحة بلجيكا، «مع عدد سكان لا يتجاوز 3 آلاف نسمة، وهذا العدد لم يشمل بعض السكان الأصليين الذين لم يكلف أحدٌ نفسه عناء معرفة عددهم».
ظهرت المقاطعة عام 1930، بعد قرار استغلال المناطق الداخلية لمنطقة غيانا الفرنسية في الزراعة وزراعة الغابات، والتحكُّم في تعدين الذهب، وفقاً لبيرغ.
وظنَّ المسؤولون أن تلك المساعي كانت ستؤتي ثمارها أكثر لو أنها كُرِّسَت في مستعمرة منفصلة.
أصدرت المقاطعة طابعها الخاص بدءاً من عام 1932 فصاعداً، على غرار ما تصدره منطقة غيانا الفرنسية، مع طباعة فوقية تخط «Territoire de L’Inini (أرض إينيني)».
لم تعدُ إينيني كونها تابعةً لغيانا الفرنسية عام 1946 بعد أن صارت منطقة غيانا تابعة لفرنسا إدارياً.
الحجاز
منذ عام 1916 إلى عام 1925، تعداد سكانها 850 ألف نسمة، المساحة 96525 ميلاً مربعاً (249999 كيلومتراً مربعاً).
قبل ظهور السعودية، وُجدت مملكة الحجاز، التي تشكلت لفترة وجيزة بين عامي 1916 و1925، واشتهرت بـ سوق الحجاز و روابي الحجاز.
وشغلت المنطقةَ الغربيةَ من الجزيرة العربية، وامتدت بطول سواحل البحر الأحمر من خليج العقبة بالشمال حتى اليمن في الجنوب، وفقاً لبيرغ.
قبل عام 1916، كانت منطقة أهل الحجاز جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، لكن بمساعدة البريطانيين، وبالأخص توماس إدوارد لورانس، أُخرج العثمانيون في أثناء ما عُرِفَ بـ الثورة الحجازية.
وكان لورانس صاحب فكرة طوابع المملكة، التي استمدها من الطوابع التي رآها في محطة السكة الحديدية بالقاهرة. وكانت الكتابة الموجودة على الدائرة تقول «مكة المكرمة».
انتهت استقلالية المملكة بعد غزو سلطنة نجد في الشرق.
وعلى خلفية الانتصار، تجمعت الدولتان لتشكِّلا مملكة الحجاز ونجد ، التي أُعيدت تسميتها بعد ذلك لتصبح المملكة العربية السعودية عام 1932.